البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    على يد ترمب.. أمريكا عاصمة العملات المشفرة الجديدة    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    الشركة السعودية للكهرباء توقّع مذكرة تفاهم لتعزيز التكامل في مجال الطاقة المتجددة والتعاون الإقليمي في مؤتمر COP29    محترفات التنس عندنا في الرياض!    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    المالكي مديرا للحسابات المستقلة    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    أسرة العيسائي تحتفل بزفاف فهد ونوف    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    أكبر مبنى على شكل دجاجة.. رقم قياسي جديد    استعادة التنوع الأحيائي    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أجواء شتوية    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    قراءة في نظام الطوارئ الجديد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    الرياض .. قفزات في مشاركة القوى العاملة    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    العريفي تشهد اجتماع لجنة رياضة المرأة الخليجية    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحياة" تعاين الوجه الآخر لدارفور: صالة سينما في مخيم للنازحين ... وأسواق مزدهرة واتصالات هاتفية دولية عبر الاقمار الاصطناعية
نشر في الحياة يوم 24 - 09 - 2004

وجه آخر لدارفور قابلنا لدى وصولنا الى مخيم ابو شوك للنازحين... حياة شبه عادية لقاطني المخيم... ليسوا سعداء فرحين.. لكن لا آثار لخوف او رعب او "إبادة جماعية" شهدوها او تعرضوا لها كما سمعنا قبل وصولنا الى الاقليم.
يبعد مخيم ابو شوك حوالى خمسة كيلومترات من مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور. رحنا نفتش عن آثار للجوع او المرض على وجوه سكان المخيم. لم نجد سوى اناس عاديين يعيشون حياة شبه طبيعية. يختلفون عن غيرهم فقط بأنهم يعيشون في خيم داخل مخيم يضم اكثر من 40 ألف شخص فروا من مناطق مختلفة بسبب النزاع في غرب السودان.
كنا مجموعة من الصحافيين الاجانب نتوقع ان نلتقط صوراً تعكس تصريحات بعض المسؤولين الاميركيين والغربيين الذين تحدثوا عن إبادة جماعية ومجاعة وامراض وخوف ورعب داخل المخيمات. لكن ما شاهدناه في ابو شوك ومخيمات أخرى في المنطقة مختلف تماماً عن تصريحات سياسيين اميركيين وغربيين منذ بدء مناقشة الأزمة في دارفور دولياً ونقلها الى مجلس الأمن قبل شهور قليلة ماضية.
أثناء تجولنا داخل المعسكر وجدنا سوقاً تعتبر كبيرة مقارنة بعدد سكان المخيم، ويوجد فيها كل شيء يمكن ان يتوافر في اسواق المدن الكبيرة، من الاغذية والادوات المنزلية حتى مولدات الكهرباء. اطفال مخيم ابو شوك يمرحون ويلعبون بإطارات دراجات يستأجرون الواحد منها مقابل 300 جنيه 11 سنتاً اميركياً، وآخرون يرفهون عن أنفسهم بمشاهدة افلام هندية على شاشة سينما صغيرة داخل خيمة تتسع لثلاثين طفلاً.
يقول صاحب "سينما الخيمة" أحمد حسين عبدالله أنه يعمل في هذا المجال منذ وصوله إلى المخيم قبل حوالى خمسة شهور، ويحصل من كل مشاهد على مبلغ 300 جنيه من المشاهد لعرض واحد. ويستخدم مولداً كهربائياً لتشغيل جهاز العرض.
وفي المخيم أيضاً، يعمل أحمد خليل في الاتصالات الدولية والمحلية، يؤجر هاتفه الجوال المتصل بالاقمار الاصطناعية. ويقول أنه يكسب الكثير من المال من المكالمات الداخلية، أما الخارجية فمعظمها إلى سورية والسعودية.
