دقّ البطريرك الماروني نصرالله صفير ناقوس الخطر أمس معلناً في بيان ان "المطلوب الآن الاسراع في انتخاب رئيس الجمهورية قبل فوات الأوان"، معتبراً ان الوضع القائم في لبنان خطير. وقال: "لا ندري اذا كان هناك من يقدر خطورته من المسؤولين الذين يمتنع بعضهم عن دخول المجلس النيابي ويكتفي بالتوقف في الممرات". وإذ رأى صفير ان انتخاب الرئيس الجديد"يقع على مسؤولية جميع النواب"، غمز من قناة المعارضة ورئيس البرلمان نبيه بري في البيان الذي أوضح فيه أسباب إقدامه على تسمية لائحة من المرشحين للرئاسة، بالاشارة الى ان"إقفال مجلس النواب طوال الأشهر الماضية يرتب مسؤولية كبيرة على من أقفله"، وبالحديث عن"مسؤولية الوزراء المستنكفين عن جلسات مجلس الوزراء... ولا يزالون يذهبون الى وزاراتهم ويأتون عملاً وعكسه وهذا أمر مستهجن ومستنكر". كما أشار الى بري من دون تسميته حين قال في معرض حديثه عن اللائحة ان"أحد المسؤولين يردد أنه وراء البطريرك". راجع ص6 و7 وأوحى صفير بأنه لا يعارض محاولات التوافق على ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان للرئاسة اذ قال في البيان الذي أصدرته أمانة البطريركية المارونية أنه أبلغ من طالبه بلائحة ثانية"أنهم أحرار بإضافة من يريدون أو إسقاط من يريدون من الأسماء". وقالت مصادر مقربة من صفير أنه قصد من استحضار المراحل السابقة ومجرياتها التي حالت دون انتخاب رئيس الجمهورية في موعده ان يطلق تحذيراً من الاستمرار في التلكؤ الذي يجرّ البلد الى الفراغ. ولفتت الى ان صفير يخشى من ان يؤدي التردد الى امتصاص الصدمة الايجابية التي أحدثها ترشيح سليمان لرئاسة الجمهورية على رغم أنه لم يأت على ذكر اسمه في البيان، ويتخوف من ان يؤخر تمرير الوقت انتخاب الرئيس الجديد وإلا كان تريث في اصدار بيانه الى موعد الاجتماع الدوري لمجلس المطارنة الموارنة الأربعاء المقبل، فيما الجلسة النيابية المقبلة يوم الجمعة المقبل. وأوضحت المصادر ان بكركي تخشى، كما في السابق، من ان يبادر كل طرف الى رمي المسؤولية على الآخر فتكون النتيجة الحتمية عدم تمكين البرلمان من انتخاب الرئيس. وفيما رأت مصادر نيابية معارضة ان صفير لم يؤيد تعديل الدستور لانتخاب سليمان، قالت المصادر التي اطلعت على موقف صفير:"ليس صحيحاً ان البطريرك لا يؤيد تعديل الدستور اذ سبق له ان أعلن مراراً وتكراراً انه لا يؤيد تعديل الدستور لكن اذا كان التعديل يؤدي الى الانقاذ فلا مانع لديه من ذلك". وقالت مصادر الاكثرية ان زعيم"تيار المستقبل"النائب سعد الحريري كان استمزج رأي صفير، يوم الجمعة الماضي في 23 تشرين الثاني /نوفمبر حين انتقل من المجلس النيابي بعد تأجيل الجلسة النيابية التي كانت مخصصة لانتخاب الرئيس في اليوم الأخير لولاية الرئيس اميل لحود، في إمكان اعتماد خيار العماد سليمان وتعديل الدستور من أجل الخروج من الفراغ الرئاسي، فلم يمانع البطريرك. وهذا ما شجع الحريري على بدء مشاوراته مع حلفائه لاعتماد هذا الخيار في الأيام التي تلت، وقالت ان زيارة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بكركي في اليوم التالي السبت في 24 تشرين الثاني تناولت هذا الخيار أيضاً، فلم يمانع صفير، ما شجع السنيورة على ان يعلن أنه مستعد لخيار تعديل الدستور. وأشارت المصادر المقربة من صفير الى انه أطلق صرخته بعدما أوصدت الأبواب في وجه المبادرات العربية والدولية وانه يخشى بعد تأجيل جلسة أمس النيابية من تكرار المشهد نفسه لاحقاً. وقالت ان صفير يضغط لانتخاب الرئيس اليوم قبل الغد وأن التردد في حسم المواقف سيؤدي الى الالتفاف على الاندفاعة التي أحدثها ترشيح العماد سليمان، خصوصاً ان لدى البطريرك معطيات من الاقتصاديين والمسؤولين المعنيين بالوضعين الاقتصادي والمالي تشير الى أن استمرار الأزمة سيكون خطيراً بتداعياته الاجتماعية على البلاد. وفي هذا السياق، كرّر صفير أمام وفد من"جمعية تجار بيروت"أسفه للاعتصام في الوسط التجاري وما نتج منه من اقفال للمؤسسات وهجرة للشباب. وقال:"إن الشلل الذي أصاب المنطقة التجارية أصاب المجلس النيابي وها هو اليوم يرخي بظلاله على كرسي رئاسة الجمهورية"، مشدداً على"ضرورة التعاون بعضنا مع بعض لأن الوطن لا يقوم الا على سواعد أبنائه". كما ذكرت مصادر أخرى مطلعة على موقف صفير أن بيانه هو رد فعل على تحميله مسؤولية فشل انتخاب الرئيس