بلدية القطيف تطلق "مبادرة التوت القطيفي" بمشاركة 80 متطوعاً    مبادرة لتنظيف بحر وشاطئ الزبنة بمشاركة واسعة من الجهات الحكومية والتطوعية    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    الأمير فيصل بن سلطان: مؤشرات 2024 تبرهن على حكمة القيادة وقوة عزيمة أبناء الوطن    "بر الشرقية" تُجدد التزامها المجتمعي في اليوم العالمي لليتيم 2025 م        بدرية عيسى: شغفي بالكلمة دفعني لمجال الإعلام.. ومواقع التواصل قلب نابض بحرية التعبير    افتتاح مستشفى الدكتور سليمان فقيه بالمدينة المنورة: أحدث التجهيزات وأفضل الخبرات لأفضل تجربة رعاية صحية    أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق بالمملكة    القيادة تعزي الرئيس الإيراني في ضحايا انفجار ميناء رجائي بمدينة بندر عباس    حسين الشيخ نائبا للرئيس الفلسطيني    قلصت الكويت وقت الإقامة والصلاة في المساجد ؟ توفيرا للكهرباء    أمة من الروبوتات    الأردن.. مصير نواب "العمل الإسلامي" معلق بالقضاء بعد حظر الإخوان    تفاهمات أمريكية سورية ومساعٍ كردية لتعزيز الشراكة الوطنية    ينتظر الفائز من السد وكاواساكي.. النصر يقسو على يوكوهاما ويتأهل لنصف النهائي    القيادة تهنئ رئيسة تنزانيا بذكرى يوم الاتحاد    أمير الشرقية: إنجازات نوعية لمستقبل تنموي واعد    أمير عسير: نجاحات متتالية لمستهدفات طموحة    أمير نجران: ترسيخ مكانة المملكة بين الدول    381 ألف وظيفة في قطاع التقنية.. 495 مليار دولار حجم الاقتصاد الرقمي السعودي    حددت الشروط والمزايا..اللائحة الجديدة للاستثمار: تخصيص أراضٍ وإعفاءات رسوم للمستثمرين الأجانب    الآبار اليدوية القديمة في الحدود الشمالية.. شواهد على عبقرية الإنسان وصموده في مواجهة الطبيعة    ضبط أكثر من 19.3 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    "المنافذ الجمركية" تسجل 1314 حالة ضبط خلال أسبوع    أمير جازان: آفاق واسعة من التقدم والازدهار    المملكة تفتح أبواب جناحها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025    برعاية سمو وزير الثقافة.. هيئة الموسيقى تنظم حفل روائع الأوركسترا السعودية في سيدني    خادم الحرمين: نعتز بما قدمه أبناء الوطن وما تحقق جعل المملكة نموذجاً عالمياً    برشلونة يكسب "كلاسيكو الأرض" ويتوج بكأس ملك إسبانيا    مدرب كاواساكي: قادرون على التأهل    قدامى الشباب ينتقدون نتائج توثيق البطولات    إطلاق مبادرة "حماية ومعالجة الشواطئ" في جدة    الجبير يترأس وفد المملكة في مراسم تشييع بابا الفاتيكان    المملكة تقفز عالمياً من المرتبة 41 إلى 16 في المسؤولية الاجتماعية    فخر واعتزاز بالوطن والقيادة    اللواء عطية: المواطنة الواعية ركيزة الأمن الوطني    1500 متخصص من 30 دولة يبحثون تطورات طب طوارئ الأطفال    الأميرة عادلة بنت عبدالله: جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان عززت المنافسة بين المعاهد والبرامج    خطى ثابتة نحو مستقبل مُشرق    تدشين الحملة الوطنيه للمشي في محافظة محايل والمراكز التابعه    رئيس مركز الغايل المكلف يدشن "امش30"    قدراتنا البشرية في رؤية 2030    اكتشاف لأقدم نملة في التاريخ    الذهب ينخفض 2 % مع انحسار التوترات التجارية.. والأسهم تنتعش    الحكومة اليمنية تحذر موظفي ميناء رأس عيسى من الانخراط في عمليات تفريغ وقود غير قانونية بضغط من الحوثيين    800 إصابة بالحصبة بأمريكا    فواتير الدفع مضرة صحيا    الذكور الأكثر إقبالا على بالونة المعدة    الأهلي يكسب بوريرام بثلاثية ويواجه الهلال في نصف نهائي