في مفتتح الموقع الالكتروني "مراسلون بلا حدود" Reporteurs Sans Frontiers، واختصاراً "ار اس أف" RSF، نشاهد صورة لكاميرا ملطخة بالدم، الأرجح انها التقطت في العراق، لأحد الصحافيين الذين قتلوا في خضم الحرب الطائفية في بلاد الرافدين. وفي الجهة المقابلة للصورة، يظهر ملفٌ عنوانه"صيّادو حرية الصحافة"، على وزن مصطلح"صائدو الرؤوس"في أميركا السالفة، والذي أُطلق على من أمعنوا في مطاردة الهنود الحمر وقتلهم. ويَردُ في ذلك الملف عينه أن"للصحافة أعداء، ولهؤلاء الأعداء وجوه... لقد قررت منظمة"مراسلون بلا حدود"كشفها سنوياً منذ العام 2001 أكانوا رؤساء، أو وزراء، أو ملوكاً، أو مرشدين روحيين، أو زعماء عصابات، أو قادة منظمات إرهابية. فهؤلاء الصيّادون يملكون النفوذ لاعتقال الصحافيين، واختطافهم، وتعذيبهم، وأحياناً اغتيالهم. وغالباً ما تسمح لهم مناصبهم بالإفلات التام من العقوبة ومن الأحكام التي قد تنزل بحقهم من جراء انتهاكهم حقوق الإنسان. هذا هو الظلم الذي تسعى منظمة"مراسلون بلا حدود"إلى محاربته يومياً". سجلٌّ لحرب الحرية ويعبر ذلك المشهد الالكتروني عن جزء من الحرب بين القمع والحرية، والتي يندرج أهل الصحافة في صفوف ضحاياها. ويُشكّل الموقع الرقمي لمنظمة"مراسلون بلا حدود"وكالة معلومات تحصي الانتهاكات اليومية لحرية الصحافة عالمياً. ويقترح على متصفّحي الإنترنت التجنّد في سبيل إطلاق سراح الصحافيين المعتقلين عبر توقيع العرائض المُعدّة لكل منهم. وتحدياً للرقابة، يعرض الموقع مقالات ممنوعة في بلدها المنشأ، ويستضيف صحفاً يستحيل نشرها في البلد الذي تصدر فيه، ويعطي الكلمة للصحافيين المجبرين على ملازمة الصمت. ويكشف ذلك الموقع أن منظمة"مراسلون بلا حدود"تتعاون مع أكثر من مئة مراسل لفضح الانتهاكات اليومية لحرية الصحافة عبر إرسال بيانات إلى وسائل الإعلام المختلفة وتنظيم حملات للرأي العام، دفاعاً عن المسجونين والمضطهدين بسبب نشاطهم المهني من الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام. وكذلك يفضح سوء المعاملة والتعذيب اللذين لا يزالان يمارسان في عدد كبير من الدول، كما يدعم الصحافيين المُهدّدين في أوطانهم، ويساعد أسرهم المحرومة من الموارد. ويدعو الموقع عينه الى النضال في سبيل الحد من الرقابة ومحاربة القوانين الرامية إلى تقييد حرية الصحافة، وتحصين أمن الصحافيين ولا سيما في مناطق النزاع، وإعادة بناء وسائل الإعلام، وتوفير الدعم المالي والمادي إلى الهيئات الصحافية. ويوضح الموقع أن منظمة"مراسلون بلا حدود"تعمل في القارات الخمس بفضل تواجدها القوي في ألمانيا والنمسا وبلجيكا وكندا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا والسويد وسويسرا، إضافة الى مكاتبها في بانكوك ولندن ونيويورك وطوكيو وواشنطن. ويعتبر الموقع منصة الكترونية للتواصل بين مجموعة من المنظمات المحلية والإقليمية المعنية بالدفاع عن حرية الصحافة، والتي تنتمي إلى"شبكة مراسلون بلا حدود". لغة الكترونية للصوت المُدافع عن الجرأة ينطق الموقع الرقمي لمنظمة"مراسلون بلا حدود"بخمس لغات هي: الانكليزية والعربية والفرنسية والاسبانية