كانت هياكل الرومان تسمع قرقعة الحروب من حولها. أعمدتها الضاربة في التاريخ تلتقط صليل العابرين إلى القتال من صوب سلسلة شرقية، لكنها لا تلتفت إلا للشمس الطالعة من خلف كتفيها. هي بعلبك التي قالتها فيروز يوما "يا قلبي لا تتعب قلبك... بتغيب كثير وبتروح كثير وبترجع ع دراج بعلبك"، وليلة أول من أمس عادت مهرجانات بعلبك الدولية إلى أحضان القلعة الرومانية، بعد تهجير قسري إلى العاصمة بيروت العام الماضي؛ بسبب الأوضاع الأمنية مفتتحة موسمها هذا الصيف بعمل غنائي للفنان اللبناني عاصي الحلاني تحت عنوان "عاصي... الحلم". وكانت مدينة بعلبك الواقعة شرق البلاد والقريبة من الحدود مع سورية عرضة لصواريخ وانفجارات بسيارات مفخخة أزهقت أرواحا على امتداد سهل البقاع منذ الصيف الماضي. أقيمت المهرجانات على مدرجات معبد باخوس، وهو أحد المعابد الثلاثة الضخمة التي بناها الرومان لثلاثة من آلهتهم، ويعد باخوس من أفضل المعابد الرومانية حفظا في الشرق الأوسط. قدم عاصي أكثر من عشرين أغنية من الأغاني التي قدمها عبر مشواره الفني، إضافة إلى أغنية خاصة جديدة عن الحلم في بعلبك غناها لأول مرة لهذه المناسبة. كل الأغاني موزعة ومربوطة بشكل قصة حلم من خلال الفصول الأربعة. مشاهد الفصول الأربعة مترجمة من خلال الرقص الإيمائي والتعبيرات من خلال كوريجرافيا فرانسوا رحمة، وإخراج جو مكرزل، إضافة إلى أبيات شعرية تحكي قصة معاناة وصراع للوصول. وانطلق مهرجان بعلبك رسميا في صيف 1956. ومؤسسته زلفا شمعون عقيلة رئيس الجمهورية اللبنانية السابق كميل شمعون وقد استقطب منذ البداية أهم المغنين والراقصين العالميين، إضافة إلى أشهر أعمال الأوبرا، كأوبرا باريس وميلانو. واستقبل عمالقة الفن العربي، ومنهم أم كلثوم والرحابنة وفيروز ووديع الصافي وصباح وصباح فخري ونصري شمس الدين وفرقة عبد الحليم كركلا للرقص الشعبي. غير أن هذه المهرجانات توقفت خلال الحرب اللبنانية لفترة 22 عاما لتعود من جديد عام 1997 وتستمر حتى اليوم.