أورد حازم صاغية في مقاله المنشور في الحياة 30 / 1 / 2007 ما اعتبره أسطورة تأسيسية للمجتمع اللبناني، يكون لبنان بمقتضاها النقطة التي تتوازن فيها علاقات الغرب والعرب. ويرى صاغية أن "حزب الله" لم يبذل أدنى جهد لإيجاد موقع له ضمن هذه الأسطورة التأسيسية، بل على العكس أبدى لامبالاة تجاهها. تقوم الدولة الحديثة الدولة -الأمة على أسطورة تأسيسية هي الأمة "نحن"، الجماعة المتخيلة والتي هي نتاج حديث لعصر الطباعة. اللغة المطبوعة والصحافة والسوق والمدرسة والإدارة هي العوامل التي سمحت بنشوء وعي الأمة، والتي ستكون أدوات لسياسة قومية مهمتها إيجاد الوعي القومي وترسيخه عبر رواية تاريخ"الأمة"، رواية الأصول، حيث الأمة موجودة دوماً. الأمة هي الأسطورة الحديثة والتي تحدد طبيعة الدولة الحديثة، التي بدورها تكون تجريدا لها، دولة المواطنين المتساوين، الأعضاء في الأمة. هوية الدولة وسلطتها تجد في الأمة شرعيتها. على العكس من هذا ستبدو أساطيرنا التأسيسية على تناقض تام مع الدولة - الأمة، لا تؤسس الدولة إنما تنفيها. لنبدأ بما قدمه حازم صاغية كأسطورة تأسيسية للبنانيين. لبنان هو تسوية بين العرب والغرب، من البداية لا يوجد هنا"نحن"، إنما عرب وغرب التقيا على ارض لبنان والذي لا يملك هوية إنما هو التقاء لمجموعات مختلفة ومنتمية إلى أمم وحضارات متنوعة، لبنان تسوية بين غرباء. ربما يبدو هذا جليا مع عدد من الشعارات التحريضية والتي رفعت في الفترة الأخيرة، على سبيل المثال انتبهوا... الشيعة يحاصرون بيروت. بهذا المعنى يكون الشيعة غرباء بالقدر الذي عليه الآخرون. في التسوية واللقاء الحضاري لا يوجد شعب، فهنا ما هو أكثر من الشعب،"شعوب"التقت على أرض تدعى لبنان. أسطورة لبنان التأسيسية لا تستدعي وطنا إنما رسالة، لبنان الرسالة. الرسالة تنتقل بين أيد مختلفة وتمتلك تأويلات متنوعة بحسب قرائها، ولا تعود لأحد فهي من الجميع وللجميع، رسالة التعايش المشترك بين مسلمين ومسيحيين يمثلون حضارات المتوسط بأجمعها. لكن من يحيى برسالة ليس هو من يحيى بوطن. يملك المصريون أسطورتهم والتي لا تختلف عن شقيقتها اللبنانية بتناقضها مع الدولة ومبدأ الشعب، وان اختلفت عنها بطبيعتها الكيميائية وحدة عنصري الأمة والتي تعود إلى ثورة 1919. الأمة المصرية لا تظهر إلا عبر توسط العنصرين، أي الأقباط والمسلمون. العنصران يظهران بشكل أكثف من الأمة، والتي هي في النهاية مركب، قد يطاله الانحلال إلى عناصره. ولهذا ستكون مهمة الدولة المصرية هي إبعاد الأمة عن أي تفاعل يؤدي للانحلال. الانتماء للأمة محصور بهذين العنصرين، فلا يمكن لأحد أن يكون مصريا إلا عبرهما. هنا لدينا جماعتان مختلفتان، ماهيتان صماوان، اجتمعتا على رقعة جغرافية اسمها مصر. التعايش وليس العيش المشترك هو ما يظهر في أساطيرنا التأسيسية. وعندها لن تبدو الأوطان إلا جغرافيا تضع حدودا لتعايش الغرباء. النوع الثاني من الأساطير التأسيسية لا يقل شذوذا عن النوع الأول، هو الآخر يقوم على تناقضه. الأسطورة التأسيسية للعراقيين سابقا وللسوريين راهنا هي الدولة العربية الواحدة، دولة الوحدة التي تنفي الشرعية عن حاضرهم. الالتباس التاريخي الذي يحياه السوريون عائد إلى أن وعيهم بدولتهم أقل من وعيهم بأنفسهم، بينما ظهر العراقيون على أنقاض ولايات عثمانية ثلاث لا يوجد ما يجمعها سوية. الدولتان العراقية والسورية لم تكونا مبررتين بنظر أبنائهما، ولاستمرار الحياة معا استدعتا شرعية ما يجب أن يكون. الدولة الحالية غير شرعية بذاتها، إنما الشرعية تذهب الى السلطة التي تحكم إن هي التزمت بشرعية المستقبل، شرعية دولة العرب. شرعية السلطة تنفي شرعية الدولة. هذه الأسطورة هي أيضا مناقضة لأبسط شروط الدولة - الأمة، وهنا أيضا لا وجود للشعب إنما لجزء منه، لا يمثله كله. وفي حال غياب الشعب بأسره تحضر طليعته ورسالته الخالدة. الأمة كالشرعية موجودتان بالقوة، وليس بالفعل. أساطيرنا لا تستحق أن تسمى تأسيسية، وبشكل أدق هي غير تأسيسية. فقوامها نفي الدولة والشعب عوضا عن تأسيسهما. أساطير تؤسس دوما لانتماءات خارج الدولة، وتتناقض معها، أساطير لا تستطيع التفكير من داخل الدولة. * كاتب سوري