في إطار مشاريع التعاون بين الاتحاد الأوروبي و"معهد العالم العربي" في باريس لتشجيع حوار الثقافات بين شعوب الاتحاد الأوروبي وشعوب جنوب المتوسط، تقام خلال شهر أيلول - سبتمبر في "معهد العالم العربي" تظاهرة سينمائية مخصصة بأكملها للأفلام الوثائقية. وكان الاتحاد الأوروبي قد أطلق عام 2006برنامجاً بعنوان "البرنامج الأورو- متوسطي السمعي البصري" وهو يقوم بتمويل مشاريع سينمائية تقام في دول الاتحاد الأوروبي ودول جنوب المتوسط وتشمل إنتاج الأفلام وإقامة المهرجانات التي رصدت لها ميزانية تقدّر بحوالى 15مليون يورو لإنفاقها على مرحلة تمتدّ ثلاث سنوات. تشتمل تظاهرة "معهد العالم العربي" على عروض لأفلام وثائقية أنجزت بعيداً عن أنماط الإنتاج السينمائي السائدة في الدول العربية عادة وهي تبشر بولادة خصوصية عربية واضحة في التعاطي مع هموم العالم العربي وطموحاته ضمن رؤية جديدة للذات وللآخرين مع مجموعة من المخرجين الذين ينتمون إلى دول المشرق العربي ومغربه. بعض هؤلاء المخرجين محترف ومعروف منذ سنوات بالنسبة لمتتبّعي الأفلام الوثائقية العربية ومنهم المخرجة الفلسطينية مي المصري التي يعرض لها في المهرجان فيلم بعنوان " 33يوماً"، وقد أنجز هذا الفيلم عام 2007ومي المصري كما هو معروف تعمل كمخرجة منذ أواخر الثمانينات وقد أنجزت مجموعة من الأفلام بمفردها أو بالتعاون مع زوجها اللبناني جان شمعون مركزة على الجوانب الإنسانية في تناولها للقضايا السياسية والاجتماعية في المجتمعين اللبناني والفلسطيني. في فيلم " 33يوماً"، تعود مي المصري إلى الحرب التي شنّتها إسرائيل على لبنان عام 2006والتي دامت 33يوماً مبيّنة من خلال مجموعة من الشخصيات الدمار الهائل الذي أحدثته الحرب في المدن والقرى اللبنانية. تحضر حرب عام 2006في أفلام أخرى مشاركة في "معهد العالم العربي" ومنها فيلم بعنوان "الفوضى الخلاّقة، الجولة الأولى" للبناني حسن زبيب وهو مستوحى من تجربته الذاتية ويروي كيف بدأت الحرب عندما كان يزور مع زوجته الفرنسية منزل عائلته في إحدى قرى جنوب لبنان، لكنه قرر حرصاً على سلامته مغادرة المكان بينما أصرّت والدته أن تبقى في البيت بمفردها حتى لو أدى ذلك إلى مقتلها بسبب القصف الإسرائيلي. وبعد نهاية الحرب يعود المخرج إلى القرية ونتعرف أثناء عودته على أفراد أسرته ومنهم والدته وشقيقتاه وعلى أهالي قرى الجنوب الذين يروون في الفيلم ما حصل لهم ويتحدثون عن مواقفهم الشخصية من مجرى الأحداث والدمار الذي يحيط بهم. من الأفلام اللبنانية إلى الأفلام المصرية ومنها فيلم بعنوان "سلطه بلدي" للمخرجة نادية كامل وهو كان أثار جدلاً واسعاً خلال عرضه ضمن فعاليات مهرجان الشرق الأوسط الدولي الأول في أبو ظبي حيث اتهمها البعض بعدم إظهار معاناة الفلسطينيين والترويج للتطبيع مع إسرائيل. والفيلم مستوحى من سيرتها الشخصية ومن قصة والديها الكاتبين سعد وليلى كامل. وهذه الأخيرة من أصول يهودية وأوروبية وتعكس بثقافتها وجذورها التنوع الديني والثقافي الذي كان سائداً في مصر قبل مرحلة الخمسينات. وتبين المخرجة كيف أن عائلتها تتألف، ومنذ قرن من الزمن، من زيجات مختلطة، ولذلك تجري في عروقها دماء مصرية وفلسطينية وإيطالية ولبنانية وقوقازية. ومن أجل تعريف الحفيد الصغير نبيل بتنوّع أصول عائلته تقرر العائلة الانطلاق في رحلة هدفها البحث عن الجذور وهي تقودهم إلى اسرائيل للتعرّف إلى الذين هاجروا إليها من أفراد الأسرة بعد تأسيس الدولة العبرية. تحضر القضية الفلسطينية في "معهد العالم العربي" مع فيلم بعنوان "ظل الغياب" للمخرج نصري حجاج وموضوعه قبور الفلسطينيين ومعاناتهم من أجل إيجاد قبور لهم في المنافي. يتوقف المخرج عند حالات إنسانية كثيرة نتعرف عليها في لبنان كما في مقابر الشهداء في مخيمات تل الزعتر وصبرا وشاتيلا والكرنتينا، وكذلك في سوريا وتونس والأردن ومصر وعواصم غربية كباريس ولندن حيث دفن العديد من الفلسطينيين المنفيين كالشاعر معين بسيسو الذي توفي في لندن، ومؤسس منظمة التحرير أحمد الشقيري الذي دفن في غور الأردن، والمناضل أبو جهاد الذي دفن في دمشق، وأبو إياد في تونس، والفنان ناجي العلي في لندن... الفيلم مليء بالرموز والإشارات، ومسكون بهاجس المنفى ومأساة الفلسطينيين الذين دفن بعضهم وهم يحملون مفاتيح بيوتهم في فلسطين. تظاهرة "معهد العالم العربي" المخصصة للأفلام الوثائقية مناسبة هامة لاكتشاف مواهب جديدة عرفت كيف تكون مرآة لما يحصل اليوم في أوطانها.