ومن اين يحصل النازحون على الاموال؟ يجيب عبدالله: "غالبيتهم حملوا معهم كل ما جنوه من المال قبل فرارهم من منازلهم بسبب الحرب بين ميليشيات الجنجاويد الموالية للحكومة والمتمردين. ويعمل عدد قليل من النازحين خارج المخيم... الحياة لا تبدو صعبة في هذا المخيم حالياً، لكن إذا طالت إقامة اللاجئين هنا فسينفقون كل اموالهم وسيواجهون الكثير من المصاعب".
يقول سعيد أحمد، 52 عاماً متزوج ولديه طفلان، أنه نزح من منطقة الطويلة قبل حوالى ستة شهور، ويعمل خارج المخيم للحصول على أموال يشتري في مقابلها أغذية لأسرته إضافة الى ما يحصل عليه من المساعدات داخل المخيم.
التقينا سعيد أحمد في مكان يشبه مقهى صغير يعج برجال يتناقشون في مسائل سياسية، ويلتف حولهم اطفال بعضهم يستمع الى الاحاديث وآخرون يلعبون. ويتابع سعيد كلامه وهو ينفث دخان النارجيلة: "أنا موجود في هذا المكان المقهى كي أرفه عن نفسي ولا يمكنني أن استغني عن الشيشة النارجيلة مرتين او ثلاث على الأقل يومياً، وانفق في مقابل ذلك حوالى 1500 جنيه سوداني حوالي نصف دولار... نحن لا ينقصنا أي شيء في هذا المخيم، لكننا نريد أن نعود إلى منازلنا ونمارس حياتنا في شكل طبيعي من دون خوف من عناصر المعارضة أو الجنجاويد، ونطالب الحكومة بأن توفر لنا الأمن والاستقرار وتضمن استمراره في مناطقنا قبل عودتنا الى منازلنا".
صادف وجودنا في المنطقة زيارة وفد من اتحاد علماء المسلمين برئاسة الدكتور يوسف القرضاوي للاطلاع على تطورات الاوضاع السياسية والانسانية في المنطقة. وتحدث القرضاوي أمام مجموعة من اللاجئين الذين ابدوا ارتياحهم للزيارة، مطالباً العالم العربي والإسلامي ب"ألا يقفوا مكتوفي الايدي أمام محاولات العالم الغربي التدخل في الشؤون الداخلية السودانية". وأشار الى ان مهمته محاولة التوفيق بين الاطراف المتنازعة وتقصي الحقائق عما يجري في المنطقة. وزار مقر منظمة الهلال الأحمر السعودي وقابل أعضاء البعثة الطبية المصرية، كما زار بعض مقرات المؤسسات الدولية العاملة في مجال الإغاثة.
كان لافتاً انتشار قوات الشرطة في المخيم وخارجه. وقال مسؤول في الشرطة ان مهمتنا ضمان الأمن والاستقرار في المخيمات وحماية اللاجئين وتشجيعهم على العودة الى مناطقهم بعد ضمان الامن فيها. وأكد أن الأمن مستتب في مخيم ابو شوك حيث لم يسجل اي حادث اعتداء من خارج المخيم او في داخله منذ بداية الأزمة.
الى جانب قوات الشرطة السودانية، تنتشر قوات المراقبة والحماية الافريقية التابعة للاتحاد الافريقي، ومهمتها مراقبة خرق وقف النار وحماية المدنيين. وأشاد أحد المسؤولين عن فرق المراقبين في مدينة الفاشر بدور الحكومة السودانية لوضع نهاية للأزمة التي يعاني منها مئات الآلاف من المواطنين في مختلف أنحاء دارفور. وقال: "ان الوضع الأمني مستتب في مدينة الفاشر والقرى والبلدات المحيطة بها، خصوصاً في مخيمات اللاجئين. ولا تواجه القوات الأفريقية أي مشكلة من قبل السلطات المحلية في المنطقة... حتى الآن نجد التعاون المطلوب لتحقيق مهمتنا في دارفور... لم نجد أي مصاعب ونأمل بأن تتحسن الاوضاع الامنية في أقرب فرصة ممكنة ليتمكن النازحون من العودة إلى مناطقهم".
