محافظ بيش يطلق برنامج "انتماء ونماء" الدعوي بالتزامن مع اليوم الوطني ال94    البنك الدولي يعزز تمويلاته المخصصة لتخفيف آثار التغير المناخي    محافظ الزلفي يلتقي مدير إدارة كهرباء منطقة الرياض    الأمم المتحدة تؤكد أنها نفذت خطط الاستجابة الإنسانية ل 245 مليون شخص    الأخدود يتعادل سلبياً مع القادسية في دوري روشن للمحترفين    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    أمطار متوسطة على منطقة المدينة المنورة    أبها تستضيف منافسات المجموعة الرابعة لتصفيات كأس آسيا تحت 20 عاماً    «الجيولوجيا»: 2,300 رخصة تعدينية.. ومضاعفة الإنفاق على الاستكشاف    «المجنون» و«الحكومة» .. مين قدها    5 محاذير عند استخدام العلم السعودي    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    هدف متأخر من خيمينيز يمنح أتليتيكو مدريد على لايبزيغ    جوشوا ودوبوا يطلقان تصريحات التحدي    مصادرة صوت المدرجات    النصر وسكّة التائهين!    قراءة في الخطاب الملكي    ماكرون: الحرب في لبنان «ليست حتمية».. وفرنسا تقف إلى جانب اللبنانيين    قصيدة بعصيدة    شرطة الرياض: القبض على مواطن لمساسه بالقيم الإسلامية    حروب بلا ضربة قاضية!    دراسات على تأثير غطاء الوجه على صحة الإناث..!    سوق المجلس التراثي بشقراء يواصل استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني 94    أدب تختتم ورشة عمل ترجمة الكتاب الأول بجدة    التزامات المقاولين    الذكاء الاصطناعي يقودني إلى قلب المملكة    ديفيد رايا ينقذ أرسنال من الخسارة أمام أتلانتا    أمانة الطائف تكمل استعداداتها للإحتفاء باليوم الوطني 94    جازان: إحباط تهريب (210) كيلوجرامات من نبات القات المخدر    صحة جازان تدشن فعاليات "اليوم العالمي لسلامة المرضى"    الاستثمار الإنساني    سَقَوْهُ حبًّا فألبسهم عزًّا    هيئة الأفلام تطلق النسخة الثانية من "منتدى الأفلام السعودي" أكتوبر المقبل    نائب أمير جازان يطلق البرنامج الدعوي "انتماء ونماء" المصاحب لليوم الوطني ال 94    محافظ الأحساء: الخطاب الملكي يحمل حرصا شديدا على حماية هويتنا وقيمنا    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    الكويت ترحب بتبني الأمم المتحدة قرارًا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    فريق بحثي سعودي يطور تكنولوجيا تكشف الأمراض بمستشعرات دقيقة    أمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بالبرد وتؤدي لجريان السيول على 5 مناطق    المواطن عماد رؤية 2030    اليابان تحطم الأرقام القياسية ل"المعمرين"    تعزيز التحول الرقمي وتجربة المسافرين في مطارات دول "التعاون"    الأمير سعود بن مشعل يشهد اجتماع الوكلاء المساعدين للحقوق    إلى جنَّات الخلود أيُّها الوالد العطوف الحنون    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 7,922 رجل أمن من مدن التدريب بمناطق المملكة    وفد من الخطوط السعودية يطمئن على صحة غانم    المهندس الغامدي مديرا للصيانة في "الصحة"    سلامة المرضى    كلام للبيع    كسر الخواطر    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يحضر فيلماً عن سيرته الذاتية . رضا الباهي : لست مع التطبيع وإسرائيل ترفض أفلامي
نشر في الحياة يوم 03 - 11 - 2000

الحديث مع المخرج والمنتج التونسي رضا الباهي هو أقرب الى السجال بل هو السجال بعينه، وعلى رغم رفضه الدفاع عن نفسه وتردده في استكمال حوار "الحياة" معه، استجاب رغبتنا في نهاية الأمر، مطلقاً العنان لاتهامات... ولغط دار على أعماله السينمائية التي أثارت ضجة أكثر من مرة، معترفاً في الوقت نفسه بأنه كان مشاغباً دائماً، عازياً السبب الى صدقه وايمانه بالواقع وبطرح الحقائق على رغم مرارتها.
