منذ شُكلت الحكومة بين أكبر حزبين فاعلين على الساحة الألمانية، الحزب الاشتراكي الديموقراطي، والاتحاد المسيحي الديموقراطي، المتحالف مع الاتحاد المسيحي الاجتماعي، برئاسة المستشارة المحافظة أنجيلا مركل، توقع البعض ألا يدوم هذا التحالف، بين تيارين لطالما تنافسا على حكم ألمانيا منذ عقود. غير أن تقويماً سريعاً لما جرى، يظهر أن سياسة مركل واضحة، في نزع أي فتائل تفجير يمكن أن تؤدي بالحكومة الى الفشل او التفكك. واذ تُسلط بعض الصحف الالمانية أحياناً الضوء على قضايا خلافية، وتصف الحكومة بأنها في وضع المترنّح، يبدو أن رصيد هذه الحكومة، على الأقل، شعبياً، لا يزال في وضع مطمئن. ظهر هذا جلياً من خلال نتائج الانتخابات المحلية التي جرت الشهر الماضي في ثلاث ولايات ألمانية هي: بادن فورتمبورغ جنوب غرب وراينلاند بفالتس نانيا غرب وساكسونيا انهالت شرق، إضافة الى الانتخابات البلدية في ولاية هيسن. فقد كانت هذه النتائج، بمثابة تقويم لنهج حكومة الائتلاف، بحصول أعضاء القطبين، الاتحاد المسيحي الديموقراطي والحزب الاشتراكي الديموقراطي على النسب الأعلى في هذه الانتخابات. من خلال هذه النتائج، يمكن ملاحظة بقاء الحزبين"المؤتلفين"في الحكومة الحالية، في المركز الاول، على رغم تراجع حجم النسب، بسبب تراجع عدد المقترعين. وهذا ما ينطبق عليه ما ذكرته الكاتبة في صحيفة"برلينر تسايتونغ"بريجيت فيرلي، في 31 آذار مارس عندما قالت:"بينت هذه الانتخابات المحلية، في الاسابيع الماضية، قوة الطرفين الحاكمين وضعفهما في آن". لكنها ألمحت الى ان الاشتراكيين الآن في وضع مريح، أكثر من المحافظين"يبدو ان المستشارة في مأزق"، قالت، معتبرة أن أداء مركل على المحك، وهذا يشير الى تقدم الاشتراكيين". في موازاة هذه الانتخابات، صعدت الى الواجهة المشكلات الداخلية التي تهم المواطن الألماني، مع وجود أكثر من خمسة آلاف عاطل من العمل، وظهور اهتمام واضح في الصحافة، بضرورة معالجة بعض الأزمات مثل النظر بقانون الحماية من الصرف التعسفي من العمل وغيرها من مشكلات اقتصادية، تعني الناخب الالماني أكثر من موضوع تعزيز مركل لوضعها ووضع حزبها في الساحة الدولية. ويمكن القول ان الخريطة السياسية لم تتغير كثيراً في الولايات الثلاث، باستثناء صعود"اليسار الجديد"تحالف الحزب الشيوعي السابق والمنشقين عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي، في الانتخابات البلدية في ولاية ساكسونيا - انهالت، في حين تراجع الحزب الليبرالي الاحرار الديموقراطيون في ولاية"بادن - فوتنبرغ"، لا سيما ان هذا الحزب ارتبط بتحالف تاريخي مع الحزب المسيحي. في الواقع، تحتل الانتخابات في ولاية بادن فورتمبورغ أهمية أكثر من غيرها من الولايات التي جرت فيها الانتخابات، لكونها الاكثر ازدهاراً في المانيا، وهي تعتبر مقراً للشركات الكبرى مثل"دايملر- كرايسلر"و"بورشه"وثالث مجموعات الطاقة الالمانية"اين بي في"، كما تشهد ادنى نسبة بطالة 7.2 في المئة في البلاد على رغم الزيادة السكانية التي تسجل ثلاثين ألف نسمة كل عام منذ 2001. وتحتل بادن فورتمبورغ بسكانها البالغ عددهم 7,1 مليون نسمة المرتبة الثالثة بين المقاطعات الالمانية في عدد السكان. پ هذا في حين تعتبر ولاية راينلاند بفالتس من أصغر ولايات المانيا وتضم مواقع سياحية عدةپويبلغ عدد سكانها أربعة ملايين نسمة وعاصمتها ماينز. ويطلق على هذه المقاطعة اسم"حاملة طائرات الأمة"نظراً لكثرة القواعد العسكرية الالمانية والاجنبية وخصوصاً الاميركية التي كانت فيها. وتشتهر هذه الولاية خصوصاً بالصناعات الكيماوية والدوائية والمعدّات الصناعية. وعلى رغم وصف بعض المراقبين نتائج الانتخابات المحلية في الولايات الثلاث بما يشبه المبايعة للحزبين الحاكمين وتجديد ثقة المواطنين بالأحزاب الكبرى، اعتبر آخرون ان انخفاض نسبة المقترعين خسارة للديموقراطية، وتخوفوا من ان يكون هذا التراجع مقدمة للتراجع على المستوى السياسي.پ ولعل ما صرح به البعض، من أن النتيجة هي بمثابة رسالة للمسؤولين كي يسارعوا الى معالجة القضايا العالقة على المستوى الداخلي، يجانب الصواب. پويأتي هذا في وقت اعتبرت صحيفة"فايننشال تايمز ألمانيا"ان الانتخابات"لن تساهم في دفع عجلة المعالجة الى الأمام، طالما ان الائتلاف الكبير يظل ائتلاف الإمكانات المحدودة". غير أن التطورات التي شهدتها القطاعات الاقتصادية في الأسبوع الأخير، لا سيما ما أظهرته بيانات معهد الأبحاث الاقتصادية إيفو، يبرهن على حجم الارتياح الذي يعكسه الأداء السياسي للحكومة، وفي الوقت نفسه يعزز ارتياح الشارع تجاه سياسة التحالف على رغم وصفها بالمترنحة. وقد أظهرت البيانات المذكورة أن مؤشر قطاع الأعمال في ألمانيا ارتفع إلى أعلى مستوى له منذ خمسة عشر عاماً، وتتوقع الشركات تحقيق ايرادات أكبر في الفترة المقبلة. وساهم ذلك بدفع سعر اليورو الى الاعلى مقابل الدولار الاميركي والين الياباني. وهذا الوضع الذي بات من أولويات اهتمام المواطن الالماني، دفع المراقبين الاقتصاديين إلى التفاؤل بقدرة الاقتصاد على تحقيق مستوى أعلى من النمو خلال الفترة المقبلة. وتعكس هذه المؤشرات من دون شك حالة صحية في الاقتصاد الألماني وتعبر عن تعافيه من حالة الركود التي عانى منها في السنوات الماضية. أما في ما يتعلق بنسبة النمو السنوية المتوقعة، فإن الخبراء يعتقدون أن تحقيق معدل نمو سنوي في الاقتصاد الألماني بنسبة تترواح بين 2 إلى 2,5 في المئة أصبح ممكناً. وهذا من شأنه صرف تحذيرات الاتحاد الأوروبي المتكررة لألمانيا، بضرورة العمل على زيادة نسبة النمو لتصل الى 3 في المئة على أقل تقدير، لتنسجم مع سياسة الاتحاد الاقتصادية.