"كنت أعتقد بأن السينما تقدم لوناً واحداً من الأفلام لا يبتعد عن أفلام"بروس لي"، و"الآكشن الأميركي"، والأفلام الهندية، لكنني اكتشفت أن السينما عالم كبير، يمكن توظيف الكثير من تفصيلاته بما يحقق فائدة كبيرة للطلاب، بحيث يكون نافذة على العالم من جهة، ووسيلة مهمة للتعبير، بعيداً من أي سلوكات سلبية"، بهذه الكلمات عبر سعيد عمارنة، معلم الرياضة في مدرسة الشهيد عز الدين القسام، ببلدة يعبد في محافظة جنين، عن الصورة التي ساهم برنامج"الثقافة السينمائية في المدارس"لمؤسسة عبدالمحسن القطان، في تغييرها عبر سلسلة من ورش العمل. ويضيف عمارنة:"من منظور تربوي استخدام المزيد من الحواس في التعليم من شأنه تحقيق فوائد أكبر للطلاب، وقد ساهم هذا البرنامج، عبر توفير جهاز"دي في دي"في مدرستنا، في عرض سلسلة من الأفلام، والبرامج العلمية والتعليمية، منها ما يرتبط ارتبطاً وثيقاً بالمنهاج، ومنها ما يدخل في إطار النشاطات اللامنهجية، والمثير أن ثمة تفاعلاً كبيراً من جانب الطلاب في التعاطي مع المواد الفيلمية بشيء كبير من التعمق في التفكير، والتحليل أيضاً، حيث إن البعض بدأ يطور من قدراته الأدبية في اتجاه كتابة السيناريو. ويركز عزام أبو صبحة، معلم الفيزياء في مدرسة يطا الثانوية للبنات بمحافظة الخليل، على عنصر المتعة لدى الأطفال، عبر عرض سلسلة من الأفلام المتنوعة، مشدداً على أن"المتعة، التي يفتقدها طلاب المدارس الحكومية، ستساهم بشكل كبير في دفع الطلاب وتشجيعهم في دراستهم، وتحصيلهم العلمي، علاوة على الفائدة الكبيرة، من الناحيتين الثقافية والفكرية لمثل هذه الأفلام. ويشير عطية القيق، المعلم في مدرسة الأم الثانوية بضاحية البريد، قرب القدسالمحتلة، إلى الفائدة التي يجنيها المجتمع المحلي المحيط بالمدارس، ويتحدث عن أربعة عروض سينمائية شهرية تنظمها المدرسة، ويدعى لها الطلاب، ومؤسسات أخرى كجمعية دار اليتيمات، على سبيل المثال. بينما يؤكد محمد الوراسنة، المعلم في مدرسة الراشدين للذكور في الخليل، على أهمية البرنامج في كسر الصورة النمطية السلبية التي يحملها الكثير من المعلمين والطلاب عن السينما، التي أدركوا أنها قد تحمل الكثير من الرسائل الإيجابية. ونظمت مؤسسة"القطان"في رام الله، قبل فترة، ورشة العمل الثالثة للمعلمين باتجاه تطوير الثقافة السينمائية، ونقل مفاهيم"التحليل، والربط، والنقد"عبرهم للطلاب. ويقول عمر القطان، عضو مجلس أمناء مؤسسة"القطان"، مدير المشروع الفلسطيني للمرئي والمسموع، والمشرف على ورش العمل:"ثمة اهتمام كبير، وشغف رائع بتنا نلمسه داخل المدارس الحكومية، باتجاه تعميم الصورة السينمائية، وسيلة للتعليم، والتثقيف، والمتعة أيضاً، وساهم المعلمون في هذا البرنامج بشكل كبير في ذلك... في هذه الورشة ركزنا على مفهوم صناعة السينما، وتفاصيل تكوينها. وفي هذا السياق عملنا على تحليل واقع السينما الفلسطينية والعربية اليوم، بحيث يدرك الطالب أن الإنتاجات"المرئية والمسموعة"وليدة