في سياق نشاطاته المتنوعة، في رصد تاريخ الشرق والبحث عن كنوزه الأدبية والفكرية واستنشاق عبقه، الذي طالما جذب اليه الكثير من الباحثين الغربيين، أو ما يُعرف بالمستشرقين والمستعربين. يستمر المعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت في رفد حركة البحث في التاريخ المشرقي، ودعم نتاجات المستشرقين من تحقيقات وأبحاث، حول فنون الشرق وآدابه وكنوزه الفكرية الإسلامية ومخطوطاته النادرة، حيث قام أخيراً بنشر كتاب تحت عنوان"رحلة الى الإمبراطورية العثمانية السامية"، باللغة الإنكليزية، للمحقق الكندي د. ريتشارد بلاكبورن، الذي قدم له وترجمه وقام بالتعليق على مضمونه في الحواشي. هذا الكتاب مؤلف من 397 صفحة من القطع الكبير. ومرفق بإسطوانة مدمجة تُظهر صور المناطق التي مرت بها الرحلة، ووسائل إيضاح للبحث. ويُعد هذا الكتاب الذي يحتوي على تسعة فصول، ذاكرة لحقبة مهمة من تاريخ الإسلام، تقع في عهد شريف مكة سنة 1557 ميلادية، لذلك كانت الرحلة، عبارة عن رحلة ديبلوماسية لرسول الشريف، الى بلاط السلطنة العثمانية في عهد سليمان"المعظَّم". ويعد الكتاب تحقيقاً في مخطوط للرمز الديني"المكاوي"، قطب الدين النهروالي":"الفوائد السنية في الرحلة المدنية والرومية"، وحملت الترجمة الجديدة، الجزء رقم"109". يتضمن الكتاب تفاصيل الرحلة التي بدأت من مكةالمكرمة الى اسطنبول، مروراً بالعديد من المدن والبلدات العربية والتركية، مثل المدينةالمنورة، العلا وتبوك في المملكة العربية السعودية، معان، عمان والزرقاء في الأردن، دمشق، حمص، حماه وحلب في سورية، أضنة، قونيا، كوتاهيا، ايزنيك في تركيا. وفي طريق العودة سلكوا دربًا آخر من اسطنبول عبر ميناء غيليبولو، مروراً بجزر ساكيز، رودس، ورسوا في ميناء الاسكندرية ثم رشيد، ليتابعوا الرحلة براً عبر، القاهرة ووادي القريا وعلى طول ساحل البحر الأحمر عبر الوجه وحوراء وينبع وصولاً الى نقطة الانطلاق، مكةالمكرمة. الرحلة كما اسلفنا كانت في وقت متأخر من سنة 1557 حيث قام الشيخ النهروالي بطلب من شريف مكةوالمدينة حسن بن محمد ابو نميء، برحلة الى اسطنبول لمناشدة المجلس السلطاني للولاية لإقالة مسؤول عثماني محلي. موضوع المهمة التي فشلت أقل أهمية من اليوميات التي سجلها النهروالي كذاكرة للرحلة التي اكتسب من خلالها الكثير من المعلومات الغنية عن الموقع الاستراتيجي لعاصمة العثمانيين وبلاطهم في أوج عصر الإمبراطورية. والممتع في تفاصيل الرحلة، مرافقة المبعوثين في هذا المهمة لقافلة حجاج بيت الله الحرام السوريين، العائدين الى دمشق، التي كانت على وشك وداع فصل الشتاء، ثم عبرت الأناضول الى البوسفور. وسط الطريق قابل النهروالي، الأمير بايزيد، الذي بحث عن دعمه ضد أخيه سلطان المستقبل سليمان الثاني. وخلال وجوده في العاصمة حيث أقام لشهرين، التقى رستم باشا، الوزير الكبير النفوذ الذي كان يتمتع برضا السلطان سليمان الأول المعظم وربطته علاقة طيبة بابي السعود أفندي. وقد شهدت عاصمة السلطنة استقبالاً جميلاً للمسؤول الديني الذي قدم في مهمة رسمية. بعدما عاد بطريق البحر الى الإسكندرية، ووصل الى القاهرة رافق موكب الحجاج المصريين الى مكة. قيمة تدوين هذه المهمة في ما أدته من بحث علمي حقيقي. بحيث تظهر أوجه الحياة في بلدان السلطنة العثمانية وعاصمة السلطان وبلاطه. وخلف المشهد سجلت نشاطات لجماعات الضغط التي كانت تقوم ببعض الإنجازات المتواضعة لتحقيق أهدافها، حيث كانت هذه النشاطات تتسبب بنفي القائمين بها عن أوطانهم لمدة سنة. وكان هناك اهتمام بالموازنة المالية التي تم تخصيصها للكاتب في ذلك الوقت والتي من شأنها تغطية نفقات الإرسالية والبحث العلمي وثمن الطعام، والخدمات والاهتمام بقطيع الحيوانات الخ. وحجم العملة الممنوحة ومقارنتها مع عدد الأيام المطلوب استغراقها في الرحلة. وأكثر ما يجذب في هذا الكتاب، الغني بمعلومات عن السلطنة العثمانية الإسلامية في القرن السادس عشر، السرد الذي يتناول طرق العيش وأسلوب الحكم، والاهم من ذلك جمالية التعبير الذي يتلاءم مع بلاغة أدب الرحلة. وجاءت عناوين الفصول على الشكل التالي: مكة الى دمشق: المألوف والجديد، دمشق: نهاية الشتاء، دمشق الى حلب، عبور الأناضول، اسطنبول: الاحباط والفشل، الى القاهرة، القاهرة، حدود - اتجاه الوطن: مع الحجاج مجدداً، بيبلوغرافيا للأعمال الواردة، وفهرس.