منذ 11 أيلول سبتمبر 2001 تكثر على شاشات التلفزيونات العربية البرامج والمسلسلات التي تتناول ما لم يكن احد يجرؤ على تناوله من قبل: ظاهرة الإرهاب. في السابق كانت هذه الظاهرة قد أضيفت الى محرمات الثقافة العربية. لكنها فجأة ومن دون مقدمات، طفت على السطح لتحتل المكانة الاولى، نقاشاً إن لم يكن عروضاً. كان ذلك بفعل التداخل الذي فرضه الإعلام الغربي بين الإرهاب والإسلام. تداخل هز العرب والمسلمين أكثر مما هز أي فريق آخر. وأساء الى العرب والمسلمين. إزاء هذا، كان لا بد لفن الدراما التلفزيونية أن يتبع، فتبع. ولكن في كل مرة كان يظهر فيها عمل ما، كان السجال يشتد ويسخن. ليس بين الغرب والمسلمين دائماً، بل بين أهل الدار انفسهم. فإذا قبل النصف بالأفكار المطروحة، سيرفضها أو يخافها النصف الآخر. ولا نبعد عن الصواب إن قلنا هنا ان اهل التلفزيون احبوا اللعبة. ففيها ضجيج وفيها ترويج. كانت البداية طبعاً مع"الطريق الى كابول"الذي اقام الدنيا ولم يقعدها. وما ان هدأ ضجيجه حتى قامت القيامة من حول"الحور العين". ثم ما إن خبا هذا، حتى اشتد الضجيج من حول"الطريق الوعر". وطبعاً لم تكن هذه كل الأعمال المتعلقة بالموضوع، لكنها كانت أشدها إثارة للضجيج... خصوصاً منها"الحور العين"الذي كان ضجيجه مركباً وفي اكثر من اتجاه. إذ فيه، وعلى طريقته اللافتة والمثيرة دائماً، دنا مخرجه نجدت انزور من موضوعه بأسلوبه الملتبس المستفز. نجح"حور العين"نقدياً وجماهيرياً. وكان من حوله إجماع يفوق الإجماع من حول الأعمال الأخرى، فنياً على الأقل. ولكن يبدو ان أنزور كان يشعر بأن ثمة ما لا بد من ان يقوله بعد. ومن هنا اتت مفاجأته لهذا الموسم الرمضاني، ضمن الإطار ذاته، إذ تنذر بضجيج وأسئلة وسجالات ستعود بالفائدة ? على الأرجح - على العمل نفسه. وستعيد انزور الى الواجهة التي أصلاً لا يكاد يغيب عنها إلا ليعود أقوى وأشد إثارة للجدل. واللافت في الامر، التكتم الإعلامي الذي رافق تصوير المسلسل. تكتم نفهم اسبابه لو عدنا سنة الى الوراء... وتحديداً في مثل هذه الأيام بالذات مع اقتراب شهر رمضان، لتذكرنا السجالات العنيفة حول"الحور العين"، والتحامل على المسلسل من فئات لم تكن شاهدت العمل بعد. وبهذا يكون"التكتم"الذي ارتآه أنزور ضرورياً لخدمة المسلسل. فأي نقد أو كلام حول أي عمل درامي لا يمكن أن يدور ويكون منطقياً قبل مشاهدة هذا العمل. خصوصاً مع ما رافق المسلسل من خيبة حلّت بالبعض، إذ رأوا ان المسلسل جاء - من حيث المضمون - أقل بكثير من الدعاية التي روجت له. إذاً مرة أخرى يعود انزور الى معالجة ظاهرة الإرهاب على شاشة رمضان. لكنه يدنو هذه المرة من موضوعه بالاعتماد على حلقات تلفزيونية متصلة-منفصلة، فماذا عن هذا العمل؟ المسلسل بعنوان"المارقون"، تعرضه شاشة"الفضائية اللبنانية""أل بي سي" وهو عبارة عن عشر ثلاثيات درامية تعالج ظاهرة الإرهاب من كتابة عشرة من الكتاب العرب، ويجسد شخصياتها أكثر من مئتي ممثل، منهم كارمن لبس ومنى واصف ونسيمة ضاهر وسيف الدين السباعي وأمل عرفة، وسواهم من نجوم الشاشة الصغيرة في العالم العربي. ويتطرق"المارقون"، بحسب اصحابه، الى"تاريخ الإرهاب، مصادره، ومن يقف وراءه. كما يصور اهم الوقائع التي أجريت في بعض الدول العربية، وتأثيرها في تغيير مجريات الاحداث السياسية والاقتصادية في المنطقة". وتتوزع عناوين الحلقات بين"بين جبهتين"و"حادثة اختفاء"و"سرب الاوهام"و"الجدار"و"يقتلون الياسمين"و"صنع في"و"الخاطف والمخطوف"، إضافة الى ثلاث قصص أخرى يتحفظ انزور عن إعلان مضمونها وعناوينها. اما هدف المسلسل فيكمن في"فصل تهمة الإرهاب عن العرب والمسلمين". فهل يسعى أنزور في هذا المسلسل الى الرد على الأقلام التي كتبت عنه العام الماضي بأنه وقع في الخطأ ذاته الذي يقع به الغرب بالقول ان الإرهاب صنعة"إسلامية"؟ طبعاً من يعرف اعمال انزور يدرك انه إنما أراد قول العكس. وهو في تصاريحه الصحافية، كان يشير دوماً الى ان المؤسف في الموضوع كله هو ان صورة الدين الإسلامي أصبحت، في الغرب خصوصاً، تتسم بصبغة العنف والقتل. وهذا ما حاول إيضاحه في"الحور العين". وهو ما ينتظر منه كثر ان يعالجه بشكل اوضح في مسلسله الجديد. إذا تحد كبير يواجهه مرة أخرى نجدت انزور... فهل ينجح فيه؟ الجواب رهن الأيام القليلة المقبلة.