بلمحة موجزة، نرجو، بداية، اطلاع القارئ على مسيرتك الفنية مخرجاً ومنتجاً سينمائياً تونسياً؟
- بدأت مسيرتي منذ أيام المعهد الثانوي في القيروان من خلال ما يسمى بسينما الهواة، فكتبت سيناريو فيلم طويل بعنوان "تحت مطر الخريف" لأحمد الخشين، وأنا في السابعة عشرة، ثم أخرجت فيلماً قصيراً بعنوان "المرأة التمثال" عام 1967.
وعندما ذهبت الى باريس لاستكمال دراستي العليا في علم الاجتماع أخرجت أول فيلم بعنوان "العتبات الممنوعة" الذي أثار، في حينه، ضجة كبيرة. وحاز في الوقت نفسه الجائزة الأولى للمهرجان الفرنكوفوني الذي عقد في لبنان عام 1972، ومن وقتها بدأت الانطلاقة الفعلية، فأخرجت "شمس الضباع" عام 1975، وصورته في المغرب، وحاز بدوره جوائز عالمية عدة. واختير كذلك في مهرجان "كان"، ثم جاءت مرحلة حرب الخليج التي استقطبت بعض الطاقات العربية، فذهبت الى الكويت للعمل في مؤسسة البرامج المشتركة، نحو ثلاث سنوات، ثم أخرجت فيلماً من انتاج مصري - كويتي مشترك بعنوان "الملائكة" وكان من بطولة مديحة كامل وكمال الشناوي، ثم فيلم "الذاكرة الموشومة" مع جولي كريستي وبن غازارا، ففيلم "الخطّاف لا يموت في القدس" عام 1994. المجموع خمسة أفلام روائية واثنا عشر وثائقياً.
الخارطة
وأين يضع رضا الباهي نفسه على خارطة السينما التونسية خصوصاً والعربية عموماً؟
- يصعب وضع أفلامي في الخارطة، لكن السينما التونسية، عموماً، تنقسم نوعين: السينما الجادة التي طرحت قضايا وبدت مشاغبة ضد السينما العربية، وأعتقد أنني في "العتبات الممنوعة" و"شمس الضباع" كنت من المشاغبين الأوائل، وكذلك الانتاج المشترك، إذ كنت أول من نادى به وبإشراك ممثلين أجانب ومجاميع أخرى لنخرج بالأعمال التونسية، ولكن في السينما هناك مشكلة الأجيال، أي الإحباطات التي أثرت في المسيرات والرؤى. والسينما الثانية هي الجمالية الزائدة عن اللزوم التي يمثلها خصوصاً الناصر خمير أو مجموعة المسرحيين كالفاضلين الجعايبي والجزيري.
أعتقد ان السينما التي من روادها ناصر القطاري والنوري بوزيد ورضا الباهي وجل السينمائيين التونسيين هي التي طرحت قضايا سياسية أو حتى حسية نفسية بخلفية اجتماعية، لأننا مررنا بما يسمى بنوادي السينما أو سينما الهواة التي كانت بمثابة أحزاب، وانما سينمائية، إذ كانت مرتبطة بالأحداث السياسية خصوصاً تلك التي شهدتها الساحة العربية. كنا ملتصقين بها أو مرتبطة هي بالتغيرات الاجتماعية وتجاربها كالاشتراكية أو الإجهاضات والضربات التي تلقيناها كمثقفين في تلك المرحلة فيما حاولت السينما الأخرى المثقفة الزائدة عن اللزوم البحث عن الصفاء والنقاء في شكل زائد، فاندفعت الى الهرب من الوحل الذي غرقنا فيه، ومن الاحباطات التي تعرضنا لها.
