يحق لمحبي السينما في مصر والعالم العربي أن يتفاءلوا هذا العام، ولو قليلاً، إذ يبدو أن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بدأ يستعيد عافيته. إذ أدرك القائمون عليه أخيراً أن الوقت حان لاجراء تغييرات في آلية عمل المهرجان وشكله وفاعلياته. وهذا ما يعد بأن يصبح للمهرجان إنجاز حقيقي ينعكس على صناعة السينما المصرية والعربية، بعيداً من الاكتفاء بالشكل الاحتفالي، والاستناد إلى أن مهرجان القاهرة هو"الوحيد المعترف به دولياً في المنطقة العربية من قبل منظمة المهرجانات العالمية"، وهي الجملة التي ملَّ متابعو المهرجان من سماعها. فالمهرجانات الحقيقية يجب أن تستند على أهم الانتاجات السينمائية التي تستطيع استقطابها وعرضها داخل المسابقات والتظاهرات المختلفة، وكذلك على حجم التغطية الإعلامية وضيوف الشرف من النجوم الذين يحلون على المهرجان، ومدى تنظيمه وتسهيل الحصول على المعلومات. ونعرف ان في هذا الاطار يكمن اهم الهنات والأخطاء التي كانت تصاحب المهرجان في دوراته السابقة، ولكن علينا أن نستمد هذا الشعور بالتفاؤل من الثقة التي بدت على رئيس المهرجان الدكتور عزت أبو عوف، والذي جاء أداؤه هذه المرة أثناء لقائه الصحافيين جيداً، إذ بدا ملماً بكل التفاصيل المتعلقة بفاعليات الدورة ال 31 من المهرجان والتي ستنعقد في الفترة من 27 تشرين الثاني نوفمبر الجاري و7 كانون الأول ديسمبر المقبل. تحدث أبو عوف عن التفاصيل الخاصة بالمهرجان بدءاً من المظاهر الاحتفالية التي ستصاحبه، وأكد أنه اتفق مع محافظ القاهرة عبدالعظيم وزير على زيادة نسبة الدعاية والإعلان للمهرجان. وكذلك تحدث عن توافر عدد من شاشات العرض الكبيرة في الميادين الرئيسية في القاهرة ليتابع الجمهور العادي لقطات من الاحتفالات المصاحبة للحدث السينمائي الأكبر. وهو ما بدأت تتضح معالمه في شوارع القاهرة منذ أسبوع. وإذا كان أبو عوف في الدورة السابقة ركز حواراته وتعليقاته على كل ما يتعلق بالشكل المصاحب للمهرجان بدءاً من المفرقعات والبالونات والسجادة الحمراء، إلا أنه هذا العام بدا أكثر احترافية، فهو هذه المرة لم يفته إلقاء الضوء على أهم الأفلام المشاركة في المهرجان وفي التظاهرات المصاحبة للمسابقات الرسمية، وأكد حضور النجم الأميركي مات ديمون كضيف شرف للدورة الحالية. ويبدو أخيراً أن مهرجان القاهرة وإدارته استشعروا زحام المهرجانات العربية والتي أصبح معظمها يبذل جهوداً حقيقية لتصدر المقدمة ولفت الأنظار لا سيما أن منظميها ركزوا على تجاوز هنات مهرجان القاهرة السينمائي والذي بدت عليه علامات الهِرَم في دوراته السابقة. وفي ظل هذه المنافسة عمد أغلب المهرجانات العربية الى تقديم أشياء إيجابية تنعكس آثارها على صناعة السينما مثل دعم العديد من السيناريوات الجيدة، أو تنظيم الورش الفاعلة ما بين صُناع السينما العرب والأجانب، والسعي حثيثاً لاستقطاب أهم الانتاجات السينمائية العالمية. وفي هذا السياق صرح أبو عوف بأن المهرجان يحلم في دوراته المقبلة الإعلان عن مسابقة لدعم السيناريوات الجيدة ولكن أزمة التمويل ستبقي الحلم حلماً. تداخل وتزامن وفي حين يبذل القائمون على المهرجان أقصى جهدهم لاستقطاب الصحافة والإعلام لمتابعة فاعليات المهرجان هذا العام، فوجئوا بقيام وزير الإعلام المصري أنس الفقي بتغيير موعد إقامة مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون من شهر تموز يوليو إلى توقيت انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي نفسه، على رغم أن موعد مهرجان السينما محدد ومعروف سلفاً. ولا نعرف من هو صاحب هذا الاقتراح المثير للتساؤل والدهشة، لا سيما أن هذا التزامن سينعكس بالتأكيد على حجم التغطية الإعلامية للحدثين، وبحسب ما صرح وزير الثقافة المصري فاروق حسني فهو لا يدري بدوره ما السر في ذلك، وهو تساءل: بدلاً من أن يكون عندنا مهرجانان فاعلان ويأخذ كل منهما حقه في الاحتفاء لماذا يحدث مثل هذا التداخل؟ وحول فعاليات الدورة 31 لمهرجان القاهرة السينمائي قال أبو عوف إنه سيتم إهداء الدورة لروح الفنان الكبير نجيب الريحاني، فيما اختيرت بريطانيا ضيف شرف الدورة الحادية والثلاثين. وتم توجيه الدعوة الى عدد كبير من كبار السينمائيين الأنكليز والعاملين في صناعة السينما ونجومها الإنكليز ليكونوا ضيوف المهرجان، ويقدموا أفلامهم التي اشتركوا فيها. كما يحتفل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بمئوية السينما المصرية ومرور ثمانين سنة على عرض أول فيلم روائي مصري، إضافة إلى الاحتفال بيوم المعوق العالمي والموافق 3 كانون الأول ديسمبر المقبل. وأضاف ابو عوف أن هناك أربعة أفلام مصرية هذه السنة في المسابقة الرسمية للدورة الحادية والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، منها فيلمان في المسابقة الدولية وهما"ألوان السما السابعة"تأليف زينب عزيز وإخراج سعد هنداوي وبطولة ليلى علوي وفاروق الفيشاوي، وفيلم"على الهوا"سيناريو وإخراج إيهاب لمعي وبطولة مجموعة من الوجوه الشابة. وأشار ابو عوف إلى أن المسابقة الخاصة بالأفلام العربية سيشارك فيها فيلما"بلد البنات"تأليف علا الشافعي وإخراج عمرو بيومي وفيلم"الغابة"قصة وسيناريو وحوار ناصر عبدالرحمن وأحمد عاطف وإخراج أحمد عاطف. وقال رئيس المهرجان إن فيلم الافتتاح في الدورة الجديدة سيكون البريطاني"الموت في جنازة"وفي قسم أفلام مثيرة للجدل فيلمان: الأميركي"الشرق في أميركا"إنتاج 2001، والكرواتي"الأحياء والموتى"إنتاج 2007? وتتكون هيئة التحكيم لمهرجان هذا العام من لجان عدة، لجنة التحكيم الدولية لأفلام الديجيتال 12 فيلماً، وأفلام المسابقة الرسمية وعددها 19 فيلماً، ومنها الفيلم الإنكليزي"القمة الشاهقة"والمغربي"في انتظار بازوليني"والهولندي"الضربات"، والأفلام العربية وعددها 13 فيلماً من خمس دول، ولجنة التحكيم الخاصة بجائزة وزارة الثقافة ولجنة تحكيم اتحاد الصحافة السينمائية الدولية"فيبرسي". ويكرم المهرجان هذه السنة مجموعة من الفنانين هم نبيلة عبيد وأحمد رمزي ونور الشريف والموسيقار راجح داوود والسيناريست مصطفى محرم والناقد أحمد صالح، كما يستضيف المهرجان عدداً من النجوم من بينهم هيرفي كيتيل وإيما ملينز من الولاياتالمتحدة، والمخرج الجزائري القدير هماني، والممثل الأميركي المصري الجنسية عمر متولي والمخرجة اللبنانية نادين لبكي وغيرهم من النجوم، فيما يعرض المهرجان مجموعة من أهم الأفلام العالمية منها"قلب كبير"وپ"التملص"من أميركا، وپ"4 أشهر، 3 أسابيع"من رومانيا وپ"حرب الحدثية"من إنكلترا، وپ"سكر بنات"من لبنان، وپ"مختفية من دفيل"وپ"موليير"من فرنسا، وپ"في انتظار بازوليني"من المغرب. كما يعقد المهرجان عدداً من الندوات