النخبة الآسيوية    القيادة تهنئ تنزانيا بذكرى يوم الاتحاد    السعودية تعزي إيران في ضحايا انفجار ميناء بمدينة بندر عباس    32 مليون مكالمة ل 911    وزارة التعليم تستعرض منصاتها في معرض تونس الدولي للكتاب 2025    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يلتقي مديري عموم الفروع    إمام الحرم النبوي: حفظ الحقوق واجب شرعي والإفلاس الحقيقي هو التعدي على الخلق وظلمهم    إمام المسجد الحرام: الإيمان والعبادة أساسا عمارة الأرض والتقدم الحقيقي للأمم    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب الأقوام و "الدول" أهلية وإقليمية ودولية في السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى
نشر في الحياة يوم 21 - 03 - 2007

بعد أربعة أعوام على الحرب الأهلية في دارفور، وهي خلفت أكثر من 200 ألف قتيل و2.5 مليونين نازح، اتسع النزاع الى تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى. ومن وجه آخر، باشرت محكمة الجزاء الدولية ملاحقات تحت ارتكاب جرائم في حق الانسانية. ولكن الدول الكبيرة لم تتفق على إرساء قوات سلام دولية. ويعزو بعضهم الاحجام هذا الى الخشية من"عراق آخر"، وبعضهم الآخر يعزوه الى مصالح نفطية أو الى اللامبالاة. وبينما يدوم النزاع الداخلي بين الجماعات، ويمتد شيئاً فشيئاً الى الغرب، نحو تشاد، البلد الذي تجمعه والسودان وتفصله منه حدود طولها 550 كلم، والى الجنوب الغربي نحو أفريقيا الوسطى، تنشأ مخيمات لاجئين دارفوريين على الحدود. ولا تنفك هذه المخيمات تتسع وتتعاظم بالوافدين والهاربين الجدد. فأحد هذه المخيمات، البهائي على الحدود السودانية التشادية، يعد اليوم 26 ألفاً. واجتمع أهله من الفاشر، في وسط دارفور، ومن نيالى، الى الجنوب، وبعضهم من الجنينة، في الأراضي السودانية المحاذية لتشاد.
وتولت المفوضية العليا الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين استقبال الهاربين، وهم الأولاد والنساء والمسنون، ونصبت لهم الخيم. ولم يحمل الهاربون معهم شيئاً. فالرعاة العرب الجنجاويد الذين جندتهم قوات الخرطوم العسكرية وإدارتها المحلية في الغرب، وأركبتهم الخيل، وسلطتهم على المزارعين الافريقيين وقراهم، غالباً ما يهاجمون القرى، فيحرقون البيوت والغلال، ويسوقون الماشية أو يذبحونها، ويغتصبون النساء، ويسوقون الرجال أو يقتلونهم. فيهيم الآخرون، أي النساء والاولاد والشيوخ، على وجوههم، ويولون الأدبار. ويقصدون الاماكن التي تخرجهم من مطال الميليشيات ومتناولها. والحق أنها الأماكن التي يسوقهم إليها المهاجمون،"فرسان الشيطان"على ما يسمون الجنجاويد.
وفي مخيم البهائي، لا تلبث الخيام ان يحوطها الرمل التي تذروه الرياح، فتغرق بين جدرانه، ويمر الزائر برجل ذهب عقله، ربطه أهله من قدمه الى وتد الخيمة بحبل، وتركوا أمامه بعض الماء في آنية معدنية. ولا يعدم أحد من أهل المخيم خبراً مروعاً يرويه أو جرحاً، أو أثر رصاصة، يعرضه على النظر، أو اغتصاباً سكت عنه ويداري ذكراه العميقة. والأمهات يمرضهن جهلهن بمصير أولادهن المخطوفين. فيرسلن الرسائل الى المخيمات الأخرى، ويطالبن من سمع شيئاً عن أولادهن بإبلاغهن ما سمع، ولو مضى عليه زمن وفقدت في الاثناء، آثار من يخبرن عنهم. فقلما يجتمع الهاربون النازحون من قراهم، أي من سلم منهم ولم يمت حرقاً أو بالرصاص والسيوف والمدي، أو جدعاً وعطشاً، قلما يجتمعون، ولو أفراداً قلائل، في موضوع واحد. فالأولاد والنساء والمسنون يهربون كل على وجهه. فلا يدري واحدهم، رجلاً أو امرأة، كيف هرب الأخ أو الأب أو الزوج أو الابن، ولا الى أين هربوا، ومن أي طريق.
