من المهم جداً والضروري والملح ان تُعقد القمة العربية في مثل هذه الظروف الحرجة التي تمر بها الأمة والمنطقة في شكل عام وسط بحار من الأزمات والحروب والمؤامرات الجاهزة والملفات المتفجرة والمخاطر المحيطة بها من كل حدب وصوب. والأهم ان تُعقد هذه القمة في الوقت المناسب والمكان المناسب، أي في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية لما تتمتع به من وزن عربي وإسلامي وعالمي وصدقية في التعامل مع الأحداث وإيجابية في تعاطيها مع الفرقاء ووقوفها على مسافة واحدة من الجميع، والحكمة في معالجة الأزمات ومواجهة الملمات واجتراح الحلول وسحب صواعق التفجير. ومن يتعمق في السياسة السعودية ويفهم أبعاد تحركاتها المتأنية وخطواتها المدروسة يدرك جيداً ان إقدامها على تبني هذا المركب الصعب، أي عقد القمة في عاصمتها وسط توالي العواصف وتلبد الأجواء العربية والإقليمية والدولية لا تفسير له إلا إصرارها على مواجهة التحديات وعزمها على إيجاد الحلول الناجعة وتحقيق الوفاق العربي وتأمين الأرضية الصالحة لاستعادة القرار الإقليمي الى ايدي العرب وإعادة بناء التضامن العربي على أسس سليمة تقوم على المصارحة والمصالحة. وأكبر دليل على هذا التوجه جاء من قرار السعودية المفاجئ باستضافة القمة بعد استكمال الخطوات اللازمة لإقامة المقر الدائم للقمم العربية في شرم الشيخ تنفيذاً لقرار سابق دعت السعودية نفسها الى تبنيه بصفتها رئيسة القمة لهذا العام بهدف رفع الإحراج عن جميع الدول العربية في تحمل مسؤولية انتقال القمم من دولة الى دولة كل عام. هذا التبديل المفاجئ في موقع الانعقاد لا يمكن تفسيره وفهم معانيه إلا من زاوية الحرص على النجاح والإصرار على حسم الأمور والبحث عن حلول تحت مظلة واحدة تحمل لافتة واضحة وهي: الفشل ممنوع، ومعها لافتة أخرى تحمل تحذيراً حاسماً من ان النجاح هو صمام الأمان وطوق النجاة للجميع، وأن الفشل، لا سمح الله، لا نهاية له سوى غرق المركب بمن حمل من دون أي استثناء، فالوضع الراهن لا يحتمل تأجيلاً ولا تسويفاً، والمخاطر لا تواجه إلا بوحدة الكلمة والموقف والقرار. ومن يعرف الملك عبدالله بن عبدالعزيز ويتابع مواقفه العربية والإسلامية الصريحة والواضحة وحرصه على التضامن والوحدة ونصرة الحق يحدوه الأمل الكبير بنجاح هذه القمة ويتفاءل خيراً بعقدها برئاسته لما يتمتع به من شفافية وصدقية، وما يحظى به من احترام وتقدير لدى الملوك والرؤساء العرب والشعوب العربية والإسلامية وعلى المستوى الدولي العام. ولا شك في ان نجاح القمة حتى لو كان جزئياً سيمهد الطريق لاستعادة الدور والقرار وسد الفراغ الكبير الناجم عن توالي الأحداث والنكبات والأزمات واستمرار حال التشرذم والفرقة والانقسام بين الدول والشعوب العربية واتساع هوة الضياع والارتباك في العمل العربي الموحد وعلى صعيد السياسات العربية الفردية و"الانفرادية"! كما ان الخطوات الإيجابية والمبادرات الخيرة لإزالة العقد وحلحلة الأزمات اعادت الأمل الى قلوب المواطنين العرب ليس في فلسطينوالعراقولبنان فحسب بل في شتى الأقطار العربية، لأن النيران العظمى تأتي من مطلق الشرر، وأي انتشار لها سيمتد لهيبه الى المنطقة بأسرها ليحرق الأخضر واليابس فيها، فالخطب جلل والتهديد جدي والفتن النائمة يجري إيقاظها... ولم يعد هناك أي سبيل امام العرب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه سوى العودة الى الحوار والمصارحة والمصالحة وصولاً الى مواقف حاسمة وحلول جذرية ووفاق جدي على مختلف القضايا المطروحة والملفات الملتهبة. وتتزايد مساحة الأمل اتساعاً عندما نعود الى الوراء قليلاً لندرك ان انجازات المملكة في هذا المجال خير شاهد على قدرتها على اجتراح الحلول وسد الثغرات وملء الفراغ والتوصل الى حلول والوصول الى نهايات سريعة وسعيدة للحروب والأزمات، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر: اتفاق الطائف الذي أنهى حرباً دامية استمرت 15 عاماً في لبنان، ومبادرات السلام العربية - مبادرة الملك فهد رحمه الله، ومبادرة الملك عبدالله، والمصالحة الجزائرية - المغربية، وميثاق مكة للمجاهدين الأفغان، واتفاق مكة للقوى والأحزاب العراقية، ومبادرات دعم القضايا العربية والإسلامية وصولاً الى اتفاق مكة الأخير لتحقيق الوفاق الفلسطيني وحقن دماء الفلسطينيين ونزع صاعق تفجير الحرب الأهلية بين حركتي"فتح"و"حماس"، ثم في الإنجاز الأخير بالنسبة الى لبنان والقضايا المصيرية الأخرى الذي تحقق في القمة الإيرانية - السعودية في الرياض. وعلى رغم كل هذه الآمال المعلقة على القمة