تُعقد آمال كبيرة وربما غير مسبوقة على القمة العربية المقرر عقدها في الرياض الاسبوع المقبل، فأمامها العديد من التحديات وملفات الأزمات التي تعصف بالمنطقة العربية والإقليمية. وتعلق عليها الآمال في نقل الواقع العربي إلى حالة نوعية أخرى، من منظور استخلاص دروس الماضي، ومعالجة الاختلالات العربية - العربية، وتطوير سياسات نابعة من مفهوم المسؤولية العربية الجامعة، المستندة إلى قراءة سليمة للمرحلة والواقع وتداخلاته، ووسائل المعالجة والإمكانات. أي أن القمة فرصة مفصلية أمام العرب، كي يلتفتوا إلى مصالحهم المشتركة، ويأخذوا زمام المبادرة عبر سياسة عربية منسقة وموحدة. والآمال أيضاً في نظر الشعوب العربية، هي دليل واضح على تنامي الدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية، في إطار المنطقة الإقليمية والسياسة الدولية، واستثمار مكانتها في العالمين العربي والإسلامي، وعلاقاتها المتميّزة التي تربطها بالعالم، وسياسة الاتزان والثقل السياسي والاقتصادي، وما تشهده من دور متنامٍ في التوفيق في القضايا العربية - العربية، وفي بؤر الأزمات المؤثرة. عشية القمة برز متغير مهم وجوهري في فلسطين، بعد اتفاق"فتح"و"حماس"في مكة، تحت رعاية القيادة السعودية، والذي أفضى إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، تعبيراً عن نضج الرعاية ورؤيتها الاستراتيجية، بالتركيز على أدوات المعركة المستقبلية، والمجتمع الفلسطيني في أمس الحاجة لها، عبر الوحدة الوطنية بديلاً من الصراع الداخلي المدمر للقضية الفلسطينية. دروس في الحكمة والعقلانية وفضاء خبرة رئيسي للدور الهادئ والحيوي في حل الاضطرابات الداخلية. وفي المسلمات السياسية العربية في الصراع تمثل القضية الفلسطينية أساس المواجهة، فقد طرح اتفاق مكة خيارات جديدة، منها تقليص كبير لهامش اللعب على الخلافات الفلسطينية - الفلسطينية. المطلوب عربياً كسر الحصار المضروب على الفلسطينيين، حصار التجويع والإذلال، والتأكيد على المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت 2002، باعتبارها الآن جوهر التحديات. لقد سبق أن اعلنت وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني تحفظاتها على المبادرة العربية، إذ انها في نظرها لا يمكن أن تشكل أرضية للسلام مع الدول العربية، ثم أكدت أن المبادرة العربية غير مقبولة في شكلها الحالي. وبشأن الدولة الفلسطينية اعتبرت أن مسألة حدود الدولة المستقبلية تطرح إشكالاً بالنسبة إلى إسرائيل، فهي يجب أن تناقش في إطار المحادثات المستقبلية، لأنه لم تكن هناك دولة فلسطينية قبل 1967، ولم تكن الضفة الغربية وقطاع غزة مترابطتن، فالأولى كانت جزءاً من الأردن، والثاني من مصر. لقد أكدت الجامعة العربية، في ختام الاجتماع الدوري لوزراء الخارجية العرب الأخير بالقاهرة، وبلسان أمينها العام عمرو موسى: إن المبادرة العربية تعبر عن إجماع عربي، ولا سبيل إلى إعادة النظر في مضمونها أو صياغتها، خصوصاً أننا فهمنا أن فكرة التعديل هي إلغاء الإشارة إلى الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران يونيو 1967، وإلغاء البند الخاص باللاجئين الفلسطينيين. فضلاً عن الانجاز الفلسطيني أحد أضلاع مثلث الأزمات، ثمة تغيرات تلوح في الأفق، في العديد من مصادر مشكلات التضامن العربي، باتجاه لبنانوالعراق. ويشهد لبنان ديبلوماسية سعودية ملموسة نشطة وهادئة لتجنب الانزلاق، ونحو فعالية استعادة الوحدة الوطنية وإخراج لبنان من أزمته السياسية. وبالنظر إلى حرب الطوائف في العراق ومخاطرها على الكفاح من أجل الاستقلال والتحرر، ومخاطر تأثيراتها في التشظي والتفتيت وامتداداتها في المنطقة، يغدو العمل الدؤوب والمتراكم في الأولوية، من خلال العمل على تهدئة الأوضاع الداخلية لإخراج العراق من أزمته، وأن تتجه الإرادة العربية لإنقاذه، والمساعدة على صيغة تسوية لوقف الحرب الأهلية، بالتعاون إقليمياً مع تركيا وإيران والدول العربية، وبما للرياض من علاقات دولية مع عواصم الدول الكبرى والفاعلة، ومن ثم العمل على جدولة انسحاب القوات الأميركية منه، والتأكيد على مفهوم المواطنة في العراق، وانتمائه العربي. وبإدراك طبيعة التحديات الخارجية الوافدة، والتنبؤ بالازمات ذات الأثر الكبير على المنطقة العربية، يبرز الملف النووي الإيراني، وفي سياق التهديد بسبب ملفها النووي، بتوجيه ضربة تسمى"جراحية"للمنشآت النووية، تفضي إلى مخاطر نشوب حرب جديدة في المنطقة، سواء كانت محتومة لا مهرب منها أو غير ذلك، من حيث نتائجها المدمرة على الاستقرار، فإن على صناع السياسات والقرارات في الولاياتالمتحدة لعب دور إيجابي بناء في حفز الاستقرار، والتقدم الاقتصادي في هذه المنطقة. لقد سبق أن أكد العرب على مطلب إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، بما فيه الملف النووي الإسرائيلي سواء بسواء، وقدموا مبادرات بهذا الشأن. فالأمر يستدعي مجدداً بناء معادلة سياسية عربية موحدة تجاه القضايا المصيرية المثارة. إن المعضلات المثارة هي عربية أولاً، ما يحتم على العرب حلها بأنفسهم، فهي ليست أزمات محتومة لا مهرب منها، يجري الاكتفاء بالنظر إليها عن كثب. ففي هذه الحال فإن مفاقمة مخاطرها المترابطة، هو ما ينقلها من أزمة محلية، ويجعل منها مشكلة دولية، حينها تكون ذات أثر كبير. حيث لا توجد أزمة مفاجئة لا يمكن التنبؤ بها وتحليلها، حين يجري التجاوب مع الأحداث ودرء حدوثها وأسبابها، وقراءة دلالاتها وسياقها الأوسع إن وقعت. تُعقد قمة الرياض، وتُعقد عليها آمال كبيرة، في استعادة منظومة العلاقات العربية - العربية المستقرة والمنتظمة، التي تبدأ أولاً بالتزام الدول العربية بالقرارات والتعهدات الجماعية التي تؤخذ في القمة، التزاماً لا غنى عنه لبناء التضامن العربي، طالما أن القرارات لم تفرض أو تملى، بل جاءت خدمةً للمصلحة العربية مجتمعة، وطالما أن التضامن ليس ماهية واهنة غامضة، بقدر ما هو تصميم للعلاقات والاعتماد المتبادل. * كاتب فلسطيني