يبدو، ولخصوصية ما، سوف نستخدم مصطلحات من نوع " سينما سعودية " و " إنتاج سينمائي " و " فيلم سينمائي " على النسق المرئي والمسموع والمتحرك الذي تنامى ظهوره مؤخراً، بدلا من إطلاق عبارة " ما يسمى سينما سعودية " التي درجت مؤخراً، ونعلم جميعاً أن هناك أعمالاً صورت بواسطة كاميرا الفيديو، وبعض آخر أستخدمت فيها التقنيات الرقمية والحاسوبية، وفي جانب ثالث نجد أن غالبية أفلام الرسوم المتحركة " الكارتون " السعودية المنتجة لغاية الآن لم تستخدم الرسم اليدوي واستعاضت عنه بالرسم الإلكتروني، ما دفع بمنتجيها لإطلاق مصطلحات مثل " أفلام تحريك " و " أفلام رسومية " وهي مصطلحات جديدة لم يسبق أن تداولت عالمياً، بحسب معرفتي، بل وأن هذا الإنتاج،في معظمه، لا تنطبق عليه تماماً أشراط الإنتاج السينمائي المعروفة في أي مكان في العالم . لهذا سنتفق بأن هناك فريق من هواة إنتاج الأفلام إهتم بالسينما الروائية القصيرة، رغم إبتعادهم عن أساسيات تنفيذ الفيلم القصير، فظهرت غالبية أفلامهم بما يكشف عن ضعف في التناول وضيق في المخيلة السينمائية، وتبينّ أن جل الأفلام تعاني من هزال السيناريو وركاكة التمثيل، وبُعد المضامين عن روح البيئة وسبر ثقافتها العميقة، الى جانب التوظيف غير المتقن لبقية العناصر المكونة للفيلم، وأهمها غياب حساسية إحتساب الزمن في المونتاج، ويعلو هذا وذاك ضبابية بعض الأفكار في أذهان المخرجين، خصوصاً لمن حاول الإشتغال على الإتجاه الرمزي . في ذات الوقت لا يكمن هضم إجادة بعض المخرجين لعناصر بعينها في أفلامهم، فبعض يجيد تحريك الكاميرا وإختيار زوايا الإلتقاط، وبعض يوفق في إختيار الموسيقى المصاحبة أو المؤثر الصوتي، وثالث يجيد إدارة حركة الممثلين ..لكن السينما،كأي عمل فني، لا تعترف إلا بالأعمال المتكاملة التي تتوافر فيه الحدود الدنيا من الحبكة الإخراجية . ولعلنا ندرك جميعاً أن العالم مازال في حاجة ماسة إلى الاستفادة من الدور الذي تلعبه السينما الروائية وخاصة في إطار الاتصال الثقافي بين الدول والشعوب ..لأن في استطاعتها تناول كثير من الموضوعات الحضارية والثقافية والاجتماعية ومعالجتها بأساليب تغري على متابعتها والإستمتاع بها، بل والاستفادة منها ..لاسيما وأن السينما قد درجت منذ فترة طويلة على دبلجة الأفلام بالصوت واللغة التي يفهمها أهل البلد أو بالترجمة المكتوبة، الأمر الذي يضمن مشاهدة الفيلم في أكثر من بلد ولأكثر من شعب وتكون النتيجة مزيداً من التلاقي الثقافي بين الشعوب ومزيداً من التفاهم والتعارف وربما السلام والرفاهية . واقع معظم أفلامنا يخبرنا أن المخرجين قاموا بأنفسهم بكتابة السيناريو عدا قلة وتدخلوا مباشرة في الإنتاج والتصوير والموسيقى، ويستطيع المتتبع لهذه التجارب أن يرى الفقر الواضح في كتابة السيناريو التي تعكس وهن المعالجات الفكرية والفنية، مع أن ثمة نشاط كتابي متصاعد تشهده المملكة في حقلي الرواية والقصة، لكن برغم ذلك ظل السيناريو خارج دائرة الحياة الثقافية، فلا يوجد كتّاب سيناريو متخصصون، بإستطاعتهم إعادة كتابة النصوص الأدبية بما يناسب السينما أو ابتداع سيناريو من وحي أفكار مبتدعة تكتب للسينما قصداً، أو حتى صناعة ديكوباجات سينمائية معقول، ذلك والجميع يعي بديهية القاعدة القائلة : " لا صناعة لفيلم ناجح دون سيناريو جيد " . هذا الافتقار الى كتّاب السيناريو المحترفين يصل تأثيره الى حد التوقف عن العمل السينمائي بأكمله، أو ظهور أفلام بمستوى متواضع .