العربية، ثم على الدور السعودي الفاعل والتصميم على النجاح من جانب القيادة السعودية، فإن الحذر واجب والقلق وارد، فالألغام المزروعة في طريق القمة اكثر من ان تعد وتحصى، والمصاعب جمة، والقضايا المطروحة متشابكة ومعقدة تدخل فيها عوامل اقليمية ودولية وصراعات وحسابات متعددة لا قدرة للعامل العربي وحده على فك رموزها وحل عقدها والتفرد بقرار حسمها. كما ان التجارب المريرة السابقة علمتنا ان نكون حذرين وميالين الى التشاؤم بسبب فشل القمم العربية السابقة وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة وفاعلة أو عدم تبنيها آلية تنفيذ جدية لمتابعة مثل هذه القرارات، أو بسبب الإقدام على"لحس"التواقيع قبل ان يجف الحبر عن أوراق القرارات المتخذة لتُرمى في سلة المهملات أو لتوضع على رفوف الإهمال وفي أدراج النسيان. فالأنظار كلها تتجه الى قمة الرياض التاريخية، أنظار العرب كل العرب، والمسلمين، وأنظار العالم كله لأن ما سيتمخض عنها من نتائج وقرارات سيترك بصماته على كثير من الأوضاع العربية وسيكون له الأثر الكبير في مصير الكثير من القضايا والشعوب، إن لم نقل من دون مبالغة في مجمل الأوضاع الدولية والإقليمية. فعلى الصعيد الفلسطيني لا بد من تحصين اتفاق مكة وتقديم ضمانات بدعم الوحدة الوطنية الفلسطينية ورفع الحصار لتسهيل مهمة حكومة الوحدة الوطنية ونزع صواعق التفجير التي قد تعيد الوضع الهش الى نقطة الصفر... ونقطة الدم المراق بين أخوة السلاح والمصير. وعلى الصعيد اللبناني، يتحمل القادة العرب مسؤولية دعم المبادرة السعودية وتتويج التفاهم السعودي - الإيراني، ليس لحل الأزمة اللبنانية ومنع انجرار هذا البلد المنكوب الى أتون حرب اهلية مدمرة فحسب، بل لقطع دابر اشتعال نار فتنة مذهبية بين المسلمين الشيعة والسنّة كادت تقع لولا التنبه الى مخاطرها ومسارعة الحكماء إلى إطفاء نارها والعمل على إخمادها تماماً وإيجاد حلول سريعة تكمل مهمة سحب النار من تحت الرماد. وعلى الصعيد العراقي، تبدو الفتن اشد التهاباً وخطورة لتداخل العوامل العربية والإسلامية والإقليمية والدولية وتقاطعها في كل موقع على خريطة العراق المهدد بالتقسيم والتفتيت والدمار والحروب الأهلية والمذابح الوحشية التي لم نر حتى الآن سوى عينات بسيطة وصغيرة منها. ولهذا، فإن مسؤولية القمة العربية كبيرة وخطيرة، ومسؤولية القادة العرب امام الله والتاريخ والشعوب لا حدود لها ولا مجال للتهرب منها او التبرؤ من عواقب التخلي عنها او التهاون في تحملها كاملة، لا لإنقاذ العراق وحده من مصير مظلم بل لإنقاذ الأمة من فتنة كبيرة وكارثة لا تماثلها كارثة أو نكبة سابقة. وضمن هذه التقاطعات كلها يدخل عامل الملف النووي الإيراني الذي يهدد بدوره المنطقة في حال وصوله الى نقطة اللاعودة وتنفيذ التهديدات بضربة عسكرية قوية لإيران في الصيف المقبل. ومهمة القادة العرب في هذا المجال لعب دور الوسيط في نزع فتيل الانفجار والبحث عن حلول وسط بإقناع ايران بتليين موقفها والتخلي عن اسلوب التحدي والتصعيد والقبول بمخارج مشرفة تنقذ ايران والمنطقة من دمار مؤكد وحروب وفتن لا نهاية لها ثم بالضغط على الولاياتالمتحدة والغرب لاعتماد لغة الحوار والتخلي عن التهديد بالقوة وتكرار تجربة المواجهة والحل مع كوريا الشمالية. وفي المقابل لا بد من موقف عربي حاسم من قضية وجوب حصول العرب على التكنولوجيا النووية مع وجوب إخلاء المنطقة من اسلحة الدمار الشامل والمطالبة بإرغام اسرائيل على الالتزام بهذا التوجه المصيري. وهناك قضايا أخرى متفجرة لا بد من ان تلقى عناية القمة العربية مثل أوضاع الصومال وحروبها التي لا تنتهي وأوضاع السودان وتداعيات حروب دارفور والجنوب، إضافة الى قضايا مهمة صارت على هامش اهتمامات العرب، بكل أسف، بسبب تقدم أولويات الأزمات المتفجرة، مثل قضايا الإصلاح وإعادة ترميم جامعة الدول العربية وإقامة المشاريع المشتركة مثل السوق العربية ومنطقة التجارة الحرة ومتطلبات التضامن والتكافل والتكامل العربي وسط مخاوف من ان تضيع مكاسب الفورة النفطية والاقتصادية في متاهات الحروب والأزمات المتلاحقة. إنها قمة الآمال المنتظرة... وقمة الانتظار الكبير... وقمة التحولات ومفترق الطرق... وقمة الحذر والترقب والمخاوف من خيبة أمل جديدة تضاف الى خيبات الأمل الناجمة عن قمم سابقة. قمة تتجه إليها الأنظار... كل الأنظار، ونحن نضع أيدينا على قلوبنا ونبتهل الى الله عزّ وجل ان يكللها بالنجاح من اجل مستقبل امتنا ومصير أجيالنا... لأن البديل عنه مرعب ورهيب جنّب الله امتنا شروره وشرره. * كاتب عربي