تعرضت أسواق المال الإماراتية إلى خسائر جسيمة الأسبوعين الماضيين تجاوزت قيمتها 22 بليون درهم بسبب حدثين يتعلقان بشركة "إعمار العقارية"، الأول قرار الجمعية العمومية للشركة توزيع 20 في المئة من القيمة الاسمية لأسهم الشركة أرباحاً نقدية، وهي نسبة لم تلبِّ طموحات المضاربين والمستثمرين في أسهم الشركة أو مطالبهم، علماً ان الشركة وزعت العام الماضي 40 في المئة من قيمتها الاسمية أرباحاً نقدية، والثاني إفصاح الشركة عن مفاوضات حول صفقة تتعلق بإدخال شركة"دبي القابضة"مساهماً استراتيجياً يملك 2.36 بليون سهم تمثل 28 في المئة من رأس مال الشركة، علماً ان رأسمالها المدفوع يبلغ حالياً حوالى ستة بلايين درهم. كشف هذان الحدثان عمق الاختلالات الهيكلية في أسواق الأسهم الإماراتية لجهة ضعف مستوى الإفصاح والشفافية، إذ كان من المفترض ان تفصح"إعمار العقارية"عن نسب توزيعاتها قبل عقد الجمعية العمومية للشركة، وهو الإجراء المتبع في أسواق الأسهم الإماراتية حيث يتم التفاعل المسبق مع قرارات مجلس الإدارة تجنباً لمفاجآت أثناء الجمعيات العمومية تؤدي إلى بيع عشوائي لأسهم الشركة المعنية في اليوم الأول للتداول بعد القرار. كذلك تغيب الشفافية والإفصاح الكافيان من"إعمار"عن تفاصيل صفقتها مع"دبي القابضة"لجهة موقع الأراضي التي ستحصل عليها"إعمار"مقابل حصول"دبي القابضة"على الأسهم، والجهة التي ستتولى تقويم الأراضي، وتأثير هذه الصفقة في ربحية الشركة في المستقبل، إذ يتخوف بعض المستثمرين من اتساع قاعدة أسهم الشركة بعد زيادة رأس المال في حال لم يقابلها نمو مماثل في الأرباح للحفاظ على ربحية الأسهم. وأنتجت عدم كفاية الإفصاح بيئة مناسبة للإشاعات المختلفة تسببت في خسائر كبيرة لصغار المستثمرين وأدت إلى تأرجح سعر أسهم الشركة لفترة طويلة ثم انخفاضه بنسبة كبيرة. وبالإضافة إلى انخفاض مستوى الإفصاح والشفافية، فإن عمق الاختلالات الهيكلية في سوق الأسهم الإماراتية ظهر واضحاً بتراجع أسعار أسهم معظم الشركات المدرجة في الأسواق المالية نتيجة تراجع سعر سهم"إعمار"من دون مبررات منطقية أو مبررات استثمارية تتعلق بأداء هذه الشركات. وتُعتبر سيطرة سيولة المضاربين على الأسواق المالية من الأسباب الرئيسية لاستحواذ أسهم"إعمار"على حصة الأسد من التداولات، وبالتالي ارتباط أداء أسهم الشركات المدرجة في الأسواق المالية بأداء هذه الأسهم لجهة الارتفاع أو الانخفاض. وفي المقابل، لوحظ هذه الفترة ضعف الاستثمار المؤسسي والاستثمار الطويل الأمد، اللذين يلعبان دوراً مهماً في استقرار الأسواق المالية ورفع مستوى كفاءتها، وتعتمد قراراتهما، سواء بالبيع أو الشراء، على معايير مالية واستثمارية واقتصادية لا تدخل فيها العواطف أو الاشاعات. ولانخفاض الوعي الاستثماري أيضاً دور واضح في القرارات الاستثمارية، سواء بالبيع أو الشراء، وقد لوحظ تركيز واضح من المستثمرين على توزيعات"إعمار"من دون الالتفات إلى قيمة أرباحها المحققة والتي تجاوزت قيمة رأسمالها أو الأخذ في الحسبان مدى حاجتها للسيولة لتنفيذ مشاريعها داخل الإمارات أو خارجها. وتساهم الأرباح غير الموزعة في تعزيز أداء الشركة ونمو ربحيتها ما ينعكس بدوره على قيمة أرباحها الموزعة ونسبتها وسعر سهمها في السوق مستقبلاً. وهذا ما لوحظ في المناقشات التي تمت في معظم الجمعيات العمومية للشركات المساهمة. * مستشار "بنك أبو ظبي الوطني" للأوراق المالية