قيل عن فيلمك الأول الروائي القصير "العتبات الممنوعة" انه دافع عن السياحة من خلال دفاعه عن السائحة الشقراء التي تعرضت للاغتصاب في القيروان. لكن فيلمك الشهير "شمس الضباع" جاء ضد بناء مؤسسات سياحية ورفضها بقوة، إلام يعود هذا الانقلاب في موقفك من السياحة بين فيلمين؟
- أعتقد ان هناك خطأً فادحاً في النظرة الى "العتبات الممنوعة". بل العكس، فأنا أقول ان السياحة هي الاغتصاب بعينه، و"شمس الضباع" جاء تتمة ل"العتبات الممنوعة". اخترت شاباً يعيش حالاً من البؤس والفقر المدقع تحت تأثير عوامل تتمثل بالمحيط الثقافي الفارغ ومشكلة الهوية، وفي ظل انعدام الإحساس بالهوية وضياعها وتكاثر السياح وتغيير التركيبة الاجتماعية بأنماطها. بدأت السياحة تطغى وتغير من المفاهيم.
لماذا؟
- لأنه يقول ان السياحة اغتصاب للمجتمع التونسي في ذلك الوقت، والاغتصاب كان بمثابة التنفيس، و"شمس الضباع" تتمة له، لكنه كان أشمل، لأنه تناول هذه الظاهرة من الناحية الاجتماعية، فيما "العتبات الممنوعة" تناولها نفسياً وجنسياً.
ممنوع
فيلم "شمس الضباع" الذي أطلق شهرتك، صورته في المغرب، لماذا؟ مع أنك تونسي، وأعتقد ان طبيعة البلدين متشابهة؟
- لأن تصويره منع في تونس خصوصاً بعد "العتبات الممنوعة"، إذ أصبحت على اللائحة الحمراء، أو كما تقولون، اللائحة السوداء وعزا المعنيون السبب الى عدم صدقيتي في "العتبات الممنوعة" إذ أعلنت يومها ان الفيلم سيتناول الآثار الإسلامية وتصويرها بينما كانت الحقيقة غير ذلك. وعلى رغم انني لم أكذب هذه المرة رفضوا، فاضطررت الى التوجه الى المغرب الذي لم أسلم فيه بداية من بعض المعوقات لوقف التصوير.
يقول بعض النقاد ان فيلمك "الشمبانيا المرة" أو "وشم على الذاكرة" يعكس حنيناً الى الاستعمار الفرنسي لتونس، وتجلى ذلك في تقديم ايجابي للشخصية الفرنسية مالك الأرض الفرنسي وزوجته الممثلة جولي كريستي، وأيضاً في تقديمك النشيد الوطني التونسي بطريقة ساخرة جرحت الحس الشعبي التونسي. ما تعليقك؟
- نعم ربما هو الحنين. الفيلم بالنسبة إليّ كان مهماً جداً في مسيرتي. ففي وقت بدأت تعلو الأصوات لوضع الغرب كله في جهة والعالم الثالث الذي كان مستعمراً في جهة أخرى، قلت لا! فشخصياً لي ذكريات وعلاقتي ببعض الفرنسيين خلال طفولتي كانت مميزة من الناحيتين العائلية والنفسية، وخالية من العداوة التاريخية التي هي، موضوعياً، موجودة. لكنني لم أتطرق الى ذلك بل العكس. إذ جاء الاستقلال أمراً حتمياً، لكن هذا الغربي أو هذا الرجل تمكّن من الأرض، وقال: هذه ارضي، فلم يستطع أن يسافر مثل الآخرين الى فرنسا وبنى لزوجته نادياً ليلياً ترقص فيه. في الفيلم هناك حنين، ولكن ليس الى الغرب، بمقدار ما هو حنين الى الطفولة والصفاء. أما بالنسبة الى النشيد الوطني فلم تكن فيه سخرية بتاتاً، كيف؟! أبرزت خروج المستعمر من بيته في القرية، فيما جاءت المجاميع القروية لإلقاء النشيد الوطني رمزاً للتحرر والاستقلال. ما قيل ينمّ عن تقدير وفهم خاطئ من النقاد، بل هو إساءة إليّ.