فهذه أمور لا يبت فيها الهارب، ولا يختارها، وإنما تتحكم فيها المصادفات. فأوّة، البالغة 28 سنة، وقع عليها الجنجاويد الأربعة الذين هجموا على بيتها الساعة الحادية عشرة صباحاً وأغمدوا سكيناً في ساقها قبل ان يتعاقبوا على اغتصابها، بينما كان زوجها في خراج القرية يعمل في ارضه. واضطر الى التخفي بينما هرب من قدر من اخوته على الهرب. ولم يرجع الى البيت الا مع هبوط الليل، ورواح المهاجمين بعد إضرامهم الحرائق حيث قدروا. ولم تدرِ أوّة بمقتل اخوتها الاربعة، وهم في كتّاب القرية يقرأون، إلا بعد ان حملها زوجها، وأخرجها من قريتهم وهرب بها. ومنذ ثلاثة أعوام وأوّة مريضة الجسم والنفس. فهي تشكو رضوضاً في أنحاء جسمها كله لم يشفها انقضاء الأعوام. وتستيقظ رضوضها في الأوقات كلها، ولا تستأذنها ولا تتركها قبل ان تعود غير وقت قصير.
ويحاول النازحون الى المخيمات، على قدر ما تسعهم الحال، النفخ في جذوة حياة واهنة. فهم قطعوا الأمل في عودتهم الى قراهم المحروقة والمدمرة. ولكن نزوح مدرس مقيم بالمخيم يحملهم على بعث مدرسة تحت خيمة من الخيم. ولعل خيمة المدرسة في المخيم من المواضع القليلة التي لم يخبُ فيها بريق الأعين الفتية. ولا يلح الشبان والفتيات النازحون الا في طلب التعليم والدراسة. ولا تحول الارض الجدباء والصخرية بينهم وبين تعلم القراءة والكتابة، ولا تصرفهم عن حل المعادلات الرياضية. فكأن حلها غنيمة تضاهي البقاء على قيد الحياة. وبعض البنات التلميذات أتين من منطقة طويلة. وفي مدارس طويلة كان هوى الجنجاويد الفرسان اغتصاب فتيات المدارس الابتدائية في صفوفهن معاً.
ولم تهمل طائرات انطونوف الحربية النفاثة المخيمات. فهي"تزورها"بين الوقت والوقت. فتلقي ببعض حمولتها الحارقة والقاتلة على المخيمات ونازحيها. ويرد الغور المسلحون على الجنجاويد والقوات الحكومية بغارات مفاجئة. ويظفرون، في بعض الأحيان، بأسرى. وفي مستشفى البهائي ستة جنود جرحى من القوات الحكومية، يعالجهم أطباء مفوضية اللاجئين. وبعض هؤلاء الجنود يعزون الحرب الى قيام الغور والمساليت والزغاوة، من أقوام دارفور وپ"قبائلها"، على الحكومة، وقتالهم إياها. ولا ينكر مقاتلو جيش تحرير السودان قيامهم على سياسة الخرطوم، وعلى إجحافها الشديد والمتعسف في حق الأفارقة"الزرق"من السكان. فهجموا على مطار الفاشر، في شتاء 2003، وقتلوا 70 جندياً من حاميته. وكان رد عمر حسن البشير تسليح كتائب قبلية محلية من أصول عربية، وپ"رمي"الأفارقة بها. فأعملت فيهم القتل والاغتصاب والتحريق والتهجير وهدم الآبار أو تسميمها بالجيف والجثامين. ويجند المقاتلون الزغاوة، في مخيم غوز - بيضا بتشاد هذه المرة، الأولاد في صفوفهم. فالرئيس التشادي، إدريس ديبي، زغاوي مثلهم. ولا يبخل على أهل قبيلته لا برشاشات كلاشنيكوف ولا بقذائق الهاون على أنواعها. وترد حكومة الخرطوم صاع التجنيد والتسليح التشاديين صاعين. فتسلح، بدورها، المعارضة التشادية المسلحة والمقاتلة. وينكر سلطان غوز - بيضا، السيد ابراهيم مصطفى، على الحكومتين اقتتالهما بالواسطة الأهلية. ويختلط النازحون السودانيون بالنازحين التشاديين آلافاً مؤلفة. وتخاض حرب اقليمية ودولية بهم ومن طريقهم. فيقوم قوم داجو، وهم أفارقة تشاديون، على قوم السماني العرب التشاديين، ثأراً لإخوانهم الغور السودانيين الافريقيين. وترفض الخرطوم، الى اليوم، اضطلاع قوات فصل دولية بإخماد حرب"أقوامية"تتخطى الحدود"الدولية"، وتتسلل من منافذ العصبيات الأقوامية، الى الأراضي الاقليمية وأهلها من غير استئذان ولا"دستور".
عن سارة دانيال ،"لونوفيل أوبسرفاتور "الفرنسية" ،
15 - 21 / 3 / 2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.