الكتاب: بحوث المؤتمر الدولي حول العالم والمعرفة في العالم العثماني الناشر: مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في اسطنبول، بالتعاون مع مجمع التاريخ التركي، والجمعية التركية لتاريخ العلوم. الطبعة الأولى: سنة 2000، 434 صفحة. عقد المؤتمر الدولي حول العلم والمعرفة في "العالم العثماني" ما بين 12 و15 نيسان ابريل سنة 1999 بمناسبة الذكرى 700 على قيام الدولة العثمانية التي نشأت سنة 1299 م، ثم صدرت البحوث التي ألقيت باللغة العربية في هذا الكتاب الذي أعده للنشر صالح سعداوي وقدم له مدير عام مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في اسطنبول أكمل الدين إحسان أوغلي، ويتضمن الكتاب مقدمة و19 بحثاً. تحدثت المقدمة عن تاريخ الدولة العثمانية التي انضوت تحت رايتها الكثير من البلدان في قارات آسيا وافريقيا وأوروبا. وركزت على أهمية دراسة هذا التاريخ وإعادة صوغه انطلاقاً من مثل هذه اللقاءات والمؤتمرات العلمية. ونوهت المقدمة بالنموذج العثماني، فهو نموذج التعايش مع احترام الفوارق، وتكمن أهميته في ظلّ المتغيرات المعاصرة وازدياد إقامة جسور التفاهم والاحترام بين الشعوب والأمم والحضارات والثقافات المتنوعة في العالم، من أجل مستقبل يسوده الأمن والسلام. ورد في البحث الأول الحياة العلمية في طرابلس العثمانية، 1516 - 1918 الذي قدّمه عمر عبدالسلام التدمري من الجامعة اللبنانية، عن طرابلس الشام وحركتها العلمية في العهد العثماني وصار واليها برتبة وزير، وضُمّت إليها من سورية المعاصرة سناجق حماة وحمص وسلميّة وجبلة إضافة الى صافيتا وطرطوس والشعرا وعكار والظنية والهرمل والزاوية وجُبّة بشري والكورية وأنفة والبترون وجبيل، ووصلت توابعها في بعض الأحيان الى بعلبك. وبذلك صارت طرابلس مركزاً سياسياً مهماً على ساحل الشام، وعاصمة لولاية كبيرة يسكنها العرب والأتراك والفرنجة. ورصد التدمري تطور الحركة العلمية وأماكن التعليم، وأورد تراجم المدرسين في المساجد الجامعة، وبيّن ما كان فيها من مكتبات تزخر بالمصادر والمراجع العربية والعثمانية والفارسية المتنوعة المواضيع الدينية والعلمية والأدبية، أبرزها مكتبات البعلبكي، الرفاعي، الوالي آغا دزدار، السيري، الإسلام بولي، الإسكندري، العطار، البرطل، النقشبندي، ومكتبة الشيخ سليمان بن مصطفى الشهير بابن الفقيه. وتناول بحث سوسن آغا قصاب من الجامعة اللبنانية. محاولات تحديث التعليم والمواصلات في طرابلس الشام في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. حين كان لواء طرابلس الشام تابعاً إدارياً لولاية سورية، ثم تبع ولاية بيروت منذ سنة 1305 ه 1888 م في ظل تطوّر الاصلاحات التي شملت التعليم والعمران والقوانين. وزُودت بسلسلة من المشاريع الاصلاحية التي اقتضت بناء المدارس وتحديث المناهج، وإنشاء خطوط الترامواي الحديد 1296 ه 1879 م وتعبيد طريق حمص - طرابلس. وقدم البحث الثالث مؤسسة الزوايا في الجزائر العثمانية - نموذج بلاد القبائل ناصر الدين السعدوني من قسم التاريخ في جامعة الجزائر، وتضمن أهمية دور مؤسسة الزوايا التي كانت في الجزائر أثناء العهد العثماني، ومشاركة الزوايا باعتبارها مركز توجيه وتوعية وتربية في نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والروحية