المنظمات الانسانية
تعمل في دارفور حوالى عشرين منظمة انسانية غير حكومية دولية ومحلية في مجالات العون والإغاثة بما في ذلك وكالات تابعة للامم المتحدة ابرزها "صندوق رعاية الطفولة" يونيسيف، وبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الزراعة والاغذية، ومن بين الوكالات الاخرى "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" و"منظمة إنقاذ الطفولة" البريطانية، ومنظمة "إنقاذ الطفولة" الأميركية، ومنظمة "أوكسفام" البريطانية، و"أطباء بلا حدود" الفرنسية والهولندية والسويسرية و"اللجنة الكويتية المشتركة" ومنظمات أخرى تعمل في ولايات دارفور الثلاث.
ويبلغ عدد النازحين والمتأثرين بالحرب 980، 625 بحسب تقرير رسمي للحكومة السودانية، لكن الرقم التخطيطي الذي تعتمده وزارة الشؤون الإنسانية لا يتجاوز ال700 ألف شخص "بسبب التسجيل المزدوج، ودخول فقراء المدن الى مخيمات النازحين من اجل الحصول على المساعدات الجاذبة". لكن تقديرات الامم المتحدة تشير الى ان القتال في دارفور ألحق اضراراً بأكثر من مليون شخص. وطرد اكثر من نصفهم من منازلهم وفر 130 ألفاً منهم الى تشاد المجاورة هرباً من الميليشيات المتهمة بارتكاب عمليات قتل وتعذيب واغتصاب لسكان قرى من اصول افريقية.
وقال المسؤول في منظمة الغذاء العالمي في مدينة الفاشر جينسا سومار أن الغذاء متوافر للنازحين وليس لدينا اي نقص حالياً، خصوصاً بعد الاتفاق الاخير مع الحكومة السودانية على فتح كل المعابر امام منظمات الاغاثة لإيصال الاغذية الى مخيمات اللاجئين ومراكز تجمعاتهم.
وكان عدد من النازحين الذين التقتهم "الحياة" في مخيمي ابو شوك وزمزم، اشتكى من ان وكالات الاغاثة لا توفر اللحم والسكر على اللاجئين، ورد سومار على الشكوى وقال: "أن منظمة الغذاء العالمي لا يمكنها أن توزع للاجئين ما يرغبون به... وفرقنا التي أجرت مسحاً اولياً وتقصت الحاجات العاجلة تقترح ما يجب تقديمة للاجئين لابقائهم على قيد الحياة ووقايتهم من الامراض الى حين عودتهم الى منازلهم. ونحن نتعامل مع كل النازحين واللاجئين في العالم... ليس لدينا لائحة طعام مثل المطاعم يختار منها رواد المطعم ما يريدون، لكننا نقدم الحد الاقصى لمساعدتهم". واضاف: "النازحون عادة يعرضون شكاوى كثيرة مع وصول كل زائر إليهم، وليس بالضرورة ان تكون الشكوى منطقية او صحيحة. يقول البعض أن الغذاء ليس كافياً وأنهم لم يحصلوا على أي مساعدة منذ فترة طويلة في حين تم توزيع مساعدات قبل أيام فقط وهذا ليس مستغربا لأنهم يسعون إلى المزيد من المساعدات".
وفي مخيم زمزم الذي يبعد حوالى 20 كيلومتراً من مدينة الفاشر ويقيم فيه اكثر من 20 ألف نازح، كان عيسى محمد 52 عاماً يجري بسرعة خلف الوفد الصحافي، وعندما اقترب مني وقال انه يريد ان يناشد العالم المساعدة في إنهاء الازمة. واوضح انه وصل الى المخيم قبل حوالى شهرين، ولديه اربعة ابناء. وتابع: "كل ما نحتاجه متوافر في هذا المخيم الغذاء والماء والدواء والأمن... لكننا نرغب في العودة إلى ديارنا في أسرع وقت ممكن... الشرطة في المخيمات تساعدنا في الخروج إلى المدينة للعمل وشراء بضائع وبيعها داخل المخيم".
