لا يخلو شارع من شوارع طهران من صور عملاقة تظهر"شهداء"الحرب العراقية - الإيرانية بين 1980 و 1988. وأودت هذه الحرب بحياة مليون شخص. ومعظم أصحاب الصور هم شباب التحقوا بپ"الباسيج"الشرطة الإسلامية وپ"الباسدران"الحرس الثوري، وشاركوا في الحرب، وقضوا فيها. واليوم، بعد نحو 28 عاماً على إنشاء الحرس الثوري، وهو"عيون النظام وآذانه"وحراسه من"أعداء الداخل"، من الأكراد والعرب الخوزستانيين وپ"مجاهدي خلق"، يمسك أعضاء الباسدران بمقاليد السلطة في إيران. وغداة وصوله الى السلطة، اسهم الرئيس احمدي نجاد، وهو حرسي ثوري سابق، في تعزيز نفوذهم وفي تعيينهم في مجلس النواب والحكومة. فثلثا نواب مجلس النواب الإيراني هم من قدماء الحرس الثوري. وعيّن نجاد نحو عشرين ناشطاً سابقاً في الحرس الثوري في الحكومة، وخصوصاً في وزارة الداخلية. وتقوض عقوبات مجلس أمن الأممالمتحدة على إيران نفوذ مسؤولين في الحرس الثوري، وبينهم خمسة جنرالات ضالعين في البرنامج النووي الإيراني. وتنص العقوبات هذه على إجراءات منها تجميد أصول مسؤولين ايرانيين، وتقييد حرية تنقلهم. وتتهم الولاياتالمتحدة الباسدران بتمويل المتمردين بالعراق وأفغانستان، وتسعى الى إدراج الحرس الثوري على لائحة المنظمات الإرهابية. ووضع الحرس يده على أموال المؤسسات الكبيرة الخاصة والعامة، ويمولون نشاطاتهم بواسطة المصرف المركزي، ويتقاضون مبالغ مالية من المصارف المؤممة، وهذه ضليعة في صرف الأموال في السوق السوداء. وينبه محسن سازغارا، وهو من مؤسسي الحرس الثوري ورئيس معهد الأبحاث الإيرانية في الولاياتالمتحدة، الى ان الحرس الثوري انحرف عن مهمته الأساسية، ألا وهي الاشتراك في الدفاع عن إيران جنباً الى جنب مع الحرس الوطني. وشهدت منظمة الحرس الثوري ثلاثة انعطافات منذ نشأتها الى يومنا. فبعد تأسيسها، في أيار مايو 1979، اندلعت الحرب الإيرانية - العراقية. وتحول الباسدران الى جيش نظامي مواز للجيش الوطني. وفي ذكرى نهاية الحرب الإيرانية - العراقية، في نهاية أيلول سبتمبر المنصرم، نظم الحرس الثوري عرضاً عسكرياً رداً على تهديدات الأميركيين بتوجيه ضربة لإيران. وبحسب مصادر غربية، يبلغ عدد الحرس نحو 130 ألف عضو، وزهاء 105 آلاف منهم يخدمون في القوات الأرضية، ويعمل 5 آلاف في سلاح الجو، ونحو عشرين ألفاً في البحرية الإيرانية. وثمة ثلاث وحدات عسكرية مجهزة بصواريخ"شهاب3"، ويبلغ مدى هذه الصواريخ نحو 1500 كلم، ملحقة بالحرس الثوري. فوحدة"قدس"، وعديدها قرابة 5 آلاف شخص، مسؤولة عن مهمات استخباراتية وعمليات سرية، على غرار الإسهام في إنشاء"حزب الله"بلبنان في الثمانينات من القرن الماضي، وتدريب قوات"فيلق بدر"الشيعية في العراق. وشيدت هذه الوحدة أربع قواعد عسكرية سرية في طهران، وقواعد أخرى في تبريز وقم ومشهد وشرق لبنان. وفي شباط فبراير الماضي، قبضت القوات الاميركية، بأربيل كردستان العراق، على خمسة إيرانيين زعموا أنهم من السلك الديبلوماسي الإيراني. واتهمت القوات الأميركية الإيرانيين الخمسة بالانتماء الى فيلق"قدس"وبتسليح المتمردين. وتساند قوات الباسيج، وهي أشبه بفرق مكافحة شغب، الحرس الثوري. ويبلغ عدد الباسيج نحو 90 الفاً. وإذا دعت الحاجة يرتفع عدد هذه القوات الى مليوني شخص. وفي وسع هؤلاء السيطرة على العاصمة في غضون ربع ساعة، إذا طرأت أزمة ما. فقواعد الباسيج تقع على مقربة من جميع مداخل طهران. والانعطاف الثاني في مسيرة الباسدران هو وضع اليد على قطاعات واسعة من الاقتصاد الإيراني. فغداة انتهاء الحرب الإيرانية - العراقية، في 1988، امتلك الباسدارن كمية كبيرة من معدات البناء في قاعدة"خاتم الأنبياء"العسكرية. فأجاز آية الله روح الله خميني للباسدران استخدام المعدات هذه في إنشاء مبان سكنية. وأباح رئيس الجمهورية يومذاك، هاشمي رفسنجاني، للحرس الثوري المشاركة في الأنشطة الاقتصادية. ففازوا بمعظم العقود التجارية، وأطاحوا منافسيهم بقوة السلاح. وحازوا مئات الشركات. ولا تقتصر نشاطات هذه الشركات على قطاعي الطاقة والاتصالات، بل تشمل إعادة اعمار الفنادق الفخمة، وشق الطرق، وتشييد السدود وتصنيع السيارات، أو بالأحرى تجميع قطع سيارة"مازدا". وفي ايار مايو 2004، أغلق الحرس الثوري مطار طهران الجديد، وانتزع حق تشغيل المرفق من شركة تركية فازت بعقد تشغيل المطار. وتتهم المعارضة الإيرانية الباسدران بالضلوع في تهريب النفط الى العراق، وبالمتاجرة بالمخدرات الأفغانية. ونددت صحيفة"شرق"المعارضة بدفع الباسدران ثمناً بخساً مقابل شراء الأملاك الخاصة المصادرة في أثناء الثورة. وبعض هذه الأملاك هبة من غير مقابل. وأثار رئيس مجلس النواب السابق، مهدي كروبي، حفيظة الحرس الثوري بعد كشفه أن الباسدران يدير 13 مرفأ غير شرعي، وأن سلطات الجمارك لا تراقب عمل هذه المرافئ. وفي 2006، فاز الحرس الثوري بعقود قيمتها 12 بليون دولار. وفي عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، شهد الحرس الثوري انعطافاً ثالثاً. ولم ينظر مرشد الثورة الإسلامية بعين الرضا الى وصول الإصلاحيين الى السلطة. فعزز مكانة الباسدران السياسية، وعبّد الطريق أمام دخولهم المؤسسات السياسية. ولكن هل يلتف الباسدران حول الرئيس احمدي نجاد بعد إسهام مرشد الثورة والباسيج في وصول نجاد الى السلطة؟ والجواب عسير. فالعلاقات بين حرس الثورة ومرشد الثورة متشابكة الى حد يصعب معه توقع غلبة طرف على طرف آخر. ولم تسلم صفوف الحرس الثوري من الخلاف بين المتشددين وپ"الواقعيين"، وهؤلاء يقلقهم أثر العقوبات الدولية السلبية في الاقتصاد الإيراني. عن ماري كلود دوكان وفيليب بولوبيون ولوران زكيني،"لوموند"الفرنسية، 24/10/2007