نجوم
في فيلم "الملائكة" استخدمت نجوماً مصريين، وجعلت اللهجة المصرية لغة الحوار وفرضتها على الممثلين التونسيين أيضاً كالأمين النهدي. هل كنت تظن ان ذلك قد يسوّق الفيلم، أم تعتقد ان اللهجة التونسية التي نجحت في المسرح لن تنجح في السينما؟، والحال ان النجم المصري محمود مرسي كان يتكلم اللهجة التونسية في "شمس الضباع" الناجح، بينما اللهجة المصرية لم تنقذ "الملائكة" من الفشل تجارياً ومهرجانياً؟
- الفيلم فشل وهذا أكيد، لكن التجربة كانت مهمة بالنسبة إليّ. ففي السنوات العشر قبل "الملائكة"، كانوا يقولون لنا ان مشكلة توزيع أفلامنا في المجتمع العربي تعود الى اللهجة، وهذه في اعتقادي "أغنية" مصرية خاصة عند الموزعين. وعندما ذهبت الى الخليج تعرفت الى الكاتب اسماعيل فهد اسماعيل، واتفقنا على فيلم من انتاج مصري - كويتي مشترك، كي أطبق المثل التونسي القائل "تبّع السارق حتّى باب الدار". وعملنا فعلاً على فيلم تونسي مع ممثلين مصريين كي نرى النتائج المزعومة، وهناك اكتشفنا ان المنتج والسوق المصريين رفضا الفيلم لأنه تونسي ولو باللهجة المصرية.
أسندت أدوار البطولة في معظم أفلامك الى نجوم عرب وأوروبيين: محمود مرسي في "شمس الضباع"، كمال الشناوي ومديحة كامل في "الملائكة"، بن غازارا وجولي كريستي في "الشمبانيا المرّة"، يوسف العاني وسليم ضو وجاك بيران في "السنونو لا تموت في القدس". هل اللجوء الى النجوم يعوّض ضعفاً ما في السيناريو مثلاً، أم ليس في تونس ممثلون يؤدون تلك الأدوار باقتدار؟ أم أنك، كمخرج، تجد من السهل أن تتعامل مع نجوم جاهزين؟
- لم أجد في كل هذه الطروحات إلا أشياء أو افتراضات سلبية! السيناريو ضعيف ولجوئي الى ممثلين أجانب. كأن هؤلاء الذين ألتجئ اليهم سيقبلون العمل بسيناريوهات ضعيفة!! أو أني مخرج فاشل أو نصف فاشل ووجودهم سيؤمن نجاح الفيلم! هناك ممثلون قديرون في تونس، ومنهم من شاركني العمل، من مثل ريم التركي وهشام رستم في "السنونو لا تموت في القدس"، لكنني أفضل أن أختار أسماء تتناسب، شكلاً ومضموناً، وطروحات فيلمي، اضافة الى معطيات اقتصادية تتمثل بالتمويل الأجنبي الذي يطمئن الى وجود جاك بيران مثلاً، بدلاً من أي شخصية تونسية. فللسينما متطلبات اقتصادية، وهذه لا غنى عنها اضافة الى متطلبات نفسية. علاقتي في أعمالي كلها تركز الآخر... وعلى كيف نكون.