كافة في المدن والريف الجزائري بلاد القبائل منذ القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي. وأوضح طبيعة علاقة الزوايا بالسلطة المركزية العثمانية ما جعلها عامل استقرار وتوازن وتوجيه في إطارها المحلي في بلاد القبائل أو في بُعدها الاقليمي. وبحث أبو القاسم سعد الله من قسم التاريخ بجامعة آل البيت في الأردن في بعض التحولات في مسيرة التعلم بالجزائر خلال العهد العثماني 1518 - 1830 التي طرأت على نظام التعليم في الجزائر أثناء الحكم العثماني أو بسببه، في ظلِّ الوضع غير المستقر جراء الفتن الداخلية والتهديد الأوروبي. ويبين الكاتب فضل النظام الإداري الذي أقامه العثمانيون في توحيد الجزائر وتحريرها. وأشار الى ازدهار أوقاف مكة والمدينة في الجزائر أثناء الحكم العثماني التي كانت مخصصة للصُّرّة التي كانت تُرسل الى فقراء المدينتين المقدستين مع ركب الحج سنوياً، وساهم وقف الحرمين في تنشيط التعليم في الجزائر أيضاً، كما ساهمت الأوقاف الأخرى بتنشيط العلم والمعرفة، وأوضح أن الفرنسيين صبّوا جام غضبهم على العثمانيين واتهموهم بمعاداة الثقافة وهذا غير صحيح لأن تقرير الجنرال الفرنسي بيدو يذكر أن التعليم كان منتشراً بشكل لم يتوقعه الفرنسيون. فبعد احتلال قسنطينة سنة 1837 تبيّن ان في اقليمها وحده توجد 90 مدرسة ابتدائية وسبع مدارس ثانوية. وكانت الجوامع والمساجد الخمسة والثلاثون تغصّ بالطلبة والمستمعين. وتطرقت زكية زهرة من قسم التاريخ في جامعة الجزائر الى المؤسسة التعليمية في مدينة الجزائر أثناء الفترة العثمانية. وبيّنت الدراسة ما امتازت به الفترة العثمانية من انتشار المؤسسات التعليمية بمختلف أصنافها ومراحلها، وخصوصاً الكتاتيب أو المسايد بالتعبير الجزائري، إذ كانت مؤسسات الوقف أحد العوامل الرئيسية في انتشار التعليم وتشجيعه. وتناولت الدراسة محاور هي: حرص سكان مدينة الجزائر على تعليم أبنائهم، ودور الأوقاف في انتشار التعليم في مدينة الجزائر، ومؤسسات التعليم الابتدائي الأوّلي والثانوي ومستوى التعليم العالي. وتناولت نجوى عثمان من حلب في سورية الزوايا والمدارس العثمانية في القيروان التي بناها عُقبة بن نافع سنة 50 ه 670 م، واختطّ أولاً المسجد الجامع، ومع الأيام عمرت القيروان وكبرت وعظم قدرها وصارت عاصمة للمغرب الاسلامي الذي كان يمتد من طرابلس الغرب شرقاً الى المحيط الأطلسي غرباً وجنوبفرنسا شمالاً. ودخل العثمانيون القيروان سنة 958 ه 1551 م بطلب من أهلها الذين استغاثوا بالحاكم العثماني على طرابلس الغرب درغوث باشا. ومن القيروان انطلق المتطوعون سنة 980 ه 1572 م ليساندوا العثمانيين في تخليص تونس من الاسبان وآخر الحفصيين. وأوضحت كيفية نشأة الزوايا والمدارس في القيروان، وقدّمت دراسة هندسية للزوايا من خلال تقديم تصوّر للسقوف والأقواس وطُرق استنادها ومواد البناء والإكساء. وتطرق محمد بشير الكاتب من كلية الطب بجامعة حلب، الى المدرسة المُلكية في دمشق وأثرها في ابتداء التعليم الطبي في سورية وتضمن البحث لمحة عن السلطان عبدالحميد الثاني والتعليم في السلطنة، وتأسيس المدرسة الطبية المُلكية المدنية العثمانية في دمشق، والأسباب الخفية التي دفعت بالعثمانيين لافتتاحها بموجب الإرادة