لست ممن يكتبون رثاء عن علم من الأعلام عند رحيله، فما بالك أن يكون هذا الراحل هو العم نجيب محفوظ، وهو المعلم الأول لكل من حاول أن يكتب نصاً روائياً. لذا لا أحب أن أمارس كتابة الرثاء، فالرجل كان يحب الحياة، وعلمنا كيف يمكن للإنسان أن يقاوم السنين ومتاعبها. كنا نتابع أخباره ونتعلم منه حتى في الدقائق الأخيرة من حياته. قدم لنا درساً في تجاوز العجز والمرض. ونجيب محفوظ علمنا الخطوة الأولى في الكتابة، ما زلت أذكر"اللص والكلاب"، وحفظي للكثير من مقاطع الرواية، وتلخيصي لها في إطار الدريه التي كان الأستاذ يمارسها معنا، وكان درساً لن أنساه سواء كان من النص الإبداعي لمحفوظ، والأستاذ الدكتور زكي الجابر الذي كان ينتهج منهاجاً تدريبياً يبدو أحياناً مستحيلاً ولكنه في النتيجة تأسيسياً. ومحفوظ عوضني عن الكثير من روايات معاصريه، لم أحب أن أقرأ لهم خصوصاً أن البدايات كانت مبكرة مع من سبقوه، ومبكرة أيضاً مع رواياته التي قرأتها لمرات عدة، ولأن الوعي الذاتي المتطور يقودني لاكتشاف أشياء جديدة في كل قراءة لاحقة. إن رحيل نجيب محفوظ في الوقت الذي هو خسارة للأدب العربي فهو أيضاً خسارة للأدب الإنساني، لكن، عزاؤنا جميعاً في ما خلفه لنا من تراث غني في مادته، خصب في طروحاته، متعدد بموضوعاته الشمولية. لا أملك إلا أن أقول لن أرثي محفوظ فبوسعي أن أجلس في مكتبتي وأعيش معه أعواماً أخرى إذا ما منحت عمراً أطول.