انتقادات
أثار فيلمك "السنونو لا تموت في القدس" عاصفة من الانتقادات حتى من طرف الفلسطينيين الذين يتحدث عن قضيتهم. إذ أعلنوا أنه يمثل اساءة الى الانتفاضة والى النضال الوطني الفلسطيني. وذهب البعض الى حد اتهامك بأن صورة الصهاينة، جنوداً ومدنيين، كانت ايجابية مقارنة بصورة الفلسطينيين الذين قدمتهم إما قتلة واما كمغفلين. فهل يعود ذلك الى سعيك الى تسويق فيلمك في أوروبا وأميركا؟ أم أنه تعبير عن موقفك السياسي، علماً ان منظمة التحرير الفلسطينية أسهمت معك بمبلغ خمسين ألف دولار من تكاليف انتاج الفيلم، عندما كان لا يزال في طور السيناريو؟
- عندما بدأت بكتابة السيناريو اندلعت الانتفاضة عام 1987، أي قبل الحديث عن السلام. الفيلم يتحدث عن أم ضاعت عام 1948، ولكن فجأة وفي ظل الانتفاضة تظهر صورتها في احدى الصحف، فيبدأ البحث عنها، ويجيء الصحافي الفرنسي جاك بيران لتصوير أحداث الانتفاضة، وخلال عمله يتعرض لقضية الأم الضائعة، باعتبار انها ستهمّ مؤسسته الإعلامية فيشارك مع عائلتها في البحث عنها الى نهاية الفيلم، فتقع مجزرة يقوم بها مستوطنون يهود في حق فلسطينيين وينتهي السيناريو الى هذا الحد، والأم لا تُكتشف. وللعلم، فقد أحب هذا السيناريو الشاعر محمود درويش، وكل من قرأه من الفلسطينيين. المشكلة ان تمويل الفيلم أخذ وقتاً طويلاً، اندلعت خلاله حرب الخليج وخسرنا مع احتلال الكويت كل المبالغ التي خصصت لذلك، إذ شارك فلسطينيون في المهجر في مساعدتي وتجاوز المبلغ الخمسين ألف دولار. فتأجل الفيلم، وبتأجيله بدأت عملية السلام وأصبح من الأهمية للمسؤول الفلسطيني أن يتحدث الفيلم عن السلام، فاضطررت الى تعديل السيناريو بما يتناسب ومقتضيات المرحلة الجديدة. وطلبت من المصور الصحافي جاك بيران ان يصور ويأخذ آراء الفلسطينيين في السلام، بدلاً من أحداث الانتفاضة، آراء من هم مع السلام ومن هم ضده. وحاولت، عبر الفيلم، ومن خلال شخصية الصحافي أن أقول اننا لسنا من عذب أو أحرق اليهود، كالألمان، خصوصاً ان السينما العالمية، الأميركية خصوصاً والأوروبية عموماً، عادة ما تتحدث عن الهولوكوست. لذلك ليس لدى اليهود سبب في أن يحتلوا أرضي أو أن يستولوا على بيتي. لكن المتفرج المتطرف اعتبر ان ما طرحته يعتبر إرضاء للغرب، وهذه هي التهمة الأولى. أما الثانية التي تقول ان الفلسطينيين قتلة ومغفلون، فأوضح انني في المدة التي ذهبت فيها الى فلسطين، كان يتم اعدام العملاء الذين تعاونوا مع الإسرائيليين من دون محاكمة، وهذا ليس بجديد، إذ حصلت هذه الأعمال في كل الثورات حتى عند الفرنسيين، وحركة التاريخ لم تخل من هذا العنف المحلي المتمثل بتصفية حسابات، سواء كانت موضوعية أو حتمية أو في بعض الأحيان تظلم. وهذا ما حدث في لبنان، ولنكن موضوعيين. هذه ليست إساءة الى الفلسطينيين. فالفيلم لم يعد يتحدث عن الانتفاضة بل عن السلام، وكذلك عما يسمى بالإرهاب الديني، ولكن ليس بالمفهوم الغربي، بل كالذي يعيشه الجزائريون. وإذا لم نقل ذلك، نكون كعرب وكمغاربيين كذبنا على أنفسنا، ومشكلتي أنني لا أرضى أن أظهر ان الإسرائيلي فقط من يقتل العربي، بل ان العربي يقتل أخاه العربي. وما أساء الى الفيلم هو عندما قلت ان الفلسطيني يلقى التعذيب أولاً من العربي.
