صدرت في ألمانيا أخيراً تصريحات وبيانات اقتصادية متناقضة حول الوضع الحقيقي للاقتصاد الألماني وتطوره هذه السنة وعام 2015. وعلى خطى محتوى «تقرير الخريف» الاقتصادي الذي صدر في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وأشار إلى أن الاقتصاد الألماني يسير على طريق الانكماش والركود، وتأكيد المفوضية الأوروبية ذلك مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أعلن «مجلس حكماء الاقتصاد» المعيّن من قبل الحكومة الألمانية أواسط الشهر الماضي أن آفاق النمو في البلاد «ساءت أكثر فأكثر». وخفّض المجلس المكوّن من خمسة من كبار الخبراء في تقرير، معدل النمو المتوقّع لهذه السنة من 1.9 إلى 1.2 في المئة، وللعام المقبل من اثنين إلى واحد في المئة، كما أبدى المجلس تشاؤماً من الحكومة وبروكسيل. وجاءت نتائج مؤشرات النمو الصادرة عن معهد «زد أي في»، خصوصاً معهد «إيفو» بعد النصف الثاني من الشهر الماضي، مفاجئة للجميع، إذ أظهرت أن النمو عاود الارتفاع بعد أشهر من التراجع المتتالي خلال السنة. وسجّل المعهد الألماني الأول الذي يستعلم شهرياً آراء بضعة مئات من خبراء الاقتصاد والمال في البلد، ارتفاعاً في مؤشر التوقعات بلغ 15.1 نقطة، وتحسناً بلغ 0.1 نقطة في مؤشر الوضع الحالي للنمو. أما المعهد الثاني الأهم في البلد، والذي يستفتي شهرياً مسؤولي سبعة آلاف شركة، فسجّل للمرة الأولى بعد ستة أشهر من التراجع، ارتفاعاً ملموساً في مؤشر الأجواء من 103.2 إلى 104.7 نقطة مع تحسن واضح في مؤشر الوضع الحالي لأعمال الشركات من 108.4 إلى 110 نقاط، كما ارتفع مؤشر التوقعات من 98.3 إلى 99.7 في المئة. أزمات خارجية وكان تقرير «حكماء الاقتصاد الخمسة» عزا تراجع النمو، الذي بدأ جيداً جداً هذه السنة، إلى الأزمات التي اجتاحت العراق وأوكرانيا، إضافة إلى استمرار ضعف النمو في دول منطقة اليورو والدول الصاعدة، وإلى قرارات الحكومة الألمانية المتعلقة بخفض سن التقاعد لبعض الفئات، وتحديد حدّ أدنى للأجور، إضافة إلى عدم الاتفاق على سياسة موحدة للطاقة وتحديد كلفتها. وسبق لاتحادات أرباب العمل الألمانية أن حذّرت من سلبية نتائجها على الاقتصاد وعلى الاستثمارات، كما حذّر رئيس معهد «إيفو» هانس فيرنر زِن غير مرة من أن اقتصاد البلد «يسير حالياً على حافة الانكماش». ولكن وزير الاقتصاد والطاقة زيغمار غابرييل ردّ بغضب قائلاً إن لديه انطباعاً أحياناً بأن تقارير الخبراء «تتحدث عن اقتصاد لاهوتي لا عن اقتصاد علمي»، ملمحاً إلى وجود تناقض فيها، خصوصاً أن أعداد العاملين في سوق العمل الألمانية لا تنخفض بل ترتفع فعلياً، لافتاً إلى أن تقرير المعهد ذاته توقع ارتفاع عدد العاملين من 42.6 مليون هذه السنة إلى 42.8 مليون العام المقبل. ولفت التقرير الشهري الصادر أخيراً عن غرفة التجارة والصناعة العربية - الألمانية إلى أن عدداً غير قليل من الخبراء ومعاهد البحوث يعتقد أن ألمانيا لم تفقد وهجها بعد على رغم المؤشرات السلبية، كما لديها فرص جيدة لتحقيق نمو ملموس خلال العامين الحالي والمقبل. وتحدّث هؤلاء «عن مؤشرات إيجابية تسمح بالتفاؤل»، أبرزها تنامي سوق التوظيف في البلد على رغم السلبيات الموجودة، وتزايد حركة السوق الداخلية في شكل نشط بفعل ازدياد رغبة المستهلكين الألمان في تعزيز شراء الحاجيات مع تدنّي الفوائد على الودائع المصرفية، إلى جانب عودة محرّك الصادرات إلى الدوران بقوة الشهر الماضي، واستمرار الزيادات على الأجور، وهي عامل حاسم في الاستهلاك. خطر الانكماش وأعلن معهد «هانس بوكلر للبحوث الاقتصادية» (إي أم كا) أن مؤشره للنمو أظهر الشهر الماضي أن «خطر دخول ألمانيا في انكماش اقتصادي تراجع في تشرين الأول الماضي إلى 18 في المئة من 20.5 في المئة في الشهر السابق»، مشدداً على أن قاعدة النمو في ألمانيا تتمثّل في سوقها الداخلية النشطة إنتاجاً ومبيعاً. وأكد أن عدد العاملين سيرتفع العام المقبل مع الأجور، وأن الاستقرار سيشجّع الشركات على مزيد من الاستثمار، لذلك توقع نمواً نسبته 1.5 في المئة هذه السنة و1.9 في المئة العام المقبل، متجاوزاً بذلك توقعات آخرين. وأشارت مؤسسة الاستشارات «إرنست أند يونغ» إلى أنها تنتظر معدلات نمو مشابهة، بينما توقع كبير خبراء شركة «أليانس» ميشائيل فايزه أن يبلغ النمو 1.4 في المئة هذه السنة والعام المقبل. وأعرب خبير النمو في معهد بحوث اقتصاد العالم في «إي في إف» يواخيم شايده عن تفاؤله بقوة الاقتصاد الألماني على رغم الكبوة التي تعرض لها، متوقعاً زيادة الأجور اثنين في المئة العام المقبل. ويبدو قطاع الحرفيين الألمان في أفضل حالاته، إذ أعلن الأمين العام للنقابة المركزية هولغر شفانيكه أن القطاع «يعمل بكامل طاقته، والدفاتر مليئة بالطلبات، ولا يتأثر بالأزمات الاقتصادية الخارجية». وفي خضم الأخذ والرد، أعلن المكتب الاتحادي للإحصاء في فيسبادن الشهر الماضي أن اقتصاد ألمانيا سجل 0.1 في المئة نمواً خلال الربع الثالث الماضي، مشيراً إلى تراجع الانكماش خلال الربع الثاني من 02 إلى 0.1 في المئة. وتكمن أهمية النموّ الطفيف المحقّق في الربع الثالث في أنه أنهى تأكيد بعضهم سير الاقتصاد الألماني نحو الانكماش، خصوصاً أن الجميع يتوقّع نموّاً خلال الربع الحالي.