لم تخفِ مي عريضة فرحتها، يوم أمس، وهي تقدّم للإعلاميين برنامج"مهرجانات بعلبك الدوليّة"لهذا الصيف 13 تمّوز/ يوليو - 16 آب/ أغسطس. فرئيسة اللجنة واكبت هذه التظاهرة العريقة منذ انطلاقتها، وشهدت مع آخرين تلك المحطّات النادرة في ذاكرة الثقافة العربيّة والعالميّة، وها هي تجلس اليوم في الموقع نفسه لتطفئ الشموع الخمسين ل"بعلبك"الذي يحتفل هذا الموسم بيوبيله الذهبي. المهرجان الشهير الذي شهد صعود التجربة الرحبانيّة وازدهارها، حتّى صارت فيروز تعتبر من تلك الأعمدة الخالدة، واستضاف موريس بيجار في معبد جوبيتير، واحتضن أبرز التجارب العالميّة التي أثّرت في الفنّ اللبناني المعاصر، أدباً ومسرحاً ورقصاً وتشكيلاً وموسيقى، المهرجان الذي اعتبر ذات يوم معلماً ثقافيّاً وسياحيّاً من معالم لبنان، يحتفل هذا العام بالذكرى الخمسين لتأسيسه. وقد ترك السينمائي فيليب عرقتنجي"بوسطته"جانباً لبعض الوقت، ليحقق شريطاً وثائقيّاً من ربع ساعة، عرض في المؤتمر الصحافي أمس، يستعيد أبرز المحطات الفنيّة والابداعيّة على امتداد خمسة عقود. وإذا كان لا بدّ من طقوس ومبادرات خاصة للاحتفال بمناسبة نادرة من هذا النوع، فإن ادارة المهرجان بادرت للاحتفاء بالمناسبة من خلال استحداث فضاءات ومسارح جديدة بين معبدي جوبيتير وباخوس. ويواكب برنامج هذا الصيف، بدوره، تلك اللحظة الاستثنائيّة بما يليق بها: تبدأ مهرجانات بعلبك هذا العام بفيروز، التي تنبش كنزاً منسياً من الذاكرة الرحبانيّة 13-15/7، وتنتهي بعبد الحليم كركلا ابن المدينة البار الذي يعود إلينا بواحد من الاستعراضات الفولكلوريّة المعصرنة التي يملك سرّها 24 - 26/8. وبين الحدثين اللبنانيين البارزين اللذين يعوّضان عن نقص فادح في بيت الدين وبيبلوس، سيكون الجمهور على موعد مع الروك المطعّم بالبوب، متمثّلاً بفريق أسطوري من سبعينات القرن الماضي، هو"ديب بيربل"27/7، ومع الجاز المطعّم بالنفس الأميركي اللاتيني كما تقدّمه"فرقة ديزي غيلسبي"الاسطوريّة هي الأخرى، والتي تعود للعام الثاني على التوالي حاملة معها المغنية ديان شور، وريثة إيلا فيتزجيرالد وسارا فون 29/7. وهناك أيضاً موعد مع الرقص الكلاسيكي، من خلال عرضي"مسرح باليه إيفمان سانت بطرسبورغ"4-5/8، وآخر مع أوبرا دونيتزيتي"لوتشيا دي لامرمور"12/8. ولعلّ هذه اللمسات الآتية من عمق الرومنطيقيّة الايطاليّة، تؤكّد على مناخات الحنين التي تستسلم لها بلعبك في ميلادها الخمسين. وعودة فيروز، هذا العام بالذات، إلى القلعة التاريخيّة التي شهدت صعودها، لا يمكن إلا اعتباره تأكيداً على هذا الحنين. تعود فيروز، مع"صحّ النوم"احدى مسرحيات العصر الذهبي للأخوين رحباني 13-15/7. تعود، من دون نصري شمس الدين الذي طواه نسيان الزمن اللبناني المضطرب، لتمثّل وتغنّي في ادارة زياد، الابن الرهيب للمؤسسة الرحبانيّة ووريثها"الشرعي"في الوقت نفسه! وتترك ادارة بعلبك لكركلا وفرقته، مهمّة اختتام هذه الدورة الاستثنائيّة، بعمل لعلّه امتداد معاصر ل" صحّ النوم"، إذ يستعيد - على طريقته - القرية اللبنانيّة العزيزة على الرحابنة، ديكوراً وذريعة. استعراض كركلا بعنوان"أوبرا الضيعة - كلّنا من لبنان". ولسنا ندري إذا كان الجزء الثاني من العنوان من باب السخرية اللطيفة، أو من باب الديماغوجيّة التي تلعب على المشاعر الوطنيّة وخطاب الصلحة والاجماع. يقدم الفنان عمله الغنائي والراقص، بصفته"أوبرا - باليه مستوحاة من الملامح الباقية في التراث". ويجمع"جمهرة من المبدعين"، بينهم عاصي الحلاني وهدى حدّاد، وجوزيف عازار وغبريال يمّين، ورفعت طربيه، ؤزلين لحّود، وسيمون عيد... وهذه"الرحلة الفولكلوريّة في الماضي"التي تقول حكمتها"الصلح بدّو مرجلة... والحبّ بدّو قلب..."، كتب لها السيناريو وكلمات الأغاني الشاعر طلال حيدر، فيما يحمل التأليف الموسيقي والتوزيع توقيع المايسترو محمد رضا عليغولي. ويقوم بمهمّة الاخراج إيفان كركلا، فيما تتولّى الكوريغرافيا أخته أليسار.