تواصل النائبة الاشتراكية سيغولين رويال بثبات سعيها الى خوض انتخابات الرئاسة الفرنسية المقررة في الربيع المقبل، غير آبهة بالانتقادات المتعددة التي توجه إليها حتى من داخل الصف اليساري المعارض، في شأن محدودية خبرتها السياسية. ولا يبدو ان موقع"ملكة الاستطلاعات"، بحسب ما تطلق الصحافة الفرنسية على رويال، تأثر كثيرا نتيجة"الجامعة الصيفية"التي نظمها الحزب الاشتراكي في مدينة لا روشيل، والتي كانت مناسبة لعودة قادة الحزب الى الواجهة وبينهم شريك حياة رويال الامين العام فرنسوا هولاند، وخصوصا رئيس الحكومة السابق ليونيل جوسبان الذي يظهر للمرة الاولى في مهرجان سياسي كبير منذ هزيمته في الانتخابات الرئاسية السابقة منذ الدورة الاولى امام جاك شيراك واعلانه التخلي عن العمل السياسي. فمجمل استطلاعات الرأي ما تزال تشير الى أن رويال هي الشخصية الاشتراكية الأوفر حظاً في مواجهة مرشح اليمين المحتمل للرئاسة وزير الداخلية نيكولا ساركوزي. وبعد عطلة صيفية وجيزة قضتها في أحد المنتجعات الفرنسية، ولم تنج خلالها من مطاردة المصورين الذين التقطوا صوراً لها بملابس البحر، استعادت رويال وتيرة نشاطها، والعمل جدياً على حسم المنافسة الحامية بينها وبين الشخصيات الاشتراكية الطامحة مثلها لخوض المعترك الرئاسي، وبينها وبين ساركوزي. وكما هو متوقع التزمت رويال، خلال اجتماعات لاروشيل، التحفظ الذي اعتمدته حيال الاجتماعات الحزبية، على امتداد الشهور الماضية وتجنبت الخوض في مبارزات كلامية مع أي من منافسيها داخل الحزب على الترشح للرئاسة. اذ انها تعتزم على الأرجح تركيز اهتمامها على مقارعة ساركوزي الذي يتعمد التعامل بسخرية مع مواقفها وطروحاتها. وشكلت أحداث الشرق الأوسط والحرب الاسرائيلية على لبنان، مناسبة لتظهر خلالها رويال تمايزها عن منافسها اليميني الذي قد يفوقها خبرة حول أساليب العمل في مؤسسات الدولة، لكنه باستثناء الميول الأطلسية المعروفة لديه، ليس اكثر منها اطلاعاً على الشؤون الدولية وخصوصاً العربية منها. وعلى امتداد الحرب على لبنان، أكد ساركوزي تكراراً، انه لا يسعه وضع جميع الأطراف في مصاف واحد، وان هناك في هذا الإطار"معتديا"وهناك دولة إسرائيل التي من حقها الدفاع عن نفسها. وبين"المعتدي"و"المعتدى عليه"لم يخص ساركوزي الشعب اللبناني الذي يتعرض للقتل ولا لبنان الذي يتعرض للدمار بأي كلمة. بالمقابل، وربما نتيجة حساسيتها كامرأة وأم، أبدت رويال تعاطفها التام، مع اللبنانيين، وعبرت عن أسفها لآلامهم، عقب مجزرة قانا، داعية الى بذل أقصى ما يمكن من جهود ديبلوماسية مع الأطراف كافة لوقف الحرب. ولم تخف رويال، معارضتها للسياسية التي تتبعها إدارة الرئيس جورج بوش والتي تقسم العالم بين"قوى الشر"و"قوى الخير"مما ادى الى تصاعد نفوذ القوى المتشددة وتصاعد العنف. وعادت في خطاب ألقته الأحد الماضي، لتنتقد النهج الأميركي الحالي، في حديث الى الإعلام الفرنسي، بقولها ان مفهوم"الحروب الوقائية"يؤدي عملياً الى"مفاقمة المشكلات التي يدعي حلها، وانه وحده الرئيس الأميركي، يعتبر اليوم ان العالم اصبح اكثر أمناً منذ احتلال العراق، وان النزاع في لبنان"يثبت مجدداً عدم جدوى القوة". وسخرت رويال مجدداً مما وصفته"بالخوف والتبسيط"اللذين تنطوي عليهما مقولة"محور الشر"الأميركية، ولا يشكلان مرشداً حسناً. وجاءت مواقفها في هذا الإطار اكثر شمولية وتجديداً من موقف ساركوزي الذي ربما تعمد عدم إثارة مشاعر كتلة يهود فرنسا الانتخابية في هذه اللحظة الحرجة. وكشفت رويال اخيرا انها ستقوم بسلسلة رحلات في ايلول سبتمير المقبل تشمل ايطاليا واسبانيا وبلجيكا والسنغال، بهدف إضفاء المزيد من الكثافة على وضعيتها الدولية واطلاعها على شؤون اوروبا والعالم. وكانت رويال فاجأت الوسط السياسي عبر التصاعد المستمر لشعبيتها في الاستطلاعات، والرهان الآن يتناول قدرتها على تحقيق مفاجأة جديدة عبر برنامج انتخابي يتناول القضايا الداخلية والدولية ويلغي عنها صفة السياسي الذي يتحدث بجمل منمقة وانما فارغة.