على رغم المكاسب الرأسمالية الكبيرة والمتميزة للشركات العربية المدرجة في البورصات بعد ارتفاع أسعار أسهمها العام الماضي وهذا العام، يتابع مساهمو هذه الشركات قرارات مجالس إداراتها بخصوص قيمة الأرباح المقرر توزيعها هذا العام ونسبتها، سواء كأرباح نقدية أو كأسهم مجانية. وأصبحت الأسهم المجانية موضع اهتمام نسبة مهمة من المساهمين بعد انتعاش أسواق الأسهم، بعكس ما كان يحدث خلال فترة تراجع الأسواق في السنوات الماضية حين كانت الأسهم المجانية تساهم في زيادة المعروض في الأسواق وبالتالي تعميق خسائر المؤشرات. ولمكاسب المستثمرين بأسهم الشركات المدرجة في أسواق المال ثلاثة مصادر، هي ارتفاع أسعار الأسهم في الأسواق خلال عام ما، والأرباح النقدية التي توزعها الشركات سنوياً على مساهميها، والأسهم المجانية التي توزعها الشركات على مساهميها كل بضع سنوات. ويُلاحظ أن غالبية الشركات التي أفصحت هذا العام عن توزيعاتها في الإمارات، مثلاً، رفعت نسبة الأرباح النقدية التي تقرر توزيعها على المساهمين لتتناسب مع النمو في صافي الأرباح، فيما بادرت شركات أخرى إلى توزيع أسهم مجانية وأرباح نقدية ساهمت في تعزيز حجم الطلب على أسهمها. ويجب الأخذ في الاعتبار أن الانخفاض الكبير في سعر الفائدة على الودائع يساهم في جاذبية ريع الأسهم أو عائدها ولو كان محدوداً في ظل استمرارية مستويات التضخم المنخفضة التي تؤثر في مستويات العائد المطلوب تحقيقه من الاستثمار في السوق. وتُعتبَر قرارات التوزيع من القرارات المالية المهمة باعتبارها تؤثر في قيمة الشركات وفي الخطط الاستثمارية والتمويلية. وتعطي قيمة الأرباح السنوية الموزعة ونسبتها، إشارات إلى المساهمين والمستثمرين المحتملين حول قوة الشركات. وتأتي سيولة الشركات وكفاءة إداراتها في مقدم العوامل التي تؤثر في قرارات التوزيع، إذ لعبت السيولة دوراً مهماً خلال السنوات الماضية في تحديد قيمة التوزيعات ونسبتها في ظل تراجع التدفقات النقدية وتشدد المصارف في منح القروض لتعزيز رأس المال العامل للشركات بما يساعدها في تنفيذ مشاريعها وتوسعاتها وتسديد ديونها. وكان بعض الشركات يحتفظ بكل الأرباح النقدية المحققة، لحاجة هذه الشركات الماسة إلى السيولة، بينما تبادر الشركات التي لا تحتاج سيولة إلى توزيع نسبة مهمة من أرباحها وتحتفظ بالباقي. وثمة أهمية كبرى للأرباح غير الموزعة المحولة إلى احتياطات الشركة لتعزيز قيمة حقوق المساهمين والقيمة الدفترية للشركة، كما يُعاد استثمار الأرباح غير الموزعة في أدوات استثمارية تساهم في نمو الربحية المستقبلية للشركات بما ينعكس إيجاباً على أسعارها السوقية. ولا تفضل نسبة مهمة من كبار المساهمين في الشركات، خصوصاً المؤسسيين منهم في القطاعين الخاص والعام، توزيع أرباح نقدية بنسبة كبيرة إذا تأكدوا من أن الشركات تحقق عائدات عالية من استثمار هذه الأرباح بنسبة تفوق العائدات التي يحققها المساهمون لو استثمروها بأنفسهم. وتجاوز عائد حقوق المساهمين في بعض الشركات في الإمارات العام الماضي حاجز 18 في المئة، وهو مستوى يصعب تحقيقه عادة. وتفضل في المقابل نسبة مهمة من صغار المساهمين توزيع كل الأرباح المحققة أو معظمها بدلاً من الاحتفاظ بها من الشركة ولو تراجعت قيمة الأرباح المحققة. ويبادر عدد كبير من كبار مساهمي الشركات إلى إعادة توظيف جزء مهم من الأرباح النقدية الموزعة في أسواق الأسهم، خصوصاً إذا كانت هذه الأسواق تمر بمرحلة انتعاش، ما يعزز سيولة هذه الأسواق ويرفع حجم التداول فيها. ويزيد التذبذب الكبير في نسب الأرباح الموزعة سنوياً على المساهمين في بعض الشركات صعوبة احتساب العائد السنوي المتوقع تحقيقه. وكانت مديونيات الشركات الكبيرة تقف عائقاً أمام قدرة الشركات على توزيع أرباح سنوية مجزية، كما أن اقتطاع المصارف نسبة مهمة من أرباحها السنوية وتحويلها إلى مخصصات لتغطية الديون المشكوك في تحصيلها خلال السنوات الماضية بعد مواجهة بعض المدينين تعثراً وانخفاض قيمة الأصول والضمانات، لعب دوراً سلبياً في نسبة الأرباح الموزعة على المساهمين. ويُلاحظ حالياً ارتفاع نسبة الأرباح المقرر توزيعها على المساهمين مع توقعات باستمرار تحسن قيمة الأرباح المحققة والموزعة خلال السنوات المقبلة ونمو في ظل انتعاش قيمة الضمانات المصرفية وفي مقدمها العقارات والأسهم وتراجع مستوى التعثر بعد تحسن أداء القطاعات الاقتصادية المختلفة. وتحتاج الشركات في السنوات الأولى لتأسيسها عادة إلى كل السيولة فتحتفظ بكل أرباحها لتعزيز رأس مالها العامل وتنفيذ مشاريعها وتوسعاتها بدلاً من اللجوء إلى الاقتراض من المصارف أو وسائل تمويل أخرى فلا تضطر إلى دفع فوائد عالية تؤثر سلباً في قيمة الأرباح المحققة والموزعة. أما الشركات التي توزع أرباحاً نقدية مجزية على مساهميها فتعكس توزيعاتها مؤشرات مهمة تأتي في مقدمها جودة أرباحها وقوة تدفقاتها النقدية وملاءتها المالية بما يعزز الطلب على أسهمها. ويُتوقَّع خلال هذا العام توزيع معظم الشركات أرباحاً نقدية على مساهميها وتوزيع بعضها، خصوصاً تلك العاملة في قطاع المصارف، أسهماً مجانية بهدف زيادة رأس مالها ليتناسب مع النمو الكبير في قيمة أصولها وحقوق مساهميها. * مستشار أسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»