تزدحم وسائل الإعلام، مقروءة أو مرئية، هذه الأيام بأخبار أداء الشركات السنة الماضية، إضافة إلى نسب الأرباح الموزعة على المساهمين، بما فيها الأرباح النقدية أو الأسهم المجانية. ويلفت تركيز وسائل الإعلام على الأخبار والمعلومات التي تهم المضاربين وإهمال الأخبار والمعلومات والمؤشرات والتحليلات التي تهم المستثمرين في الأجلين المتوسط والطويل بحيث تساهم في تعميق ثقافة الاستثمار والابتعاد من ثقافة المضاربة التي ساهمت في التسبب بالخسائر الضخمة التي تكبدها المضاربون في أسواق المنطقة. ويلاحظ إبراز وسائل الإعلام مجمل قيمة الأرباح المحققة ونسبة نموها مقارنة بالسنة الأسبق، من دون أي إشارة إلى مصادر الأرباح أو نسبة الأرباح التشغيلية، أي أرباح الشركة من أعمالها الأساسية، إلى إجمالي قيمة الأرباح المحققة، ومعدل نمو هذه الأرباح في السنوات الماضية، مقابل نسبة الأرباح المحققة من المصادر الاستثمارية الأخرى أو من إعادة تقويم الأصول، وهي أرباح تكون عادة استثنائية وغير متكررة ولا يعتمد عليها في تقدير الأرباح المتوقع تحقيقها في السنوات المقبلة، وبالتالي في احتساب الأسعار العادلة لأسهم الشركات. وما يجب أخذه في الاعتبار، عدم جواز توزيع أي أرباح على المساهمين مصدرها إعادة تقويم الأصول، سواء العقارات أو الأسهم، باعتبارها أرباحاً دفترية لا فعلية. وتبرز وسائل الإعلام نسب الأرباح الموزعة على المساهمين من دون الإشارة إلى نسبتها من إجمالي قيمة الأرباح المحققة أو إلى سعر أسهم الشركة في السوق. ويلاحظ خلال هذه الفترة تنافس شركات عدة على توزيع أكبر نسبة من أرباحها الصافية لحفز طلب موقت على أسهمها، وبالتالي رفع سعر أسهمها في السوق على رغم حاجتها إلى السيولة لمشاريعها التوسعية أو القائمة، أو تعزيز قيمة حقوق مساهميها واحتياطاتها لرفع مستوى ملاءتها المالية وبالتالي المساهمة في تعزيز نمو الأرباح خلال السنوات المقبلة. ولا تلاحظ أي إشارة في وسائل الإعلام عند نشر نتائج الشركات إلى مؤشرات الربحية، وأهمها العائد على حقوق المساهمين وعلى رأس المال، وكذلك العائد على إجمالي الموجودات، وهي المؤشرات التي من خلالها نستطيع الحكم على مستوى كفاءة إدارة الشركة ومدى تعزيز العائد على حقوق مساهميها والاستغلال الأمثل لمواردها. ويحتسب العائد على رأس المال بقسمة قيمة الأرباح المحققة على قيمة رأس المال ثم ضربها بمئة، والعائد على حقوق المساهمين بقسمة قيمة الأرباح المحققة على قيمة حقوق المساهمين ثم ضربها بمئة تعادل حقوق المساهمين مجموع رأس المال مضافة إليه الاحتياطات المختلفة والأرباح المدورة، بينما يحتسب العائد على إجمالي الموجودات أو الأصول بقسمة صافي الأرباح على إجمالي قيمة الموجودات. ولإعداد مقارنات لهذه المؤشرات بين الشركات المختلفة أهمية كبرى للحكم على مستوى أدائها. فالشركة التي يتضاعف رأس مالها خلال السنة، سواء من خلال توزيع أسهم مجانية أو من خلال إصدار خاص للمساهمين، يجب أن تتضاعف قيمة أرباحها الصافية للمحافظة على نسبة العائد على رأس المال أو ربحية السهم الواحد. ويعاد احتساب مؤشر مضاعف الأسعار استناداً إلى ربحية السهم الواحد وسعره في السوق. وهكذا يفترض بوسائل الإعلام عند الإشارة إلى نسبة النمو في صافي الأرباح لأي شركة، الإشارة إلى نسبة النمو في رأس المال وفي حقوق المساهمين خلال السنة. وتعتبر مؤشرات النمو ومؤشرات السيولة ومؤشرات هيكل رأس المال من المؤشرات التي يجب على وسائل الإعلام توضيحها عند نشر نتائج الشركات في الصحف أو إجراء مقابلات تلفزيونية مع المحللين والمختصين لرفع مستوى الوعي الاستثماري لمختلف شرائح المستثمرين ولمساعدتهم على اتخاذ قراراتهم الاستثمارية سواء بالبيع أو الشراء على أسس مالية واستثمارية، وليس بناءً على الإشاعات أو نصائح المضاربين. ويصح هذا الأمر في شكل خاص لأن 70 في المئة تقريباً من المتعاملين في الأسواق، كما تشير الإحصاءات، لا يستطيعون قراءة القوائم المالية التي تنشرها الشركات أو تحليلها بمفردهم، ما يحتم دوراً مساعداً في هذا الصدد من جانب وسائل الإعلام. * مستشار "بنك أبو ظبي الوطني" للأوراق المالية.