تعتبر كندا في طليعة بلدان العالم المانحة للهجرة واللجوء من الدول العربية والاسلامية في ظل الظروف السياسية والامنية والاجتماعية في بعض هذه الدول، بحيث باتت ملجأ للملاحقين بسبب انتماءاتهم السياسية والحزبية او للمضطهدين من الاقليات الدينية والعرقية. وعلى رغم تساهل السلطات الكندية عموماً في شأن الهجرة واللجوء، الا ان منحها هذين الحقين لم يكن يوماً استنسابياً او اعتباطيا او مزاجيا وانما يرتبط اساسا بمجموعة من العوامل بعضها كندي اقتصادي ديموغرافي وبعضها الآخر خارجي انساني على وجه الخصوص. والملاحظ ان كندا بدأت للمرة الأولى تربط الهجرة بالإرهاب حين اكتشفت اول خلية ارهابية في مونتريال ذات صلة بتنظيم"القاعدة"وتم اعتقال زعيمها الجزائري احمد رسام عام 1999 كان يحضر حينذاك للقيام بتفجيرات ضد المصالح الاميركية في سياتل. ومنذ ذلك التاريخ مروراً بأحداث 11 ايلول سبتمبر والتقارير الامنية الكندية لم تنقطع عن الاشارة بين الحين والآخر الى خلايا ارهابية نائمة في المدن الكندية علما ان كندا استحدثت في اعقاب تفجيرات نيويورك وواشنطن قوانين لمكافحة الارهاب حماية الامن القومي لا تختلف في شدتها وصرامتها عن القوانين الاميركية لجهة اعتقال المشتبه بهم من دون محاكمة او ادلة علاوة على التنسيق الدائم بين الأجهزة الأمنية الكندية والاميركية لجهة ضبط الحدود ومراقبتها وتبادل المعلومات وغيرها من الاحتياطات الامنية المشتركة. منذ فترة كثف جهاز الاستخبارات الكندي المماثل لوكالة الاستخبارات الاميركية من حملات التنصت والمراقبة للتجمعات الاسلامية في مختلف المدن الكندية. وكشف أخيراً عن بعض الخلايا التي قال انها تنتمي الى جماعات اصولية بينها"الجهاد الاسلامي"و"حزب الله"و"حماس"التي تمارس نشاطات سياسية وثقافية ودينية وتقوم بجمع الاموال والتبرعات وتخزين الاسلحة والمتفجرات وتدخل وتخرج بسهولة من والى الولاياتالمتحدة او الى دول اخرى سيما وان حصول افرادها على الجنسية الكندية يسهل عليها القيام بمثل هذه الاعمال بصورة مشروعة. واكد على ان تنظيم"القاعدة"يشكل فعلا خطرا على المصالح الكندية الاستراتيجية والحيوية، وقدر عدد المرتبطين بهذا التنظيم بحوالي 50 شخصاً ينتمون الى بلدان عربية واسلامية وانه يلاحق بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفيديرالي الاميركي اف بي آي اربعة اشخاص، بعضهم يحمل الجنسية الكندية وبعضهم الجنسية الاميركية، اثنان منهم من اصل سعودي والآخران من اصل تونسي ومغربي، علما ان اسامة بن لادن كان قد صنف كندا اخيرا بين الدول الخمس التي يستوجب استهدافها وهي اميركا وبريطانيا واسبانيا واستراليا. اعلنت السلطات الامنية الكندية بتاريخ 3 حزيران يونيو 2006 انها احبطت"مخططا ارهابيا كبيرا لتنظيم"القاعدة"لشن هجمات تستهدف بعض المرافق الحيوية في تورونتو وضواحيها". واعتقلت في اوسع حملة لم تشهد كندا مثيلا لها من قبل، 17 شخصاً مشتبهاً بهم تتراوح اعمارهم بين 19 و43 سنة ينتمون الى فئات اجتماعية مختلفة بينهم طلاب وعمال وعاطلون عن العمل وفي حوزتهم 3 اطنان من مادة"نترات الامونيوم". واكد مايك ماكدونال رئيس قسم المكافحة الملكية ان المجموعة المتورطة يحمل افرادها الجنسية الكندية ويقيمون في كندا وانهم تلقوا تدريبات فيها وانهم يشكلون تهديدا فعليا خطيرا على الامن والاستقرار في البلاد من دون ان يحدد المسؤول الامني الاهداف المنوي ضربها، علماً ان بعض وسائل الاعلام اشار الى ان بعض المنشآت النفطية والكيماوية وقطاع المواصلات وخطف الطائرات والبرلمان الفيديرالي في اوتاوا كانت من بين الاهداف المستهدفة. وتخشى بعض الاوساط الكندية المتعاطفة مع القضايا العربية والاسلامية العادلة ان تستغل الولاياتالمتحدة هذه الحادثة لتضاعف من ضغوطها على المسؤولين الكنديين لارغامهم على مزيد من التبعية لسياساتها الامنية والتوسعية من جهة والضرب على وتر الارهاب في الداخل الكندي وفي ظل حكومة المحافظين الحالية المعروفة بصلاتها القوية بالحكومة الاميركية من جهة اخرى، مما قد يؤدي الى انحراف كندا عن حيادها الدولي وتخليها عن رصيدها الانساني والحضاري وتشددها في اجراءات المراقبة على المهاجرين العرب والمسلمين الذين يحسدون على العيش في كنفها كدولة قلما تضاهى في احترامها لحقوق الانسان وحرياته. * كاتب لبناني مقيم في كندا