ولماذا أتيت الى مخيم زمزم؟ يجيب عيسى: "حصلت بعض المشاكل في منطقة الطويلة بعد هجمات نفذتها عناصر من ميليشات الجنجاويد، وفررت مع عائلتي خشية التعرض لها... لجأت إلى الفاشر ثم الى مخيم زمزم وحملت معي كل ما املك من مال ومواشي، ولكني أتمنى ان يستتب الامن والاستقرار في منطقتنا كي نعود قريباً... سمعنا أن القوات الأفريقية موجودة حالياً في المنطقة ونحن سعداء بقرار وقف إطلاق النار ونأمل بأن تساعدونا لحل الأزمة قريباً ونقل ما تشاهدونه الى العالم... سبق وذهبت إلى جبال النوبة في السابق وأدرك تماماً أن الحرب لا تخلف غير الهلاك والدمار والشتات للمواطنين وكل ما نريده هو ليس فقط توفير الغذاء وإنما توفير الأمن في دارفور وأنحاء البلاد كافة".
أما مستورة أدريس 55 عاماً فقد فرت مع عائلتها المؤلفة من خمسة أفراد من منطقة جرجيرا قبل أسبوع الى مخيم زمزم، وتقول انها سمعت عن هجمات من الجنجاويد على قرى قريبة من بلدتها، وقررت الفرار مع مجموعة من ابناء جرجيرا خشية وصول الجنجاويد اليها. وتضيف: "لم نحصل على أي مساعدات من المنظمات الإنسانية حتى الآن... نعيش في ظل هذه الشجرة وننام تحتها، ولم نحصل على خيمة حتى الآن... ليس لدينا ما نأكله أو نشربه... نتمنى ان تساعدونا انتم وتقدموا لنا المساعدة... لكننا نفضل لو بقينا في البلدة ونتمنى أن يتحقق الأمن والاستقرار لنتمكن من العودة في أقرب فرصة ممكنة".
وفي مدينة الفاشر كبرى مدن دارفور وعاصمة الولاية الشمالية، تقول الطالبة في جامعة المدينة فضلت عدم نشر اسمها، أنها "حزينة جداً لما يواجهه السودان من ظلم وتحد كبير وكسر النفس... فالسودان بلد طيب ونحن لا نريد سوى العيش في سلام وبحرية وكرامة من دون أن تهددنا الدول الكبرى، خصوصاً اميركا التي تتحكم بالعالم من دون وجه حق... لماذا لا يقولون بصراحة ماذا يريدون من السودان من دون ادعاءات وفبركة اتهامات لا أساس لها... ما نريده من المجتمع الدولي أن يدرك أن حكومة جورج بوش تريد فقط السيطرة على العالم العربي والإسلامي بأسره وهذا كان واضحاً عندما شنت الحرب على أفغانستان بحجة محاربة الإرهاب الدولي، وبعد ذلك على العراق بحجة تحقيق الديموقراطية للشعب العراقي وربما كانت المرحلة المقبلة تستهدف سورية وإيران، وبالتأكيد فأن كل الدول العربية والإسلامية ستنال القسط التي تحدده أميركا لها ولا أدري إلى متى سيظل العالم العربي والإسلامي مكتوف الايدي يقبل بكل القرارات الظالمة سواء من أميركا أو مجلس الأمن".
وتابعت بحزن: "نحن نأمل كشعب سوداني عربي أفريقي بأن نعيش بأمان وسلام وليس لدينا القدرة والإمكانية أن ندخل في حرب ثانية تقودنا إلى الهلاك والدمار... ونحن نناشد المجتمع الدولي عموماً والعالم العربي خصوصاً أن يقف معنا لنتمكن من الخروج من المأزق الذي وضعتنا فيه أميركا وهي لا تكف عن الضغط على حلفائها لفرض عقوبات صارمة على السودان".
