حظيت المسلسلات الخليجية في الاعوام الماضية، بثقة المشاهدين الخليجيين أنفسهم، أكدتها الدراما الخليجية الحاضرة بقوة خلال رمضان الحالي على مستوى الإنتاج، فهناك نحو 13 عملاً درامياً خليجياً. وربما كان اهتمام"العامة"الخليجيين بهذه المسلسلات من دون غيرها، كونها تمس مشكلاتهم وقضاياهم الاجتماعية والاقتصادية... ما يرشحها لتحظى بنسبة مشاهدة عالية في هذه المجتمعات - الخليجية. ولا يقف الأمر عند حد القضايا، بل ينسحب على اللهجة والنص والممثلين وكل ذلك يغفر حتى الأخطاء الفنية التي يعوز تلافيها خبرة وتقنية عالية تميز بها بعض الإنتاج المصري والسوري بحكم تجربة وخبرة تمتد عقوداً عدة. ويأتي مسلسل"الحور العين"- الذي يعرض هذه السنة على MBC - ليكسر قاعدة احتكار الخليجيين مناقشة قضاياهم. فأحداث"الحور العين"تدور في تشرين الاول أكتوبر 2003 وفي شهر رمضان، بشأن حادث تفجير تعرّض له مُجمع سكني في الرياض وأودى بحياة 17 وإصابة 122 آخرين معظمهم من العرب المقيمين في السعودية. وإضافة إلى أن معظم المتسببين في هذا الحادث سعوديون، فالمسلسل يُسلط الضوء على حياة اجتماعية وعلاقات بين مقيمين عرب يسكنون ويعملون في السعودية. وربما لا يعرف كثير من السعوديون شيئاً عن هذه الحياة، تماماً كما أنهم لا يعرفون شيئاً عن عمليات تدريب تلقاها الإرهابيون، وطبيعة خطاب أيديولوجي يُشحنون به قبل مشاركتهم في تلك العمليات. وكان نجدت أنزور نبّه ممثليه إلى عدم التحدث للإعلام عن قصة المسلسل وأحداثه، إذ تكتم هو وطاقمه بصورة واضحة. وحتى قبل رمضان بأيام قليلة، وتحديداً قبل إعلانات مكثفة ظهرت على شاشات ال MBC، لم تحمل الصحف رؤية واضحة لخطوط المسلسل أو لكيفية معالجته قضية الإرهاب. ومع ظهور إعلانات الصحف وإعلانات ال MBC، كانت اللقطات أو الصور تقود الخيال إلى دراما"صحراوية"تشبه"الطريق إلى كابول". فالمََشَاهد التي تصدرت الإعلانات: شبان ملتحون يحملون السلاح ويتدربون في الصحاري، تحت لهيب الشمس وبين الأسلاك الشائكة. يبدو أن أنزور تدخل في اختيار تلك المَشَاهد، ليفاجئ مشاهديه بأول حلقة تُشير كوادرها إلى مسلسل اجتماعي"بسيط"، على عكس ما كانت تشير إليه الإعلانات - مسلسل"إثارة". ونشاهد في الحلقة الأولى فرح نادين تحسين بيك، مع الإعلامية مي سكاف التي توثق حياتها بالصوت والصورة. طبعاً ما يهم الإعلامية، وبدا جلياً في حديثها مع فرح، هو ماذا حدث في المُجمّع؟ وربما كان هذا ما يهمّ المشاهدين أيضاً، إذ لعل معظمهم ينتظر الإثارة ولا يهتم لسماع قصة فرح وكيفية زواجها التقليدي. حاولت الإعلامية دفع فرح في الحلقة الأولى إلى الكلام عن المُجمّع وسامر زوجها، وهنا تسأل فرح الإعلامية:"ضجرتِ؟"