قالت : "لم أقدم فيلماً يدعو إلى التطبيع"، تساءلت: "ما العيب في أن أشرح نفسي وتركيبتي الثقافية والإنسانية المعقدة والمتداخلة؟، وماذا أفعل في حقيقة قائمة تؤكد أن لي أقارب من ناحية الأم يعيشون في إسرائيل منذ أن تركوا مصر عام 1947؟". إنها المخرجة المصرية نادية كامل صاحبة فيلم"سلاطة بلدي"والذي شارك في المسابقة الرسمية في مهرجان أفلام الشرق الأوسط في أبو ظبي، وهو الفيلم الذي أثار ضجة واسعة لدى عرضه هناك وفي مصر أيضاً إذ اتهمها بعض النقاد والصحافيين المصريين بالتطبيع مع إسرائيل، ورأوا أن ذهابها إلى إسرائيل والتصوير هناك دعوة صريحة للتسامح وهو ما تستحق المحاكمة عليه. نادية - التي تشارك حالياً في مهرجان سان فرانسيسكو- صدر قرار وهي بعيدة عن مصر بتحويلها إلى التحقيق في نقابة السينمائيين، معها المصور والمخرج إبراهيم البطوط على رغم أنه لم يسافر إلى إسرائيل بدعوى التطبيع مع العدو،"الحياة"التقتها في حوار عن الفيلم وعن الضجة المثارة. بدايات نادية كامل هي نتاج لأب مصري الصحافي اليساري سعد كامل وأم ماري ذات أصول إيطالية، يهودية الديانة، انتقلت إلى المسيحية بعد صعود الفاشية في إيطاليا، ثم تحولت إلى الإسلام بعد زواجها من سعد كامل. ليس ذلك فقط بل ناضلت الأم الى جوار زوجها في الحزب الشيوعي المصري، وطالبت بحقوق العمال، والمرأة وملأت الصحف كتابات بالعربية تعبر فيها عن آرائها. وهي قضت في السجن سبع سنوات من عمرها دفاعاً عن الحرية والعدل، واتخذت موقفاً مناهضاً للكيان الصهيوني واعتمدت مبدأ المقاطعة مع العدو لمدة خمسين عاماً. الحنين وحده حرك نادية كامل لتقدم فيلمها"حنين الأم"إلى ابنة خالتها سرينا والتي لازمتها في الطفولة والشباب ثم هاجرت مثلها مثل المئات من اليهود المصريين إلى إسرائيل، بكت ماري وهي تتذكرها وتساءلت: ماذا فعلت المقاطعة بعد كل هذه السنوات؟ وتمنت أن ترى سرينا قبل أن تموت. وقفت المخرجة نادية كامل حائرة أمام هذا الحنين وتلك الرغبة الجارفة. ولكن تلك الحالة الشعورية والوجدانية حركت في داخلها العديد من التساؤلات حول تركيبتها الثقافية والإنسانية المتعددة والمتداخلة في ظل ذلك الواقع السياسي المعقد لاسيما وأن هناك حفيدا لتلك الأسرة بدأت معه مشاهد الفيلم ورث تعقيداً أكثر إذ ينتمي لأم مصرية وهي شقيقة نادية - وأب فلسطيني - ابن نبيل شعث. فأي سلاطة تلك في التداخل والتعقيد!! الحفيد بات يعاني من هذه الأعراق والأجناس ولا يستطيع أن يفهم ما معنى أن يكون مكتوباً في أحد أوراق جدته أن ديانتها يهودية إسرائيلية! وعندما يسافر مع جدته وأمه إلى إيطاليا ليلتقي الجيل الأول من أقرباء جدته يشعر بحيرة أكثر أمام هذا التداخل. من تلك الخلفية انطلقت نادية كامل لتحقق وتبحث وتشرح نفسها إلى العالم من دون مواربة. قرار وثورة وعن القرار الذي اتخذته المخرجة وأسرتها بالسفر إلى إسرائيل ولقاء سرينا وقيامها بالتصوير هناك، قالت نادية:"الفيلم لم يكن رحلة إلى البحث عن الجذور