طوال ستة أعوام، احتلت"أيام التصوير الضوئي"مكانتها الخاصة في ذاكرة الجمهور الدمشقي. فهذه التظاهرة الاستثنائية التي يستضيفها المركز الثقافي الفرنسي في دمشق، تأخذ العين إلى مطارح أخرى وابتكارات فريدة في توليف الصورة وتجليات العدسة، وهي تؤرخ مسارات حياتية متعددة لطالما كانت في منطقة الظل. وطرأ تطور واضح على مقترحات الفوتوغرافيين في السنوات الأخيرة كمحصلة لسطوة الصورة وهيمنتها على وسائل السرد، خصوصاً بعد تمازجها بأعمال الفيديو والتركيب. تظاهرة هذا العام استقطبت أسماء جديدة، توزعت أعمالها بين فضاءات متعددة، تمتد من صالة المركز الثقافي الفرنسي إلى خان أسعد باشا وجدران المكتبة الوطنية. وربما كانت محاضرة الناقد الفرنسي داميان سوسيه"فقدان الواقع"تصلح عنواناً شاملاً لمقترحات الآخرين. والواقع هنا يبدو مقلوباً رأساً على عقب في ظل جموح الصورة المتلفزة والشعارات الدعائية واقتصاد السوق المعولم. وبالنسبة إلى داميان سوسيه، فإن الصورة تتحول إلى فن يقوم على الاقتطاع والتحويل والتجميع، بما يشبه صورة الواقع اليوم، هذا الواقع المتشظي وكأنه تحليق في الخيال. هكذا سيجد الزائر في أعمال الفرنسي جوزيف كودلكا، أحد أبرز فناني التصوير الضوئي المعاصر، فرصة لاكتشاف أعمال"العين الوحشية"- بحسب ما لقبه أندريه بروتون - في تجواله الحرّ بين كواليس المسرح وحشود الأعياد الدينية ومخيمات الغجر. فيما تذهب أعمال أندريه ميريال إلى مقاربة"الأفق المتوسطي"بنوع من الصدمة، إذ يتحول المنظر الطبيعي إلى فضاء آخر كتيم بوجود الجدران والكتل الصماء، الأمر الذي يقوده إلى التفكير بمعنى الحدود والمعابر بين ضفة وأخرى. وتحضر أعمال الإيرانية شادي غاديريان التي درست التصوير الضوئي في جامعة آزاد في طهران، في سلسلة من الصور ذات الطابع المعقد في وصف المجتمع الإيراني، تنهض على بورتريات بالأبيض والأسود وتمثل نساء من عائلتها وصديقاتها بملابس تقليدية، على خلفية رموز تدلّ على زمن آخر في حالات من النقد اللاذع للتقاليد الصارمة، مثلما ترمز إلى مفردات الاغتراب وانحلال الهوية الفردية. من جهتها، ترصد دانييل عربيد لبنان، في شريط فيديو قصير لحظات رحيل والدها، فتصبح الصورة دليل بقاء وذكرى مقيمة. أما رائد ياسين فيتشبث بتاريخ الصورة ومعناها المتحول بعنوان مثير"بطولة هند رستم"، مستفيداً من إمكانات الملصق السينمائي ومناوشة زمن سعيد وآفل. حالات الجسد وإحساسه بالفراغ المحيط به، كانت مجالاً حيوياً لعدسة محمد حاج قاب سورية، إذ يجد في دمى باربي فرصة للعب البصري بتشويه الأثر عبر الإضاءة التي تتناوبها فكرة المستور والمكشوف. ويبرع وائل خليفة سورية في اللعب على الفاتح والداكن والضبابية في استحضار حركة الذراع والرأس، فيما تنفصل شخصياته الضبابية عن أعضائها، وكأنها تنجذب إلى الضوء فحسب. لدى سلام الحسن يتحول البورتريه إلى نموذج مبتكر من الأزياء البلاستيكية في كوادر مدروسة بعمق وانتظام. ويعالج طارق الغصين فلسطين موضوعاته بمنطق مختلف، تستدعيه ذاكرة بلاد غائبة أو مغيّبة، في صور تحتشد بالأبواب والجدران والبورتريات.