شاركت بفيلمك "السنونو لا تموت في القدس" في مهرجان للسينما في اسرائيل، ووقفت لتقدمه تحت العلم الإسرائيلي، وكنت ذهبت الى اسرائيل خلال التحضير له، وتعاونت مع تقنيين اسرائيليين، وهذه كلها خطى تطبيعية أو سلوك تطبيعي، هل أنت من أنصار التطبيع مع اسرائيل؟ وهل دفعك ما يحدث الآن الى اعادة النظر في موقفك؟
- أردت أن أصور جزءاً من الفيلم في غزة لأن الأحداث تدور هناك. لذلك ذهبت وقابلت الرئيس ياسر عرفات لأستشيره في التصوير ومساهمة شركة "كانون" الفرنسية في توزيع الفيلم. فأبدى موافقته على التصوير واشترط التعامل مع "كانون"... بعدم مساهمتها مادياً في انتاج الفيلم. وهذا ما حصل، وعندما توجهت الى غزة تعاونت مع الكاتب الفلسطيني أسعد الأسعد وهو عضو في منظمة التحرير الفلسطينية، واتخذت من شقيق المخرج الفلسطيني ميشال خليفي مديراً للإنتاج، وتعاملنا في ظل ظروف المكان مع شركات اسرائيلية صغيرة توفر بعض الآلات الخفيفة والعاملين الصغار الذين يتعاملون أساساً مع خليفي في أعماله، علماً ان مدير التصوير لدي كان هولندياً وأكثر التقنيين من الفرنسيين والتونسيين. بعد تصوير الفيلم طلبت شركة "سينماتيك" من المنتج الفرنسي ان يرسل نسخة من الفيلم اليها، لكنني طلبت منه أن استشير المسؤولين في تونس وفلسطين أولاً، فأبدوا موافقتهم، فذهبنا وعرضنا الفيلم. هذا بالنسبة الى الملابسات. أما عن موقفي فقلته في الفيلم وهو ان السلام صعب ومستحيل وهذه رسالة أوصلتها الى الجميع، وصدقي وصدق اللحظة واقترابي منها جعلني أتعاون مع الطرفين. وإذا سألتني اليوم عن رأيي في التطبيع أقول لك: كلا والديلي انني رفضت دعوات عدة الى زيارة اسرائيل ولم أستجبها الى أن تتغير الأمور نهائياً. النقطة الثانية ان موضوع الفيلم تطرق الى ما حدث في القدس وهذا يترجم ما يحصل الآن. ربما المشكلة الوحيدة في السيناريو والتصوير أنني كنت متشائماً من علاقة الفلسطيني بأخيه الفلسطيني.
ليس لي أي علاقة ثقافية أو سياسية أو اقتصادية تطبيعية باسرائيل ولا أنوي زيارتها ولست مع التطبيع. ثمة فلسطينيون أرادوا تشويه سمعتي، علماً ان التلفزيون الإسرائيلي رفض قبول فيلمي ومنعه من العرض باعتباره يسيء الى اسرائيل، في وقت يحتفظ التلفزيون الإسرائيلي بنسخ عدة لمخرجين تونسيين أمثال النوري بوزيد وفريد بوغدير ومفيدة التلاتلي.
علمنا انك في صدد التحضير لفيلم مأخوذ عن "رسالة الغفران". كيف تنظر سينمائياً الى عمل المعري: من زاوية دينية، أم فلسفية، أو من زاوية أشبه بتلك التي نظر منها يوسف شاهين الى ابن رشد في فيلم "المصير"؟ وهل تعتمد لهجة عامية في فيلم كهذا، كما فعل شاهين، حين جعل "ابن رشد" الأندلسي يتحدث اللهجة المصرية؟!
- الفيلم المقبل وهو بعنوان "صندوق عجب" يتحدث عن السيرة الذاتية لرضا الباهي في طفولته وأيامه الأولى، عن علاقته بالسينما والأب وكيف بدأت مع الدين في القيروان من خلال الجوامع، الى ان يكبر وتكبر معه مشكلاته مع العرب والمحيط ويتعرض لحادث سيارة ينقله الى السماء، فيقابل الملائكة ويخضع للحساب كما حدث لابن القارح في رسالة الغفران. هذا هو فقط وجه التشابه، فهي رحلة بين الجنة وجهنم، وفوق الصراط على طريقة المعري، فيها سخرية وجدية، هي صورة أكثر منها اقتباساً. الفيلم عبارة عن حساب للذات، وأين وصل رضا الباهي بعد تجاوزه سن الخمسين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.