، وتستطرد بما معناه: أن معظم من يسكن في المجمع يملك قصة بسيطة وعادية تشبه قصتي. قصة فرح التي أجبرتها والدتها على الزواج من المهندس سامر من أجل المال، ومنعها زواجها من إكمال دراستها، قصة مكررة وحاضرة في مسلسلات اجتماعية كثيرة. لكن ما يميزها هنا ربطها وصولاً إلى أحداث الإرهاب. فربما أراد المخرج والنص أن يقول:"الضحايا لا يختلفون كثيراً عن شخصيات مجتمعنا ومسلسلاتنا وحكاياتنا، ومشكلاتهم هي مشكلاتنا"، كما أنه يقول في الحوار بين فرح والإعلامية، حتى الآن:"إن سرد قصص حياة هؤلاء أهم من الحديث عن كيفية موتهم والإثارة التي ستظهر لاحقاً". يصلي المقيمون في المجمّع ويصومون. وبعضهم يظهر محافظة أكثر بكثير من تلك التي تظهر في المجتمع السعودي. وهناك المقيم المغربي الذي يرفض أن تكون زوجته كاتبة... وهناك رب العائلة الذي يرفض الاختلاط بالجيران. لا شك أن الحلقات الثلاث الأولى هي جزء من الخط الاجتماعي في المسلسل، وهذا الخط واحد من ثلاثة الخط الأمني، والديني، ولا يمكن تجاهل التوظيف المميز في هذا الخط للهجات الممثلين التي تُعطل أعمالاً درامية أخرى كثيرة، من بينها أعمال خليجية. وعلى رغم أن شوق المُشاهد السعودي يزيد يوماً بعد آخر وصولاً إلى الحلقة الثالثة، لمشاهدة الإرهابيين السعوديين وكيفية حياتهم وعلاقتهم بعائلاتهم، فإن ذلك لا ينفي أن الحلقات الثلاث مميزة وتحكي عن أناس غير سعوديين يعيشون داخل السعودية. ولكن أنزور لم يطل صبراً هو الآخر، فما لبث أن ظهر الإرهابي عبدالرحيم الممثل السعودي مشعل المطيري يصلي، في بداية الحلقة الثالثة. ليظهر بعدها أيضاً وهو يقرأ في موقع انترنت متطرف صوت الجهاد. وبعدها يتحدث مع أحمد الممثل السعودي نايف خلف في المسجد، بعد الصلاة، عن ألمهما بسبب ما يحدث في فلسطين... وفي مشهد آخر نرى رجلاً - يمثل دور الفكر الإرهابي ذاته إسقاط - يحكي مع عبدالرحيم عن"الحور العين"، للمرة الأولى، ويلفظ كلمات مثل:"بلاد الكفار، والشهوات، والفتنة، وبهرج الدنيا..."، والأهم من ذلك الإشارة إلى بطالة السعوديين، فعبدالرحيم عاطل عن العمل. كان هذا المشهدُ الأخير في الحلقة الثالثة. ربما كانت هذه المَشاهد الأربعة بمثابة قطرة ماء لجمهور سعودي متعطش لأن يعرف الكثير عما دار في بلده ولا يعرفه. وبهذه المَشاهد في الحلقة الثالثة يبدأ تداخل الخط الديني مع الخط الاجتماعي. وإذا كان أبطال الأخير هم الممثلون العرب، فأبطال"الديني"هم السعوديون أنفسهم، بل ان الكاتب السعودي عبدالله بجاد العتيبي أشرف على حوار هذا الخط. يقول العتيبي ل"الحياة":"اقتصر دوري على تغذية النص بعباراتهم - الإرهابيين - وأدلتهم وبلغتهم ذاتها". وعلى رغم أن حضور الخط الاجتماعي في المسلسل قد يطغى على الخط الديني الذي ينتظر مشاهدته كثيرون، فإن العتيبي يقول:"الخط الديني الأهم بالتأكيد، فأن يخرج إرهابي واحد - صغير في السن - من حي عادي ووسط اجتماعي سعودي بسيط، ليفجّر مجمّعاً يضج بالحياة، وليقضي على أدوار كثيرة كانت تعيش بعملها وحياتها وعلاقتها الاجتماعية، أمر يستحق الوقوف عنده". ويؤكد أهمية هذا الخط