عملية صعبة ومعقدة، تواجهها مشاكل كأي صناعة أخرى، خصوصاً في فلسطين، التي تعاني من الاحتلال، وقلة الخبرة التقنية، وغياب البنية التحتية، ما يحول دون تكوين صناعة سينمائية في الأراضي الفلسطينية". استدراج واشتملت الورشة على عروض لأفلام عربية وأميركية وروسية، حيث يتم تحليل هذه الأفلام، وإمكان استخدامها لاستدراج الطلاب باتجاه المشاركة في أي من عناصر صناعة السينما، وهذا ما كان في الأشهر السابقة، حيث دفعت إحدى المعلمات طالباتها لصناعة فيلم قصير بجهود ذاتية. في حين يبدي عدد من الطلاب اهتماماً كبيراً بالربط بين السينما والأدب..."في الورش الماضية تحدثنا عن تاريخ السينما بالمجمل، وتاريخ السينما الفلسطينية. وعن الجماليات في السينما بشكل عام، والآن نعمل بشكل مكثف في"التحليل"بحيث لا يبقى الطالب والمواطن الفلسطيني بالمجمل، مستهلكاً للمادة الفيلمية، بل يعمل على تحليلها، ما من شأنه تعزيز ثقته بنفسه في التعاطي معها، ويشجعه للانضمام للعمل في هذا النوع من الصناعة، سواء كمخرج، أو منتج، أو مصور، أو كاتب سيناريو... نحاول أن نمزج بين الجمالي والنقدي والتاريخي والتعليمي". ويقول عمر القطان هذا مؤكداً الإنجازات المهمة لبرنامج"المرئي والمسموع"الذي تنفذ المؤسسة جزءاً منه بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي في المدارس، ويقول:"من الطبيعي أن ثمة تفاوتاً بين مدرسة وأخرى، ومعلم وآخر، لكن لا شك أن ثمة إنجازات مهمة، منها أن إحدى المدارس الحكومية في بلدة يعبد، قرب جنين، عرضت بمبادرة منها، فيلم"الجنة الآن"لهاني أبو أسعد، وحضره 1200 طالب من البلدة، والبلدات المجاورة". وحول ما إذا كان برنامج الحكومة الفلسطينية الجديدة قد يؤثر باتجاه ما على البرنامج، يقول القطان:"لا أعتقد ذلك... من الصعب الاصطدام مع ثقافة شعب تعددي، خصوصاً أن السينما في المدارس، لم تعد جزءاً من نشاطات الطلاب فحسب، بل من توقعاتهم أيضاً، لذا فإن أي عرقلة لهذا البرنامج أو غيره ممن يركز على تفعيل الفنون، والموسيقى، والدراما في المدارس، سيترتب عليه خسائر كبيرة للجميع". ويستفيد من البرنامج 14 مدرسة في محافظاتالضفة الغربية، وپ5 مدارس في غزة، وبين التقرير المرحلي للبرنامج عن الفترة من أيلول سبتمبر 2005، وحتى شباط فبراير 2005، نجد أن البرنامج لاقى استحساناً ورضا كبيرين عند إدارات المدارس من دون استثناء، حتى أن في بعض المدارس بدأ المعلم المشرف، مسبقاً، بالعمل على تشكيل الصفوف التي ستقوم بالاشتراك في هذا البرنامج، حيث تركت حرية الاختيار للطالب نفسه للاشتراك، نظراً إلى أن بعض المدارس يقوم بتطبيق البرنامج بعد أوقات الدوام الرسمي ضمن الحصص اللامنهجية. وفي مدارس أخرى شكلت لجنة باسم"لجنة برنامج الثقافة السينمائية"، حيث اختيرت مجموعة من الطلاب للمشاركة في هذه اللجنة، وعمل برنامج دعائي لها، لتحفيز الطلاب الآخرين للانضمام إليها وتنشيطها، الى حين البدء في تنفيذ البرنامج وعرض الأفلام المقترحة.