العامة حول مواضيع"الصناديق الأوروبية الداعمة للسينما العربية - والسينما الرقمية - والعلاقة بين التلفزيون والسينما في بريطانيا"، إضافة إلى عقد اجتماع لرؤساء المهرجانات العربية ومديري المهرجانات الدولية المهتمة بالسينما العربية. لجان التحكيم ولجنة التحكيم الدولية هذا العام برئاسة المخرج الإنكليزي نيكولاس روج، وعضوية الممثلة الصينية زانغ زانغشو، والمصريان هشام سليم وساندرا نشأت والمخرجة والممثلة المجرية الديكو إينادي، والمنتجة الإيطالية تلدي كورس، والممثلة الكورية سو - ري مون، والمخرج المغربي جيلالي فرحاتي، والتشادي محمد صالح هارون، والممثلة التركية نور جول يسيلكي، والمخرج والممثل البولندي كرزيستوف زانوسي. أما لجنة تحكيم الأفلام العربية والتي تمنح وزارة الثقافة المصرية جائزتها وقدرها 100 ألف جنيه مصري فتشكلت برئاسة المخرج المغربي أحمد المعنوني، والتونسية مفيدة تلاتلي، والمصرية هالة خليل، ومدير التصوير المصري سمير فرج، والفنان السوري جمال سليمان. وسيصدر مهرجان القاهرة هذه السنة عدداً من الكتب، اضافة الى كتالوج المهرجان، وكتاب بعنوان"أضواء على السينما البريطانية"وعنوان آخر"سنوات الضحك في السينما المصرية"وپ"نجيب الريحاني... ذكريات وأشواق"وكتاب خامس تحت عنوان"نجوم صاعدة". ابراهيم بطوط ضحية الصحافيين المصريين على هامش المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عزت أبو عوف، وأثناء تحدثه عن مسابقة أفلام الديجيتال، والندوة الرئيسية التي ستعقد لمناقشة آخر التطورات في هذا المجال، ذكر أن من المتحدثين الرسميين في هذه الندوة المخرج المصري إبراهيم بطوط صاحب فيلمي"إيثاكي"وپ"عين شمس"والعديد من الأفلام الوثائقية والذي يعتبره الكثير من شباب المخرجين الأب الروحي لمخرجي السينما المستقلة في مصر. وما إن ذكر اسم لبطوط حتى"ثار"بعض الصحافيين الباحثين عن الإثارة زاعمين أن بطوط ذهب إلى إسرائيل مع المخرجة نادية كامل صاحبة فيلم"سلاطة بلدي"والذي ما زالت أزمته تتفاعل في النقابات الفنية، إذ تم تحويل نادية إلى التحقيق بتهمة التطبيع مع إسرائيل! وإبراهيم بطوط موجود حالياً في المغرب حيث يقوم بنقل فيلمه الجديد"عين شمس"من الديجيتال إلى السينما، والفيلم سيشارك في مرجان مراكش السينمائي الدولي. وفي اتصال هاتفي ل"الحياة"مع بطوط، أكد أنه لم يذهب إلى إسرائيل عند تصوير نادية لفيلمها ولكنه شاركها فقط في الأجزاء التي تم تصويرها في القاهرة وإيطاليا. وشدد بطوط على أنه يجب ألا يُفهم من كلامه أنه يتبرأ من الفيلم، بل على العكس تماماً، إذ قال:"أنا مع الفيلم جداً ومع حرية نادية كامل في أن تقدم تجربتها الإنسانية من دون وضع سيف على رقبتها وعلينا أن نناقش الأمر بعقلانية ونضعها في إطارها الصحيح، بعيداً من سطحية مفهوم التطبيع لا سيما أن تجربة نادية كامل شديدة الإنسانية والخصوصية في آن واحد". ويبدو أن بعض صحافيي الفن في القاهرة لم يجدوا مشاكل يثيرونها مع إدارة المهرجان مثل كل عام، فبحثوا لهم عن ضحية، لا سيما أن البعض طالب بعدم مشاركة إبراهيم بطوط ليس كمحاضر فقط بل في حالة إذا كان له فيلم مشارك في المهرجان أيضاً اذ"على المهرجان أن يقاطعه"! وهو امر يجب أن تتصدى له إدارة المهرجان، بعيداً من ثرثرة لا طائل منها، خصوصاً أن بطوط واحد من أهم مخرجي السينما المصرية في المستقبل.