الجنجاويد: عصابات
أم قوات حكومية؟
موقف الحكومة السودانية من الازمة في دارفور عرضه ل"الحياة" وزير الدولة في وزارة الداخلية السودانية احمد محمد هارون في لقاء معه أجري في الخرطوم، وتحدث بداية عن ميليشيات الجنجاويد المتهمة بأنها صنيعة الحكومة وتشن الهجمات على ابناء دارفور ذوي الاصول الافريقية، وقال: "ان هذه القضية معقدة جداً وأن لمصطلح الجنجاويد تفسيرات عدة، ونحن نفهمه بأنه يعني ميليشيات تضم مجموعة من الأفراد الخارجين عن القانون من مختلف القبائل. والمتمردون يعتبرون أن كل من ينتمي إلى القبائل العربية فهو جنجاويد، وبالطبع هذا تفسير له دلالات أتنيه ويؤجج النزعة في هذا الاتجاه، وبالتالي يعقد حل القضية".
ويضيف الوزير هارون: "أن هذا المصطلح يحتاج اولاً إلى اتفاق من قبل اطراف النزاع على تفسيره وتعريف مضمونه. لكن في الوقت نفسه، نحن ننظر إلى مسألة حيازة السلاح بواسطة الأفراد خارج القوات النظامية باعتبارها تهديد أمني، ولذلك نعتقد بأن عملية متزامنة لنزع السلاح من كل الاطراف وإقتصار وجوده في ايدي القوات الحكومية فقط هو المدخل الأساسي للحل السليم. وهذا ما تنبه له الاتحاد الأفريقي وتبناه في قمة أديس أبابا الاخيرة وسجله في الورقة الأولية التي قدمها في مفاوضات ابوجا".
ويعتبر الوزير الفترة الزمنية التي كان حددها مجلس الامن بشهر لحل الازمة "غير منطقية... ومثل هذه الأزمات يصعب تحديد موعد محدد لحسمها. ففترة الشهر لا تكفي لحل نزاع عائلي، ولكن يمكن أن تكون هناك إرادة للحل، ونحن حريصون على أن نبرز إرادتنا وان نسير على الطريق الذي سيؤدي إلى الحل، وهو الامر الذي انتبه إليه أيضاً مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة يانك برونك واقترح استناداً الى ذلك خطة لحل الازمة".
وأشاد الوزير السوداني بجهود الاتحاد الأفريقي التي وصفها بأنها "طيبة ومثمرة"، وقال: "انه الآن يقود باقتدار عملية التسوية السياسية في ابوجا وبالطبع فإن بعثة مراقبة وقف النار التابعة للاتحاد تحاول أن تفعل ما في وسعها لتثبيت إجراءات وقف إطلاق النار".
وحمل الوزير المتمردين مسؤولية استمرار الحرب في الإقليم وقال: "للأسف الشديد قبلت الخرطوم كل مبادرات الحل والمساعي السلمية التي قوبلت بالرفض من المتمردين الذين واصلوا ضرب واستهداف مراكز الشرطة المحلية وسجل حتى الآن 68 هجوماً على مراكز الشرطة وتم تدميرها تماماً وقتل 408 من عناصر الشرطة فيها".
واعترف بأن غياب السلطة في أرياف دارفور "شجع المتمردين الذين وسعوا عملياتهم العسكرية بالهجوم على مدينة الفاشر وقاموا بتدمير ستة من الطائرات في مطار المدينة وقتلوا العديد من رجال الجيش في حامية الفاشر... وفي المقابل نفذت القوات المسلحة عمليات عسكرية، وسعينا قدر الإمكان ألا يتعرض المدنيون الأبرياء لأي مصاعب بسبب الحرب".
