فاقت توقعات نسبة النمو في صافي ارباح المصارف الوطنية في دولة الامارات العام الماضي تنبؤات جميع المحللين عندما بلغت 42.5 في المئة. الا ان الملاحظ، ومن خلال الافصاح الذي قام به بعضها عن ادائها عن فترة الربع الاول من هذا العام، استناداً الى تعليمات هيئة الاوراق المالية الاماراتية، ان النمو الاضافي والمتميز الذي حققته، اقتربت نسبته من حاجز 50 في المئة. والواقع، ان عوامل عديدة ساهمت في هذا النمو، أهمها الانتعاش الذي تشهده جميع القطاعات الاقتصادية في دولة الامارات. لقد انعكس هذا الانتعاش في صورة ملحوظة على نمو الناتج المحلي الاجمالي الذي تجاوزت نسبته 6 في المئة العام الماضي، علماً أن لهذه المصارف دوراً مهماً في هذا الانتعاش، نظراً لضخامة القروض والتمويلات التي قدمتها لمختلف شرائح رجال الاعمال والمستثمرين والمستهلكين. كما ساهم في النمو ارتفاع ايرادات دولة الامارات من بيع النفط الخام ومشتقاته والذي انعكس في صورة ملحوظة على حجم السيولة وحجم الانفاق الحكومي على مشاريع استثمارية ومشاريع البنية التحتية وربحية القطاع الخاص من هذا الانفاق. واستفادت المصارف الوطنية في دولة الامارات ايضاً من فورة قطاع العقارات والاداء المتميز لاسواق الاسهم، اذ تشهد هذه القطاعات نمواً غير مسبوق، كما حققت البنوك ارباحاً عالية من هذين القطاعين في الوقت الذي يتحدث بعض المطلعين عن عودة اموال اماراتية كبيرة من الخارج للاستفادة من هذه الطفرة والتي عززت ايضاً حجم السيولة في هذه المصارف. كما ان الانخفاض الكبير في سعر الفائدة على الودائع خلال العام الماضي سواء بالدولار او بالدرهم وفر للمصارف اموالاً رخيصة شجعتها على تقديم قروض للمشاريع المختلفة اضافة الى القروض الاستهلاكية للافراد، وحققت من خلالها ارباحاً عالية. وبلغ حجم القروض التي قدمتها خلال العام الماضي 201.27 بليون درهم تشكل ما نسبته 90 في المئة من حجم ودائع عملائها والذي بلغ 223بليون درهم. وارتفاع هذه النسبة مؤشر مهم على الدور الذي تلعبه المصارف في توظيف اموال المودعين في القطاعات الاقتصادية المختلفة، كما تشكل هذه القروض ما نسبته 64.5 في المئة من اجمالي موجوداتها، التي بلغت نحو 312 بليون درهم. وعلى رغم ازدحام سوق الامارات بالمصارف، سواء الوطنية منها او الاجنبية 18 مصرفاً وطنياً، ثلاثة منها تتداول اسهمها خارج الاسواق المالية وثلاثة اخرى تعمل وفق الشريعة الاسلامية وأدرجت اسهمها في الاسواق المالية، بينما بلغ عدد المصارف الاجنبية نحو 27. الا ان المصارف الوطنية استطاعت ان تنافس الاجنبية في العديد من المجالات واستحوذت على حصة مهمة من السوق المصرفية. وساهم بتعزيز هذه المنافسة استخدام المصارف الوطنية لأحدث وسائل التكنولوجيا ورفع كفاية الموارد البشرية وتوفير منتجات تتناسب ومتطلبات العملاء، خصوصاً اصحاب الثروات. وتعتبر ربحية المصارف الوطنية الاماراتية من الاعلى على مستوى المنطقة، اذ بلغ العائد على رؤوس اموالها، المقدرة ب12.15 بليون درهم، 55.7 في المئة نهاية العام الماضي، بينما بلغ العائد على حقوق مساهميها 16.51في المئة، لتصل هذه الحقوق الى 41 بليون درهم أي ما يعادل 334 في المئة من مجموع رؤوس اموالها. ان ارتفاع قيمة حقوق مساهمي هذه المصارف يعود الى تحويلها لجزء مهم من ارباحها السنوية الى الاحتياطات المختلفة، مما ساهم بارتفاع نسبة ملاءتها المالية الى 13.14 في المئة في نهاية العام الماضي، بينما بلغ العائد على اجمالي موجوداتها 2.17 في المئة. كما ساهمت كفاية ادارة معظمها بالاستغلال الامثل لمواردها وتنوع مصادر دخلها، لنلاحظ ان قيمة صافي ايرادات الفوائد 5.98 بليون درهم وهي الفارق بين الفوائد المقبوضة من القروض والفوائد المدفوعة على الودائع، وعادة ما تشكل هذه الايرادات نسبة مهمة من صافي ارباح المصارف التقليدية، بينما بلغت قيمة الايرادات الاخرى 4.39 بليون درهم. ان ارتفاع هذا المبلغ مؤشر على تنوع مصادر دخل هذه المصارف، علماً بأنها وظفت ما قيمته 38.3 بليون درهم في استثمارات مختلفة، تشكل ما نسبته 12.27في المئة من اجمالي موجوداتها، كما بلغت الارباح التي وزعتها العام الماضي 3.67 بليون درهم اي 54.2 في المئة من صافي ارباحها أي ما نسبته 30.2 في المئة من اجمالي رؤوس اموالها. وتم تحويل باقي الارباح الى الاحتياطات لتعزيز قيمة حقوق مساهميها ورفع نسبة ملاءتها المالية. ويلاحظ ان خمسة من هذه المصارف تستحوذ على حصة مهمة من السوق المصرفية في دولة الامارات، وحصة مهمة من حصة المصارف الوطنية. وهذه المصارف هي بنك ابو ظبي الوطني وبنك ابو ظبي التجاري، اللذين تمتلك حكومة ابو ظبي حصة هامة من رؤوس اموالهما، اضافة الى بنك دبي الوطني وبنك المشرق وبنك الامارات الدولي. كما تشكل اجمالي موجوداتها 65.7 في المئة من مجموع اجمالي موجودات البنوك الوطنية وقيمة ودائع عملائها 63.4 في المئة من اجمالي ودائع العملاء، وصافي ارباحها 67.6 في المئة من اجمالي الارباح. وحقوق مساهميها تشكل ما نسبته 65 في المئة من اجمالي حقوق المساهمين. وتعكس الارقام ظاهرة التركز في السوق المصرفية الاماراتية. وانعكس هذا التحسن الكبير في اداء هذه المصارف وارتفاع نسب الارباح الموزعة على المساهمين في صورة ملموسة على اسعارها السوقية، فارتفع مؤشر قطاع المصارف خلال العام الماضي بنسبة 80 في المئة، وارتفع حجم التداول على اسهمها الى 14.19 بليون درهم، بينما بلغ حجم التداول على اسهمها خلال الربع الاول من هذا العام 10.7 بليون درهم، أي 20 في المئة من حجم التداول الكلي في السوق. وأدى ارتفاع مؤشر قطاع المصارف منذ بداية العام الحالي 65.5 في المئة بسبب استمرارية التحسن في الاداء الى ارتفاع القيمة السوقية لأسهم هذا القطاع الى 256.7 بليون درهم أي 44 في المئة من القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة في الاسواق المالية الاماراتية. * مستشار بنك أبو ظبي للأوراق المالية.