السلطانية بتاريخ 27/9/1903، والتطورات التي مرت عليها حتى تحولت الى المعهد الطبي العربي بعد رحيل العثمانيين، وما طرأ على المعهد من تطور في فترة الانتداب الفرنسي على سورية وما بعدها حتى اليوم. وتناول موضوع "المصطلحات الطبية العثمانية" بحث أعده من سورية محمد هيثم الخياط، نائب المدير الاقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، وتضمن لمحة عن تاريخ اهتمام العثمانيين بالطب مستشهداً بالشيخ محمد شمس الدين بن حمزة المعروف بالشيخ آق شمس الدين مؤدب السلطان محمد الفاتح ومربيه الذي تحدث عن الجراثيم أو الميكروبات. ويتضمن البحث إيضاح تبني العثمانيين للمفردات التي كانت معروفة لأول عهدهم باختيار المصطلحات، وإيضاح تبني العثمانيين الأسماء العربية لأعضاء جسم الانسان وأسماء الأمراض، وعربوا الألفاظ الكيميائية ما ساعد أساتذة المعهد الطبي العربي لاحقاً على تدريس الطب باللغة العربية. وتناول شربل داغر من جامعة البلمند في لبنان "التعليم العصري موحِّداً في الافتراق الملّي" ويتضمن عرضاً للتعليم في الحلقة الدينية، ومباني التعليم، والتعليم في وقته الاجتماعي، وما حقق في بيروت من مدارس عالية جامعة، وما طرأ على تأهيل النخب، واستهدافات التعليم المهنية، وبين التطور من المعلم الى الاستاذ، ومن الترجمان الى الوسيط اللغوي، والمباينة بين الأهل والمدرسة. وعن "أحمد جودت باشا وتطوير المدرسة العثمانية"، أعدت ماجدة صلاح مخلوف من كلية آداب عين شمس في القاهرة، بحثها عن مرحلتي التوجه الحضاري العثماني إذ كانت الأولى منذ قيام الدولة العثمانية سنة 1299 م حتى القرن السادس عشر الميلادي، ثم بدأت مرحلة التلقي الحضاري عن الغرب التي استمرت حتى 1922 م، ثم بيّنت الباحثة أهمية العلم عند أحمد جودت باشا، ورأيه بأهمية دور العلم في بناء الأمة، ودور الدولة في رعاية العلم، وأسباب تأخر المدرسة العثمانية، وعيوب برامج الاصلاح المطروحة في مدارس الصبيان الابتدائية، والمدارس الرشدية الاعدادية، ودار الفنون الجامعية. واستعرضت خطته لتطوير المدرسة العثمانية، والاهتمام باللغة التركية وجعلها لغة العلم. وبحثت عزة الصاوي من اداب عين شمس في القاهرة، في الحياة العلمية والثقافية في عهد السلطان محمد الفاتح 1451 - 1481 م من خلال المصادر العربية، وبينت ان السلطان لم يكن رجل حرب وسياسة فحسب، بل كان رجل علم وثقافة وفكر لاقتناعه بأن إنشاء دولة عظيمة لا يتوطّد ولا يزدهر إلا بالعلم والعدالة. وأوضحت أن السلطان تابع التحصيل العلمي قبل تتويجه. وبعد تتويجه اتخذ من كبار علماء عصره أساتذة له شخصياً، ومنهم: سنان باشا، وخطيب زادة، وخوجة زادة، والمولى محب الدين بن الخطيب وغيرهم، وبعد فتح اسلامبول أنشأ كلية الفاتح التي ما زالت قائمة بجوار مسجده معمورة بطلاب العلم. وشهد له بالفضل الإمام الشوكاني اليمني ت 886 ه. وكتب محمد السعيد جمال الدين من جامعة عين شمس في القاهرة عن محمد بن فرامرز بن الخواجه علي الشهير بمولانا خسرو أو مُنلا خسرو التركماني، أستاذ السلطان محمد الفاتح، وترجمته العربية لكتاب "أساس الاقتباس في المنطق" من اللغة الفارسية. وكتب محمد سويسي من تونس عن شكوك علماء العرب والمسلمين على مصادرات أوقليدس، وموقف شمس الدين السمرقندي وموسى بن