وأضاف :"نحن حريصون على استعادة الأمن في الإقليم، ولذلك عندما انتهت القوات المسلحة من عملياتها العسكرية اصدر الرئيس عمر البشير قرار بوقف العمليات العسكرية وأتاح ذلك الفرصة لبدء حوار في نجمينا ترتب عليه اتفاق لوقف النار. وعندما توصلنا الى اتفاق لوقف النار رحبنا بذلك، ولكن هذا الاتفاق غير فاعل في الإقليم بسبب عدم التزامه من جانب المتمردين. ونحن ندرك أسبابهم في ذلك لأن مثل هذه الحركات المسلحة المتمردة تفتقد القيادة والسيطرة على افرادها، ومن ناحية أخرى فان انتشارهم وسط الأهالي أيضاً يزيد من صعوبة هذه المهمة. ولعل هذا ما دعا الرؤساء الأفارقة في قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا إلى ضرورة تجميعهم في معسكرات محددة ولم يلتزموا بهذه الدعوة ايضاً. وبدأنا في حوارات مع الأمم المتحدة وتم توقيع اتفاق الممرات الآمنة مع ممثل الأمم المتحدة في السودان. وتبعاً لذلك كان مطلوب منا أن نرسل المزيد من الشرطة الى الإقليم، وارسلنا بالفعل ما يزيد على 8000 أمين شرطة، وحرصنا أن يكون هؤلاء الرجال من خارج منطقة دارفور حتى لا يتهموا بالتحيز. وبالفعل شعر النازحون بأنهم باتوا أكثر أمناً في مخيماتهم، خصوصاً ان الدوائر الامنية أتاحت لهم الفرصة لممارسة نشاطاتهم الطبيعية. ونعتقد بأننا نجحنا في ذلك".
وأشار الوزير الى "أن المواطنين الذين تضرروا من الحرب لم يلجأوا إلى مناطق المتمردين وإنما إلى مناطق الحكومة وهذا يحبط كل الادعاءات الباطلة بأن النازحين لا يثقون بالحكومة. ونحن ندرك ونتفهم أن عدداً كبيراً من عناصر المتمردين ألقى سلاحه وجاء مع النازحين". وأضاف :"أن هناك جهوداً أخرى تجرى نحو الحل ايضاً، فقد عقدنا مؤتمراً لزعماء الإدارات الأهلية ونحاول من خلال هذا الجهد تحقيق مصالحات اجتماعية بين القبائل، لأن قضية الأزمة في دارفور تعود جذورها إلى النزاعات القبلية والناتجة من الصراع على الموارد الشحيحة في الإقليم ونعتقد بأن السير في مسائل المصالحات الاجتماعية ومسار التسوية السياسية وتقديم تسهيلات في الجانب الإنساني يمكن أن تقود في النهاية إلى الحل النهائي والسلمي".
وعن حقيقة تورط "الحركة الشعبية لتحرير السودان" في دعم المتمردين، قال الوزير: "لدينا إثباتات وأدلة توضح تورط الحركة الشعبية في دعم متمردي دارفور، وكنا نفهم موقف الحركة بأنه تكتيكي يستهدف الضغط على المفاوض الموجود معه في نايفاشا ولذلك فعلى رئيس الحركة جون قرنق أن يكف تدخله في أزمة دارفور حتى نستطيع أن نمضي إلى الأمام في نايفاشا، خصوصاً ان موقف الحكومة المبدئي هو أن ما تم التوصل إليه في نايفاشا مع قرنق سيعمم على بقية أقاليم السودان".
الى ذلك، اتهم الوزير الحكومة الاريترية بدعم المتمردين، وقال: "أن السلطات الإريترية تقوم بحشد وتدريب عدد من العناصر من متمردي دارفور وتزويدهم بالأسلحة والمعدات الحربية... النظام الإريتري يسعى باستمرار إلى تبني القلاقل والاشكالات مع الدول المجاورة هرباً من استحقاقاته الوطنية اتجاه شعبه".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.