أيضاً كون اسم المسلسل - الحور العين، مستوحى منه. ويرى العتيبي أن مدى حضور الخط الاجتماعي أو الديني أو الأمني مناط برؤية المخرج في الدرجة الأولى. لكنه يُعد العمل مهماً للعرب جميعهم وليس للسعوديين فقط، على رغم أن أحداثه تمثل حالة أمنية في الرياض. كائنة ما كانت الحال، تبقى المفارقة أن السعوديين يشاهدون في"الحور العين"ما لا يعرفونه عن مجتمعهم وما يدور داخل بعض مدنهم، في مسلسل يشارك فيه سوريون ومصريون ولبنانيون وأردنيون ومغاربة وممثل سوداني، إلى جانب خمسة سعوديين العتيبي وخلف، وصالح العلياني وأحمد الهذيل وليلى سلمان، بل ويغيب عن العمل الممثلون والممثلات الخليجيون! عندما تشاهد المسلسل مع ممثليه أنفسهم يعرض مسلسل"الحور العين"لنجدت أنزور على قناة ال MBC عند الحادية عشرة ليلاً، ويعاد صباحاً. يُعد توقيت عرضه بعد مسلسل"ريا وسكينة"- الساعة العاشرة، الأمثل بالنسبة لكثير من السعوديين، خصوصاً الموظفين منهم، حتى يتسنى لهم النوم لساعات قبل دوامهم الصباحي الذي يبدأ عند التاسعة. يشاهد بعض السعوديين المسلسلات وبرامج رمضان في"الاستراحات"- الديوانيات - مع أصدقائهم وزملائهم وربما أقربائهم، بعيداً من صخب البيوت. ومشاهدة مسلسل مثل"الحور العين"لا بد أن تثير وابلاً من النقاشات بعده، فهناك من يبحث عن تفسير للمشهد هذا أو ذاك وهناك من يرفض فكرة ويقبل أخرى. وعلى رغم كل ذلك، فإن النقاش والجدل لا يختلفان كثيراً في الاستراحة التي يشاهد فيها ممثلي المسلسل ذاته - السعوديون - أنفسهم على الشاشة. مشعل المطيري الذي يلعب دور الشاب عبدالرحيم، وصالح العلياني شداد المحمد، ونايف خلف أحمد، أصدقاء وزملاء قبل مشاركتهم في مسلسل"الحور العين". عمل الثلاثة معاً في مسرحيات وأفلام سينمائية وفي مسلسل"المشهد الأخير"الذي أنتجه المطيري نفسه. لا يجمع الشبان الثلاثة هم التمثيل والفن فقط، بل يجلسون في الديوانية ذاتها ويتبادلون الأحاديث. في هذه الأيام يشاهدون حلقات"الحور العين"مع بعضهم في الديوانية، ويشاركون الأصدقاء في الجدل والحوار في كل تفصيلة منه. أحياناً يغيب أحدهم. بعد عرض الحلقة الثانية من"الحور العين"أثار أحد الجالسين في الديوانية نقاشاً في شأن صورة التفجيرات التي ظهرت بعدما قال سامر لزوجته فرح:"أنتِ في الرياض". صاحب النقاش تساءل عن القصد:"هل هي إشارة إلى غياب الأمن في المدينة؟ أم مجرّد رؤية تراءت لفرح التي تسرد حكاية المُجمّع؟". طبعاً السؤال موجّه إلى ممثلي المسلسل، انبرى المطيري يناقش الأمر، ولم يُفلح حتى في إقناع مثير الجدل أن تلك رؤية تعود إلى المخرج وكاتب النص. الصدفة وحدها غيبت العلياني عن الجدل للحظات، تماماً كما غيبت خلف. على أي حال، لا يختلف النقاش بعد المسلسل في الديوانية التي يجلس فيها ممثلو المسلسل السعوديون، عن أي نقاش آخر ربما يدور في ديوانية أخرى. الفارق فقط أنك تعرف هنا لمن توجّه سؤالك.