بسبب اصداره اللائحة التي طالب بها زعماء لبنانيون وموفدون أجانب. واتجهت الانظار امس الى موقفي بري و"حزب الله"من خيار ترشيح سليمان، الذي كانت المعارضة اعتبرت ان إسمه يحظى بموافقتها، قبل صدور لائحة صفير، وبعدما كان الحزب ربط موقفه بموافقة زعيم"التيار الوطني الحر"العماد ميشال عون، الذي أعلن أول من أمس تأييده هذا الخيار. وقالت مصادر ثقة ل"الحياة"ان قيادة الحزب ما زالت تدرس الموقف، لكنها طرحت أسئلة في الساعات الأخيرة عن سبب عودة الأكثرية الى خيار سليمان بعد أن كانت استبعدته في الأسابيع الماضية وما اذا كان هناك من قطبة مخفية وراء ذلك، بل ان قياديين في الحزب سألوا ما اذا كان هناك فخ وراء تأييد الأكثرية خيار سليمان فجاءها الجواب من بعض الوسطاء ان هذا الخيار لبناني بحت لا علاقة لأي جهة خارجية به. وكان وزير الاعلام غازي العريضي رد على بعض التساؤلات في حديث تلفزيوني بالقول:"ان المعارضة طرحت سابقاً خيار قائد الجيش ونحن طرحناه الآن. وهذا يعني أننا نلاقيهم والأمر ليس مناورة". وأضاف رداً على سؤال:"المسألة ليست تسجيل نقاط بعضنا على بعض ولسنا في لعبة رياضية، اننا نسجل نقاطاً لمصلحة لبنان". أما بري فقالت مصادر مقربة منه انه يقوّم الوضع في ضوء تزايد حظوظ سليمان في الوصول الى الرئاسة، مشيرة الى انه سيبحث الآلية الدستورية لانتخابه، لكن بعد ان يبادر كل الاطراف الى اعلان مواقف واضحة من ترشحه ودعمه. ونفت المصادر ما تردد عن ان بري يميل الى تشكيل لجنة رباعية من اختصاصيين في القانون لدرس المخارج الدستورية لتعديل الدستور وانجاز الانتخاب في آن. وعلمت"الحياة"ان اتصالاً تم أمس بين بري والنائب الحريري للتداول في المواقف من دعم خيار سليمان. وتوافق الحريري، بحسب مصادره، مع بري على"ضرورة الاسراع في ايجاد الآلية الدستورية ولأن الاستعجال يقطع الطريق على الدخول في سجال لا يمكن التكهن أين ينتهي فيما المطلوب انتخاب الرئيس في أقرب فرصة. وترأس السنيورة بعد ظهر امس اجتماعاً وزارياً تشاورياً لعرض التطورات المتصلة بالاستحقاق الرئاسي والاجتماعات والاجواء المحيطة بهذا الملف، ووضع السنيورة الوزراء في أجواء المعطيات المتوافرة لديه في اتصالات اليومين الماضيين. وكان السنيورة أوفد مستشاره محمد شطح للقاء رئيس حزب"القوات اللبنانية"الدكتور سمير جعجع الذي قال ان البحث تناول انتخابات الرئاسة والمخارج الدستورية، وأكد جعجع ضرورة الخروج من الفراغ الرئاسي في أسرع وقت، ونوّه بالبيان الصادر عن البطريركية المارونية معتبراً أنه يتمتع بشفافية كاملة ولا أحد يستطيع اتهام البطريرك بأي غرضية. وذكّر جعجع بضرورة قيام النواب بواجبهم داخل المجلس النيابي لانتخاب رئيس وفق ما يمليه الدستور. فيلتمان ودعا السفير الأميركي لدى لبنان جيفري فيلتمان اللبنانيين الى الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية معتبراً أن"الوسط السياسي اللبناني يكن الكثير من الاحترام"لقائد الجيش ميشال سليمان وأن واشنطن لا تعارض تعديل الدستور ما دام القرار والآلية غير مفروضين من الخارج. وأكد أن قرار تبني الأكثرية ترشيح سليمان"صنع في لبنان"ونفى وجود"أي نوع من المقايضة بين واشنطن ودمشق على حساب لبنان". واعتبر فيلتمان في مؤتمر صحافي عبر الأقمار الاصطناعية من بيروت الى واشنطن، ورداً على سؤال ل"الحياة"حول موقف الادارة الأميركية من التعديل الدستوري:"في عام 2004 تبنينا قرار مجلس الأمن الرقم 1559 وكنا على حق في قناعتنا بأن المسار الأصلح للبنان ليس في تعديل الدستور والتمديد للرئيس السابق اميل لحود". وشدد على أن"المشكلة يومها كانت في أن التعديل الدستوري جاء فرضاً من سورية وليس في فكرة التعديل". وأوضح أنه"يجب احترام الدستور الذي يتضمن آليات للتعديل". وأضاف فيلتمان:"اذا كان هذا يوحي بتغيير ضمني في الموقف الأميركي فهو تعبير عن فلسفة ثابتة أن اللبنانيين هم يتخذون قراراتهم ولا تفرض عليهم ونحن نأخذ اشاراتنا من اللبنانيين". وقال فيلتمان أن المجتمع الدولي يتوقع من أي رئيس"الالتزام بلبنان الدولة وأن"يكون على مسافة واحدة من الجميع". وأشاد ضمناً بمزايا سليمان، معتبراً"أنه اذا تم انتخابه سيكون رئيساً مدنياً وليس عسكرياً". وكان لافتاً قول فيلتمان في رده على اسئلة الصحافيين:"أكون ساذجاً اذا توقعت من الرئيس المقبل نزع سلاح حزب الله غداً... هذا لن يحصل".