والفارسية. ولربما اختارت المنظمة هذه اللغات ارتكازاً الى رؤيتها للقمع الذي تتعرض له الصحافة. ومثلاً، تشير اللغة الفارسية الى اهتمام بالجمهورية الاسلامية الايرانية، التي يرى الموقع أن مرشدها الأعلى آية الله علي خامنئي جعل في جمهوريته أكبر سجون الشرق الأوسط للصحافيين. ففي العام 2005، تحمّلت الصحافة الايرانية مرّة جديدة ثمن التشدّد في الساحة السياسية، كما يقول الموقع، إذ علّق عمل قرابة 15 صحيفة، كما اعتُقل عدد كبير من الصحافيين الإيرانيين في شكل تعسّفي. والمعلوم أن خامنئي اتهم الصحافة بأنها"تُدافع عن مصالح العدو مقابل أجر"مع أنه"المسؤول الأساس عن ابتزاز الصحافيين"في ربيع 2000. وفي إطار اللسان العربي، يورد الموقع أن ليبيا التي يقودها راهناً العقيد مُعمّر القذافي، تبقى من الدول التي تُهان فيها حقوق الإنسان، كما أن حرية الصحافة مكمومة فيها بناء على تعليمات"الأخ قائد الثورة"، على رغم تبدّل مواقفه من العلاقات الدولية في العام 2004 وقبوله برفع العقوبات الاقتصادية عن ليبيا وإعادة دمجها في الساحة الدولية وتوافد الزوار الأجانب المرموقين إليها. ويُشير الموقع الى أن الصحيفة الرسمية"الزحف الأخضر"تعرّضت للتعليق مرات عدة لنشرها مقالات لم تعجب السُلطة! والجدير ذكره أن عاملاً في إحدى وسائل الإعلام لقي حتفه في العام 2005 في حين أن اثنين آخرين لا يزالان وراء القضبان منذ 30 عاماً، وهما عبد الرزاق المنصوري وعبدالله علي السنوسي. ويُفرد الموقع الالكتروني لمنظمة"مراسلون بلا حدود"مساحة كبيرة لعرض تقرير المنظمة عن احوال الصحافة في العام 2006، والذي يصف البلدان العربية، وفي صدارتها العراق، بأنها من بين الدول الأكثر خطورة على حياة الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام. ويرصد مصرع واحد وثمانين صحافياً على الأقل في إحدى وعشرين دولة، أثناء ممارسة مهنتهم، أو لأنهم عبّروا عن آرائهم. وبذا يُعتبر العام 2006 من أكثر الأعوام دموية منذ 12 عاماً، علماً بأن العام 1994 شهد قتل 103 صحافيين سقط نصفهم في الإبادة الجماعية في رواندا، ووقع حوالى عشرين منهم ضحية الصراعات الدامية في الجزائر، وكذا قتل عشرة منهم في يوغوسلافيا السابقة. ويُشير التقرير عينه إلى حرمان 871 صحافياً من حريتهم، علماً بأن بعضهم خضع للاستجواب لساعات معدودة فيما حكم على بعضهم الآخر بعقوبات فادحة بالسجن. وللسنة الرابعة على التوالي، يعتبر العراق الدولة الأكثر خطورة في العالم على حياة العاملين في القطاع الإعلامي، فقد قتل 64 منهم خلال العام الماضي، كما يُبيّن التقرير عينه أن قرابة 90 في المئة من الضحايا هم صحافيون عراقيون. ومنذ بداية الغزو الأميركي لبلاد الرافدين، تعرض 139 صحافياً للقتل، ما يفوق ضعف عدد الصحافيين الذين قتلوا خلال 20 سنة من الحرب في فيتنام التي سجلت قتل 63 صحافياً بين عامي 1955 و1975. ويظهر في هذا الموقع أيضاً سجلٌّ يضم أسماء 15 دولة حول العالم تضطهد المدونات الالكترونية وأصحابها"البلوغرز"Bloggers. ويضم السجل دولاً مثل الصين وكوبا وكوريا الشمالية واوزبكستان وفيتنام وتونس وسورية وليبيا وايران وغيرها.