استعادت الشركات الألمانية عموماً، والضخمة منها خصوصاً، قوتها وعافيتها بفضل الأرباح العالية التي حققتها في السنوات القليلة الماضية، ما مكّنها من السير مجدداً على طريق التوسع في الداخل والخارج. وقال بيتر باومغارتنر رئيس شركة الاستشارات"مركر مانجمنت كونسالتينغ"، إن الخبراء يتوقعون أن تستمر الشركات الكبيرة في التوسع في الخارج هذه السنة، بشراء مزيد من الشركات الأجنبية، وبزيادة متوقعة لاستثماراتها في الداخل بنسبة سبعة في المئة، ستستفيد منها سوق العمل واليد العاملة مع نشوء فرص عمل جديدة. وتوقع خبراء كذلك، أن يتعزز وضع الشركات المتوسطة والصغيرة، وأن تستفيد من الازدهار الحاصل في البلاد. وأظهرت بيانات صادرة عن الشركات الألمانية، أن الشركات الثلاثين الضخمة، التي تتشكل منها سلة مؤشر"داكس"في بورصة فرانكفورت، حققت دخلاً كبيراً خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الماضية بلغ 63 بليون يورو. وتوقع خبراء أن يكون الدخل حتى نهاية السنة المنصرمة تجاوز سقف ال57 بليون يورو، الذي تحقق عام 2005. وواصل مؤشر"داكس"ارتفاعه مطلع السنة الجديدة فوصل الأسبوع الماضي إلى عتبة ال 3900 نقطة، وهو الأعلى له منذ خمس سنوات، بعد تسجيله 6700 نقطة أواسط الشهر الماضي، ما يعكس الأجواء الإيجابية جداً في الاقتصاد الألماني. وأدى تراكم الرأسمال الحاصل في عدد غير قليل من الشركات العملاقة، مثل شركة الكهرباء"أي أو أن"، إلى تمكينها من شراء شركة"انديسا"الإسبانية الضخمة"عنوة"ببلايين اليوروات، وقيام شركة"بي آ أس أف"الكيماوية الضخمة بشراء الشركة الأميركية Engelhard - Akquisition بمبلغ كبير أيضاً. ويتوقع مراقبون أن تزداد أرباح الشركات الألمانية بصورة أكبر السنة المقبلة، بعد قرار الحكومة خفض ضريبة الدخل عليها من 24 إلى 30 في المئة. الا ان مراقبين لاحظوا وجود تطورات سلبية في عمل بعض الشركات الألمانية العملاقة، تؤثر على سمعتها، كما هو الأمر مع شركة"اليانس"التي، على رغم الأرباح القياسية التي ينتظر أن تحققها عام 2006، والمقدرة ب6.5 بليون يورو، تنوي صرف ستة آلاف عامل وموظف. وتتعرض شركة"سيمنز"العملاقة الأخرى، إلى دعوى قضائية بتهمة الرشوة والفساد، تطاول مسؤولين كباراً فيها، بعدما سبقتها دعوى مماثلة طاولت كبار مسؤولي شركة"مانيسمان". معركة رفع الأجور وأمام الأرباح الكبيرة المحققة، واستمرار الانتعاش الاقتصادي، وافق أرباب العمل والنقابات العمالية والخبراء الاقتصاديون والحكومة، على ضرورة رفع الأجور في ألمانيا بنسب أعلى من نسب السنوات الماضية، إنما اختلفوا في الوقت نفسه، على حجم الزيادة. ففي حين دعا أرباب العمل إلى زيادات معقولة لا تهدد مسيرة النمو الاقتصادي، طالب العمال بزيادة تتراوح بين 5 و 7 في المئة،"بعد سنوات من ضبط النفس، وتقديم التنازلات حفاظاً على وظائفهم"، على حد تعبير ممثليهم. وفيما دعم رئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي كورت بك، دفع زيادة مرتفعة على الأجور، أيدت المستشارة انغيلا مركل ذلك في القطاعات التي حققت أرباحاً عالية جداً فقط. لكن رئيس اتحاد أرباب العمل ديتر هوندت حذر بشدة من إقرار زيادات عالية على الأجور،"يمكن أن تسبب نتائج سلبية على الاقتصاد الذي لم يصلب عوده بعد"، داعياً إلى ربط الزيادة المتوقعة بإنتاجية كل قطاع، وكل شركة على حدة. وبدورهم، اختلف خبراء الاقتصاد حول حجم الزيادة الممكنة على الأجور. ففي حين ذكر الخبير برت روروب رئيس"مجلس حكماء الاقتصاد"المشكّل من الحكومة لتقديم استشارات دورية، أن الزيادة يجب أن تبقى تحت سقف 3 في المئة، بحيث تغطي ارتفاع كلفة المعيشة هذه السنة التي ستبلغ 2.3 في المئة مقابل 1.7 في المئة عام 2006، رأى رئيس معهد"ايفو"هانس فرنر زن، أن على الزيادة أن تبقى في حدود 2.2 في المئة. لكن الخبيرين بيتر بوفينغر وغوستاف هورن، من مؤسسة"هانس بوكلر"القريبة من النقابات العمالية، طالبا بزيادات أعلى لتشجيع المواطنين على الاستهلاك. أما مدير معهد الاقتصاد الألماني"أي دبليو"ميشائيل هوتر القريب من أرباب العمل، وكذلك كبير خبراء مصرف"دويتشه بنك"نوربرت فالتر فعارضا ذلك بقوة، وطالبا بأن لا تتجاوز الزيادة 2 في المئة. وأثار تدخل رئيس المصرف المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه في موضوع الأجور، اعتراض النقابات العمالية عليه، بعدما دعا إلى زيادات متواضعة، محذراً مما سماه"دوامة الأسعار - الأجور". ورد عليه عضو قيادة الاتحاد العام للنقابات العمالية الألمانية كلاوس ماتشكي، بأن الخطر على سوق العمل"لا يأتي من الزيادات على الأجور، وإنما من سياسة رفع الفائدة التي ينتهجها المصرف المركزي الأوروبي". وذكّر نائب رئيس الاتحاد العام للنقابات الأوروبية راينر هوفمان بأن العمال الألمان والأوروبيين،"قبلوا في السنوات الماضية زيادات متواضعة كانت نتيجتها خفض الطلب والاستهلاك الداخلي". وذكرت دراسة نشرتها أخيراً مؤسسة"هانس بوكلر"، أن القوة الشرائية للعاملين المثبّتين واصلت خفضها عام 2005، مقارنة بعام 2003، من 43.1 إلى 42.1 في المئة من صافي الدخل الشهري. وأضافت أن الخفض لن يتوقف في ظل الانتعاش الاقتصادي الحاصل، وقدرت أن القوة الشرائية قد تراجعت دون 04 في المئة في نهاية السنة الماضية، بعد أن سجلت 38.1 في المئة في النصف الأول منه، علماً ان الارقام الرسمية لم تصدر بعد.