ولذلك يربط النقاد نجاح الفيلم بالسيناريو الجيد وبالفكرة الواضحة العميقة والمعالجة الموضوعية عبر اللغة السينمائية، وليس عبر لغة التلفزيون التي تأثر بها الهواة، فبدت أعمالهم كتمثيليات تلفزيونية .وتؤكد الحقيقة العلمية أن السيناريو حرفة لا يتعلمها المبتديء الا عبر طريقتين أولهما الممارسة والتجريب، وثانيهما الدراسة الأكاديمية المصقولة بالتدريب ..فهو نوع أدبي أصيل يحدد تفاصيل الحوار بكلمات وألفاظ وربما بلهجات محددة، ويرشد فني الكاميرا الى الحركة التي يجب أن تتخذها والزوايا التي عليه أن يصوب نحوها وينصح فني الجمع والتركيب " المونتير " بحجم وطول اللقطة وما يناسبها من مؤثر صوتي أو موسيقي، بل وأدهى من ذلك إذ يحرك مخيلة المخرج . لا يغيب على المخرج المبدع أنه ينبغي عليه أن يأخذ دوره في البحث عن موضوعات يمكن إستثمارها وتحويلها الى سيناريو يكشف من خلاله خبايا إمكاناته في تجسد النص وتطويعه ضمن معارفه وخبراته، مع إلمامه بتقنيات التصوير والمونتاج والمزج الفني " المكساج " ، وعليه أن يتولى إدارة الفنيين ويشارك في تصميم الأزياء والإضاءة و " المكياج " .فالإخراج السينمائي تصور تعبيري متكامل لكيفية رواية موضوع معين بأسلوب خاص لإحراز التأثير المطلوب .لذلك فإن التعاون بين المخرج ومنفذ الإخراج وكاتب السيناريو ومدير التصوير وفني المونتاج، له أثر حاسم في إنجاح الفيلم أو إخفاقه، وهذه الحقائق نفترض أن يدركها المخرجون المبتدئون نظرياً، ولكنهم عملياً بعيدون عنها . إن كثير من مهام مخرج الفيلم الروائي الطويل تنطبق على مخرج الفيلم الروائي القصير، وما يحدث في واقعنا الراهن هو التسرع والإعتقاد من قبل المخرج الهاو أنه يمتلك كل شيء في تنفيذ الفيلم القصير، غير مدرك للفارق الكبير بين إمتلاك كل شيء وإدارة تنفيذ العمل .هذا التسرع والركض المحموم للإلتحاق ببعض المهرجانات الإقليمية يتسبب في تدمير هذه الفورة الشبابية، ولا يعاب هنا على المهرجانات فهي تهدف الى بث الحماسة، وإن كان يؤخذ عليها قبول الأفلام غير الجيدة دونما إشتراطات مسبقة .لكن الخطيئة تقع على الراكضين وراء الشهرة والهالة الإعلامية الكاذبة وهم في كل الأحوال ليسوا مبدعينن حقيقيين . هؤلاء المخرجين عليهم دراسة مشاريعهم بشكل عقلاني قصد إقناع المنتجين القادرين وشركات الإنتاج بجدية أفكارهم ..لإقناعمؤسسات الدعم الأجنبية،وهم أهل خبرة، بأهمية مشروعاتهم ..هذه الموجة من المخرجين الهواة تجعل من طريقة الاشتغال هذه وسيلة لتحقيق أحلامهم السينمائية وذريعة ذكية لفتح آفاق أرحب نحو تجاربهم، وتجاوز بعض العوائق السينمائية التي لا تجعل حقل الابداع الفيلمي لكل من لمس في نفسه القدرة على الإبداع .ثمة مخرجين واحد أو إثنين أثبتوا تمكنهم من تنفيذ الفيلم القصير في الخارج بعدما عجزوا عن تحقيق مشاريعهم السينمائية بالداخل، أو ربما سنحت لهم الفرصة فاستطاعوا أن يجترحوا تجارب بصرية مغايرة ولكنهم متوارون في الخفاء من فرط وعيهم بحقيقة الوهن القابع في الداخل . إن إشكالية الفيلم القصير مثار جدل يتجدد بتجدد القراءة الفيلمية المجردة، القراءة التي لاتبحث في السينما الا عن " حكاية " ، القلق المضني الذي يختصر الكائن في أنه كائن حكاء، انسان ما يقرأ حياته على أنها حكاية طويلة تمتد بامتداد فطرة السرد التي غرست في ذاته . وسرعان ماتكتسب المسألة إطارا أوسع عندما يجري تحليل الفيلم القصير على انه نمط من أنماط الحكاية، وبذلك يتكون التلقي المربوط في وجه من الوجوه بالحكاية ذاتها . اذا ..