لا شك في أنّ الحديث النقدي حول الأفلام السينمائية ولا سيما داخل الورشات التي أصبحت تقليداً يرتبط بالكثير من المهرجانات السينمائية المغربية أمر يتسم بمقدار كبير من الإيجابية. ذلك أن هذا الحديث النقدي ينبني ويتأسس على مشاهدة العديد من الأفلام السينمائية العالمية من جهة والأفلام السينمائية العربية ومن بينها الأفلام السينمائية المغربية بطبيعة الحال، من جهة أخرى. وهو إلى هذا وذلك يسمح للمنتسبين إلى الورشة النقدية بالمناقشة في ما بينهم وطرح مجموعة من الأسئلة على الناقد السينمائي الذي تمت عملية اختياره لتنشيط وتسيير هذه الورشة النقدية السينمائية التي هي في الغالب تُقام تحت عنوان «ورشة القراءة الفيلمية». وهي ورشة تقام إلى جانب كل من «ورشة الإخراج السينمائي» و «ورشة كتابة السيناريو». والحقيقة أن إيجاد نوع من التكامل بين هذه الورشات السينمائية الثلاث هو ما يمنح للمنخرطين فيها فرصاً عديدة للتلاقي والتحاور في ما بينهم، ويجعل التكوين السينمائي حاضراً بقوة في المهرجانات السينمائية ولو في شكل أولي تشجيعي. وهو ما وجدناه حاضراً بقوة في أغلب المهرجانات السينمائية المغربية التي حضرناها وتتبعنا أشغالها. صحيح في هذا السياق أن النقد السينمائي قد يتخذ هنا طابعاً أكاديمياً أو على الأقل شبه أكاديمي، لا سيما حين يتم التركيز في ورشة النقد السينمائي على القراءة الفيلمية التي تنحو منحى التحليل الأكاديمي، والذي غالباً ما يخضع للقراءات ذات الطابع المنهجي وفق تصور سيميائي تأويلي أو وفق تصور تأويلي منفتح على التفكير الفلسفي في بعده الجمالي والأنثروبولوجي بالخصوص. وذلك تبعاً للاختصاص النقدي الذي يمارسه الناقد السينمائي الذي يشرف على هذه الورشة، حيث يتم التركيز فيها على مختلف مكونات الفيلم السينمائي ليفتح المجال بعد ذلك للإجابة عن الأسئلة التي قد توجَّه من لدن المنخرطين في الورشة. أما في خصوص الأفلام السينمائية التي يتم اختيارها في الغالب في هذه الورشات النقدية التحليلية، فهي أفلام سينمائية عالمية تكون قد شكلت منعطفات حاسمة في التطور السينمائي العالمي، وبالتالي تكون قد تجسدت فيها كل معالم هذا التميز السينمائي وفق المدرسة السينمائية التي تنتمي إليها. وهو ما يمنح للمنخرطين فرصة التعرف على بعض أهم الأفلام السينمائية العالمية مثلما هو الحال مع أفلام المخرج الروسي الشهير أندريه تاركوفسكي أو أفلام السينما الواقعية الجديدة الإيطالية وفي مقدمها الفيلم السينمائي الرائع «سارق الدراجة»، هذا الفيلم السينمائي الذي أنتج سنة 1948 والذي هو من إبداع المخرج الإيطالي فيتوريو دي سيكا، ويحكي قصة رجل فقير يبحث في أحياء وشوارع مدينة روما عن السارق الذي كان وراء سرقة دراجته التي من دونها لا يمكن له الاستمرار في عمله ويرافقه في عمل بحثه المضني هذا ابنه الصغير. وقام ببطولة هذا الفيلم السينمائي كل من الممثل الإيطالي لامبيرتو ماجوراني في دور الأب، والطفل إينزو ستايولا في دور الابن. وفي خصوص السينما العربية فغالباً ما يتم الوقوف في بعض هذه الورشات عند أفلام صلاح أبو سيف أو أفلام يوسف شاهين، من دون أن ننسى الفيلم السينمائي العربي القوي «المومياء» للمخرج المصري شادي عبد السلام. لقد شكلت هذه الورشات السينمائية منارات مضيئة ضمن فقرات المهرجانات السينمائية بحيث نجد أن عدد المنخرطين فيها يتزايد باستمرار، كما نجد أن المخرجين السينمائيين وكتاب السيناريو ونقاد السينما المغاربة يحرصون هم كذلك على عملية تسييرها والتكلف بإدارتها، فهي تمنحهم فرصة الالتقاء مع مهتمين بالمجال السينمائي الذين يشكل نسبة الطلاب منهم الغالبية مع وجود أساتذة ومهتمين من بقية المهن الأخرى ضمن هذه الورشات. وهم جميعهم تجمعهم الرغبة القوية في المعرفة السينمائية ويجمعهم المزيد من التعمق فيها. كما يُوحدهم أيضاً الشغف بالمجال السينمائي والحرص الشديد على تطوير أدوات اشتغالهم فيه، كل وفق نوعية اختياره والورشة السينمائية التي تلبي اهتماماته الفنية. إنّ مثل هذه الورشات السينمائية ومنها تحديداً ورشات القراءة الفيلمية، تمنح للشباب المهتم بالمجال السينمائي فرصة التعبير عن وجهة نظره في الأفلام السينمائية التي يشاهدها وتدفع به بالتالي إلى كتابة تحليلية لها والقيام بعملية نشرها في ما بعد. وهو أمر يسمح بظهور نقاد سينما جدد تظل الساحة النقدية السينمائية المغربية في أمس الحاجة إلى وجودهم فيها. وهو ما وجدنا على سبيل المثال هنا، أن مهرجان «تاصميت للسينما والنقد ببني ملال» يحرص عليه حين يخصص في شكل أساسي جائزة للمقال النقدي بعد الانتهاء من أشغال الورشة النقدية التي تقام فيه.