محمد بن محمود جلبي الرومي قاضي زادة، من المصادرة الخامسة المشهورة. وبيّن الكاتب أن أوقليدس صوريّ اسكندريّ المقرّ، وتضمن البحث عرضاً لمحتويات كتاب الأصول بشكل موجز، واستقصاء لترجماته الى اللغة العربية منذ القرن الثالث الهجري. وبحث سيد محمد السيد من جامعة جنوب الوادي في سوهاج المصرية عن الدور الرقابي لقضاء أيالة مصر على مؤسستي المالية والادارية إبان العصر العثماني، وتناول الفترة الممتدة من القرن السادس عشر الميلادي/ العاشر الهجري، حتى أواخر القرن السابع عشر الميلادي/ الحادي عشر الهجري، إذ شكل التشريع الاسلامي القانون الأساسي للنظام الذي كانت تقوم عليه الدولة العثمانية التي اعتمدت مبادئ السياسة الشرعية. وتطرق بحث أيمن السيد من دار الكتب المصرية عن انتقال المخطوطات العربية الى تركيا، وأثره في توطيد الصبغة الاسلامية للخلافة العثمانية. وكتب فاضل مهدي بيات، من قسم التاريخ في جامعة آل البيت في الزردن، عن "سالنامة" وزارة المعارفة العثمانية وأهميتها في دراسة واقع التعليم في البلاد العربية في العهد العثماني، التي أصدرتها وزارة المعارف سنة 1316 ه 1898 م، واستمرت في الصدور حتى سنة 1321 ه 1904 م، وتتضمن أعدادها من 1 - 6 رسم المعالم العامة للمعارف عموماً في دولة الخلافة الاسلامية العثمانية. ومما ورد في "السالنامة" إحصاء المدارس الابتدائية للعام الدراسي 1310 - 1311 ه 1895 - 1896 م ان عدد مدارس النظام القديم في بيروت 205 مدارس، وعدد مدارس النظام الجديد 181 مدرسة والمجموع هو 386 مدرسة إسلامية وغير اسلامية. أما حلب فكانت فيها 406 مدارس نظام قديم، و29 مدرسة نظام جديد، ومجموع ما فيها 633 مدرسة، وفي اسطنبول 196 مدرسة نظام قديم، و47 مدرسة نظام جديد، والمجموع 243 مدرسة. وكتب حسن عزاوي من جامعة القرويين في فاس المغربية ملاحظات عن "مسألة التسامح الديني في العهد العثماني". ورصد الباحث بعض معالم التعايش المشترك، ورد على شبهات المبشرين والمستشرقين وأتباعهم. وخلص الى القول: "إذا كانت بعض الكتابات الغربية قد حاولت صوغ التاريخ الديني للدولة العثمانية في صورة مظلمة وقاتمة متهمة إياها بالتعصب والسُّنّيّة المتشددة لكثير من سلاطينها ورعاياها المسلمين، فإن ذلك لا يؤثر في شيء على الثورة العامة المشرقة التي أنتجها المشروع العثماني، وأعطى بذلك مثالاً ناصعاً لواقع حضاري متعايش". وكتب الفصل الثامن عشر محمد عبداللطيف هريدي من آداب عين شمس في القاهرة، عن المطبوعات التركية العثمانية في مصر 1239 - 1333 ه/ 1823 - 1915 م فأشار الى أن فهرس المطبوعات التركية في دار الكتب المصرية يضمّ 4500 عنوان، وفي الدار ما يزيد على 6000 مخطوطة تركية عثمانية. وجاء البحث الأخير عن "الفنون العثمانية" في ضوء مُقتنيات الأمير محمد علي بن الخديوي توفيق في قصر المنيل، كتبته كوثر أبو الفتوح الليثي من مركز البحوث الأثرية في المجلس الأعلى للآثار في القاهرة، وبينت ضروب الفن التي تضمنتها مقتنيات القصر من المخطوطات التي امتازت بالتذهيب والتجليد وجمال الخط. وتضمن الكتاب الكثير من المخططات والرسوم واللوحات وصور المخطوطات ما يجعله دليلاً للراغبين في معرفة ما قدّمته الخلافة الاسلامية العثمانية للانسانية في مجالات العلم والمعرفة والفنون.