هنالك من يحكي ومن يحكى له، هذا هو الهاجس ..منذ مطولات الف ليلة وليلة الدالة على هذا التشابك للمرويات والسرد الحكائي المجرد، ...عندما يترسخ وجود فرد نهم للحكاية، مأخوذ الى نمطية تفرغ أي شكل من محتواه، يصعب حينئذ إنبناء مخيلة سينمائية مبدعة ..لكن، إذا كان هنالك تدفق متكامل للبناء السردي المروي وتكثيف متنوع، عبر الموروث والمكتسب لدى المتلقي من أساطين الدراما العالمية .إذا كان هنالك مثل هذا التدفق المعبر عن البنية الروائية ..سيدرك المشتغل بسينما الأفلام القصيرة حقيقة المساحة الزمانية والمكانية الحكائية للفيلم القصير . ثم أن إعتياد الجمهور المحلي والعربي، عبر سنوات من التلقي المكرور، على تلك التوليفة الشائقة المتكاملة التي يمثلها الفيلم الطويل تبقيه حائراً في " أين يضع الفيلم القصير من أولويات المشاهدة لديه؟ " فالفيلم القصير ليس فيلماً تسجيلياً يطغى عليه الحس الخبري ويعمقه التواجد التكنولوجي المتمثل في الفضائيات ومحطات التلفزيون الأرضية ..إذا هنا مفصلية مبهمة وغير واضحة الملامح تكمن في أين يصنف الفيلم القصير وما موقعه جماليا في إطار التلقي المجرد ..وهو تداخل ربما قاد الي البحث في " ثيمة " أو " ثيمات " الفيلم القصير .أين هي الدراما وأين هي الحكاية، وأين هي أدوات تكثيف المروي سواء الشفاهي أو الكتابي ونقلها الى السينما ؟ .وفي كل الأحوال واقعيا لايمكن قراءة الفيلم القصير على أنه امتداد عملي " مضغوط ومكثف أو موجز " للفيلم الطويل، كما لايمكن عد القصة القصيرة تكثيفاً واختصاراً للرواية، فكيف نفهم الفيلم القصير في موازاة الفيلم الطويل وفي موازاة الفيلم التسجيلي . أيضاً تبرز مشكلة تتعلق بالمنظومة التي يتحرك في فضائها هذا النسق المرئي والمسموع والمتحرك، منظومة التجنيس التي تؤهل الفيلم القصير لأمتلاك خواصه المعبرة عنه والتي تيسر فاعلية تداوله .هذه المنظومة التي ترسم حدود الشكل الأبداعي للفيلم وتميزه عما سواه من الوسائط الإنتاجية الأخري كالأقراص المدمجة أو الأنظمة الرقمية أو فن الفيديو .ربما هي جدلية مخالفة لما هو سائد من مفاهيم ومعطيات تعد الفيلم القصير كيانا متحققا واقعيا وهو جزء من فاعلية تجريبية وانتاجية لا أكثر، فهو ليس جزءا من ذلك الزخم الذي يستند اليه الفيلم الطويل . غير أن إتجاه عدد من هواة إنتاج الأفلام الى السينما التسجيلية والوثائقية القصيرة، يعد أمر بديهياً باعتبار أن هذا الإتجاه يشكل أهمية بالغة بالنسبة لهؤلاء الهواة في التجريب الفعلي، فحراكهم بمثابة تحقيق للوصية الشائعة القائلة : إذا أردت أن تصبح مخرجاً فاحمل الكاميرا وأخرج الى الشارع، لهذا لن نختلف بأن جانباً هاماً في صناعة السينما يكمن في إنتاج الفيلم التسجيلي الوثائقي، فهو الطريق الأقرب الى حمل الكاميرا والخروج الى الشارع . وفي هذا المقام ندرك أن هناك مؤسسات تلفزيونية فضائية مملوكة لقطاعات خاصة تنتج هذا النوع من الأفلام، لأغراض علمية ومعرفية وأحياناً سياحية تعريفية تصب في خانة التثقيف، وهذه الأفلام أصبحت تنتج بحرفية عالية لتحقق جانب المتعة والمعرفة للمشاهد، وقد نجحت في ذلك نجاحاً باهراً، للدرجة التي دفعت بعض المؤسسات لأنشاء محطات متخصصة تبث طوال الوقت أفلاماً تتناول موضوعات مثل : إكتشافات أعماق البحار، أو رصد التفاعلات الجيولوجية والبراكين وتبعات الزلازل وبواطن الغابات، وعن حياة الطيور والحياة البرية والمعادن والثروات الأرضية والبحرية، وكذلك عن الصناعات وصحة الإنسان ومواقع الآثار القديمة ..