والأصول ولكن انتمائي إلى بيت سياسي يعتمد الحس الإنساني كمنهج للتفكير في القضايا السياسية هو ما دفعنا إلى اتخاذ القرار، إضافة إلى وجود - نبيل الحفيد - ابن شقيقتي الذي لم تتح له فرصة فهم الجذور أو التعايش معها. وبالنسبة إلي كسينمائية كانت حكايات أمي عن عائلتها شديدة الإثارة والدهشة، من هنا قررت أن أسجل رحلة استكشافية لحكايات عائلتنا من خلال الكاميرا". وحول استغراق التصوير أكثر من خمس سنوات قالت:"كانت هناك صعوبات إنتاجية كثيرة، ولكنني بدأت التصوير مع أمي ونبيل داخل منزلنا وطوال تلك الفترة كنت أسعى للحصول على تمويل. واستطعت بعد عناء الحصول على تمويل من فرنسا وسويسرا، واستكملت تصوير الرحلة مع أمي في إيطاليا وإسرائيل وغزة، وصورنا 300 ساعة كاملة وعانيت من صعوبة كبيرة في المونتاج سيما أن أمي كانت تعيد حكي الحدث أكثر من مرة، ووصلت بعد وقت طويل إلى ساعة وخمسة وأربعين دقيقة لتصبح هذه هي مدة الفيلم". وعن إحساسها لحظة وصولها إلى إسرائيل، وهي تعي الثورة التي ستتعرض لها والهجوم، قالت:"لا تعتقدي أن اتخاذ القرار كان سهلاً إذ إن التردد في قرار السفر استغرق على الشاشة 40 دقيقة، من المناقشات بيني وبين أبي وأمي وأسرتي، لا سيما إننا في النهاية أسرة نشأت على مناصرة القضية الفلسطينية وحتمية المقاطعة لذلك فالقرار لم يكن سهلاً. وأضافت:"كانت اللحظة التي وصلت فيها إلى إسرائيل من أصعب لحظات حياتي إذ شعرت وكأن روحي انفصلت تماماً عن جسدي. ولكن سعادة أمي برؤية عائلتها وأحفادها كان شيئاً إنسانياً أرقى، ورغم سعادتها إلا أنها عبرت أيضاً عن حزنها من كون هذه الزيارة لم تغير الوضع السياسي وأن التابوهات لا تزال قائمة". وحول ردود الأفعال السلبية من قبل البعض والهجوم الذي تعرضت له، قالت:"لم أهدف من فيلمي البحث عن العلاقة مع الآخر، كما أنني لم أسع إلى إقامة علاقة مع إسرائيل - وهذا ما أتمنى أن يستوعبه من يشاهد الفيلم - لا سيما أن العلاقة قائمة بالفعل فأنا لدي رابطة دم وقربى هنا، لذلك صرحت بأنني حاولت من خلاله أن أشرح نفسي، في محاولة لتحريك المياه الراكدة وتحديد علاقتنا بأنفسنا ومعتقداتنا، وحتى عندما دخلت إلى إسرائيل لم أحصل على إذن تصوير لأنني ببساطة كنت في زيارة عائلية وصورت داخل منازل الأقارب من العائلة إذ لم أشأ أن أحول المسألة إلى استوديو ما يعنيني أكثر كان تلك المشاعر الإنسانية". وأضافت:"بالتأكيد توقعت الهجوم الشديد علي وتلك الثورة من جانب البعض ولذلك فرهاني على المستنيرين في هذا البلد خصوصاً وأنني لا أنكر أبداً أن إسرائيل دولة آثمة ولكن في الوقت نفسه لا يجب أن ننسى تقصيرنا نحن تجاه القضية الفلسطينية. فأي منطق يقول إن نبيل ابن شقيقتي يحرم من حمل الجنسية المصرية فقط لأنه فلسطيني على رغم صدور قانون يجيز للأطفال من أم مصرية وأب من أي جنسية أخرى، الحصول عليها؟ فيلمي ببساطة يطرح تساؤلات ويشرح، وأعتبره تكريماً لوالدتي فلماذا ستتم محاسبتي على أصولي وإنسانيتي؟".