الملاحقة القضائية لمرتكبي جرائم الحرب من قادة الجيش الإسرائيلي ليست أمراً سهلاً غير أنها ليست مستحيلة، إذ شهدت السنوات القليلة الماضية سابقتين مهمتين في هذا الصدد ما يعطي أملاً في إمكانية الاستمرار في هذا النهج وإن حقق الحد الأدنى من العقاب الرادع. ففي أيار مايو 2006 قررت قيادة الجيش الإسرائيلي أن لا يتوجه القائد العسكري لقطاع غزة العميد أفيف كوخافي إلى بريطانيا للدراسة وفضلت أن يدرس في الولاياتالمتحدة الأميركية، وتشاور المدعي العسكري الإسرائيلي العام في حينه أفيحاي مندلبليت مع الجهات الأمنية ووزارة الخارجية وأوصى بألا يتوجه كوخافي إلى بريطانيا خشية اعتقاله بسبب دعوى قضائية ضده أمام محكمة بريطانية تتهمه بارتكاب جرائم حرب في القطاع، ما أثار غضباً شديداً بين ضباط الجيش. ويلاحق"المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان"ضباط الجيش الإسرائيلي عبر دعاوي يحركها ضدهم في محاكم أوروبية وخصوصاً في بريطانيا، وكوخافي بصفته قائداً عسكرياً لقطاع غزة قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي منه في الصيف قبل الماضي يُتهم بأنه مسؤول عن قتل مئات الفلسطينيين وهدم منازلهم. واقعة أخرى كان مسرحها مطار هيثرو في لندن في 11 أيلول سبتمبر 2005، حين امتنع الجنرال الإسرائيلي المتقاعد دورون ألموغ عن مغادرة طائرته وظل قابعاً داخلها بسبب مذكرة توقيف أصدرها ضده في 10 أيلول سبتمبر رئيس هيئة لندن القضائية بمقتضى قانون اتفاقيات جنيف للعام 1957، للاشتباه بتورطه في تدمير 59 منزلاً فلسطينياً في مخيم اللاجئين في رفح، في 10 كانون الثاني يناير2002. وألموغ، الذي أشرف على عمل لجنة تحقيق إسرائيلية أصدرت تقريراً حمل اسمه حول فشل الجيش الإسرائيلي الذي أدى إلى أسر"حزب الله"اللبناني الجنديين الإسرائيليين على الحدود الشمالية في 12 تموز يوليو الماضي، ترأس ما بين كانون الأول ديسمبر2002 وتموز 2003 القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي التي كان قطاع غزة تحت سيطرتها. وفي مطار هيثرو امتنع عن النزول من الطائرة بعد أن تم إبلاغه بإمكان اعتقاله على خلفية الاتهامات الموجهة إليه ولم تقم شرطة لندن بمداهمة الطائرة لتنفيذ قرار التوقيف وسمحت له بمغادرة المملكة المتحدة عائداً إلى إسرائيل في الطائرة نفسها التي أقلته إلى لندن. وبريطانيا كانت تقوم بواجباتها بمقتضى قانون اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1957، الذي ينطبق على"أي شخص، أياً كانت جنسيته، يرتكب، سواء داخل المملكة المتحدة أو خارجها، خرقاً جسيماً لأي من الاتفاقيات المقررة أو للبروتوكول الأول، أو يساعد على ارتكاب مثل هذا الخرق، أو يحرض على ارتكابه أو يدبر ارتكابه من قبل شخص آخر". والمملكة المتحدة"ملزمة بملاحقة المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات الجسيمة أو الأمر باقترافها، وبتقديمهم إلى محاكمها، أياً كانت جنسيتهم"المادة 146، وما لم تفعل ذلك، يتعين عليها تسليم مثل هؤلاء الأشخاص إلى طرف متعاقد معني آخر لمحاكمتهم. ويمتنع كذلك رئيسا الأركان في الجيش الإسرائيلي السابقين دان حالوتس وموشيه يعلون من التوجه إلى بريطانيا خشية اعتقالهما بتهمة ارتكاب جرائم حرب.