وعن آثار تقلبات الطقس ومشاكل البيئة وعجائب الأقليات البشرية المتناثرة في بقاع نائية من كوكبنا الأرضي، وغير ذلك من الأفلام التسجيلية التي لا تبقي على أمر إلا وصورته وحللته ونقلته في لغة سينمائية ماتعة لتبث رسائل جمالية وعلمية شيقة، وهي لا تتحقق إلا بتضافر عدة مجهودات وخبرات وميزانيات مدروسة . من هنا وبهذه الحراك الاحترافي باتت مهمة المخرج الفرد شديدة الصعوبة، وضاق الخناق على المشتغل بالسينما، خصوصاً على السينمائيين السعوديين المبتدئين الذين لا يمتلكون الخبرات والإمكانات الكافية ولا دعم القطاع العام أو الخاص، فكان معظم ما أنتجوه لغاية الآن لا يشبع ذائقة المشاهد، ولا يرضي نهمه . لذلك كله سنقنع أنفسنا، على سبيل التفاؤل، بأن هذه الإنتاجات ما هي إلا دروس وتدريبات على العمل السينمائي التسجيلي الجاد، حتى وإن أتينا متأخرين الى الحلبة نحو ثمانين سنة بعد مرحلة بلوغ الفيلم التسجيلي الى إكتمال نضجه . فتاريخ السينما يسجل أول دولة في العالم ابتدعت هذا الفن من الأفلام هي المملكة المتحدة تليها الولاياتالمتحدةالأمريكية،وأن الفيلم التسجيلي بلغ قمة النضج في فترة الحرب العالمية الثانية . أنتجت المملكة المتحدة فيلماً تسجيلياً سنة 1929 وعنوانه " Drifters التائهون " وتم تصويره في بحر الشمال ويحكي عن الحياة اليومية لصيادي أسماك الرنكه Herring Fishermen ثم توالي إنتاج عدد من الأفلام التسجيلية .وفي الولاياتالمتحدة أسهمت فترة الكساد في التدهور الاقتصادي في الثلاثينات في إتاحة الفرصة لإنتاج عدد من الأفلام التوثيقية التي تصور The " وفيلم " النهر 1936 " عام The Plow That Broke The Plain تلك المرحلة أشهرها فيلم " المحراث الذي شق الأرض .إننا بإيراد هذه النماذج عن صناعة الفيلم التسجيلي نؤكد على حقيقة أن هذا النوع من صناعة السينما 1937 سنة River يحمل رسائل هامة تختلف عن تلك التي تتضمنها الأفلام الروائية وأن السينما ذات التاريخ العريض والتي سبقت وسائل الاتصال الالكترونية لم تعتمد فقط على الفيلم الروائي كما يعتقد الكثيرون ..بل أن للسينما التسجيلية رسالة إتصالية تضاهي تلك التي تقوم بها الوسائل الأخرى مع اختلاف الشكل والمحتوى وطريقة الوصول إلى الجمهور . لقد درجت العادة في مختلف أنحاء العالم حتى منتصف الخمسينات على عرض شريط الأخبار News Reel حيث كان يُعرض قبل بداية الفيلم في دور السينما العامة ..وعلى عرض الأفلام الوثائقية في الأندية والجامعات والمدارس والمكتبات ومراكز الثقافة ..وكانت تلعب دوراً هاماَ في تزويد الجمهور بالمعلومات والمعرفة والعلوم، ثم إختفت تلك الظاهرة الآن في كثير من البلدان بعد ظهور التلفزيون، وما نشير إليه هنا هو أن يضع منتجو الأفلام التسجيلية والوثائقية السعوديون نصب أعينهم على العرض من خلال التلفزيون، خاصة وأنه لاتوجد دور للعرض في بلادنا، وأن واقعنا الحالي لا يتيح عرض الأفلام بطريقة جماهيرية بغير وسيلة التلفزيون، رغم إستحداث تقنيات الشبكة العنكبوتية، فما يقدم من السينما التسجيلية للتلفزيون يجد طريقه الى الملايين، وما يختاره التلفزيون يكشف عن نجاح ذلك الفيلم . من مقدمة كتاب " فيلموغرافيا السينما السعودية "