عندما وقعت الانفجارات الثلاثة الأولى في منتجع طابا السياحي في تشرين الاول اتوبر 2004، قبضت سلطات التحقيق المصرية على عدد ممن اشتبهت بهم. وحدث الشيء نفسه بعد تفجيرات شرم الشيخ الأكثر عنفاً وضراوة في تموز يوليو الماضي. واختلف موقف السلطات الرسمية في شأن العلاقة بين منفذي العمليتين، فقيل يومها إن بعضاً ممن لم يقبض عليهم في تفجيرات طابا أسهم في تفجيرات شرم الشيخ، وبعدها خرجت مصر كلها تندد بالإرهاب وتعلن عزماً شعبياً ورسمياً على مناهضته. ووسط هذا الغليان، أدخلت بعض الأوساط الأجنبية فكرة تلقفتها أجهزة الإعلام المتعطشة للمعلومات والإثارة وهي الإشارة بالاتهام إلى منظمة"القاعدة"، لكن لم تلبث سلطات التحقيق أن استبعدت هذه الفرضية بعدما ألمحت إلى استحسانها، ربما من دون أن تدرك مخاطر الموافقة عليها، فتوجه التحقيق صوبها. وافترض الرئيس حسني مبارك في أعقاب تفجيرات شرم الشيخ أن"الإرهاب لا يتجزأ أياً كان المكان الذي يقع فيه". ولعل الأسئلة التى أثيرت بعد التفجيرين لا تزال ملحة. وأول هذه الأسئلة: هل هناك علاقة بين التفجيرين؟ والآن هل هناك علاقة بين هذين التفجيرين وتفجير دهب؟ كانت الاجابة على العلاقة بين تفجيري طابا وشرم الشيخ بالإيجاب، وعلى سلطات التحقيق أن تقدم الاجابة الفنية على السؤال. أما السؤال الثاني، فيتعلق بالصلة بين هذه التفجيرات وبين ظاهرة الارهاب في مصر. واتخذت الاجابة خطين، خطًا يرى أن وراء ما حدث في شرم الشيخ جيلاً جديداً من الإرهابيين وموجة متجددة من موجات الإرهاب لأنها تستهدف الشعب المصري كما تستهدف الدولة المصرية. أما الخط الآخر الذي بدا مقبولاً فهو أن الإرهاب في مصر انتهى من دون أن تنتهي دواعيه والمطالب التي قدمها، وأن اختفاء الإرهاب في مصر يرجع - ليس فقط إلى المعالجة الأمنية وحدها - وإنما يعود في الأساس إلى رفض المجتمع المصري تعرض أفراده لأضرار فادحة في حياتهم ورفضه الإرهاب الذي تذرع بأنه يستهدف إجبار الحكومة على التفاوض حول طلبات الجماعات الإرهابية، على رغم أن هذه الطلبات هي نفسها طلبات المجتمع المصري. لقد سلم المجتمع في مصر بأن مآسي الإرهاب أضيفت إلى أخطاء الحكومة، فوجد المجتمع نفسه، في شكل ما، في الخندق نفسه الذي تقف فيه الحكومة، على رغم تحفظاته على العديد من القضايا والسياسات. وخلصنا إلى أن الإرهاب في سيناء ملف جديد تجب دراسته بالذكاء الواجب، كما يتعين الاجابة على السؤالين مرة أخرى مضافا إليهما حادث دهب، وما إذا كان حادثاً منفصلاً أم أنه جزء من مسلسل بدأ في طابا، بصرف النظر عن المنظمة التى ستعلن مسؤوليتها عن حادث دهب، إذ يبدو أن أسماء هذه المنظمات وهمية لا تفيد التحليل أو التحقيق. وأقدم ملاحظاتي على حادث دهب في سياق الافتراض بأن إسرائيل ليست بعيدة عن هذا الحادث، حتى وإن عرضت على السلطات المصرية المساعدة في عمليات الإنقاذ، بل إن هذا الطلب نفسه محاط بالشكوك. الملاحظة الأولى: أعلنت مصر عن لقاء في شرم الشيخ بين الرئيس مبارك ورئيس وزراء إسرائيل الجديد إيهود أولمرت في وقت تتعرض فيه حكومة"حماس"لأقسى الضغوط من كل اتجاه لإسقاطها نكاية في الخط السياسي الذي رفعته واتهامها بإغفال الواقع. تؤدي هذه الملاحظة إلى الافتراض بأن من قام بالتفجيرات لا يريد إتمام هذا اللقاء، ما يعطي انطباعات مناقضة للسياق العام، خصوصاً أن هذا اللقاء يمكن أن يساعد في تسوية بين إسرائيل و"حماس"، كما يمكن أن يجري في إطار شرح إسرائيل لوجهة نظرها من"حماس". الملاحظة الثانية: أن تفجيرات دهب هي الحلقة الثالثة على التوالي في سيناء بعد تفجيرات طابا وشرم الشيخ، وكلها مدن سياحية وفي ذروة المواسم السياحية. فإذا كان الهدف هو ضرب السياحة، لوحظ أن السياحة المباشرة من الخارج إلى خليج العقبة لم تتأثر، وكان يخشى ضربها بعد حادث شرم الشيخ وهو الأخطر والأكبر، خصوصاً أن المدينة أصبحت عاصمة مصر الديبلوماسية ومقر الإقامة المعتاد للرئيس مبارك، ولكن السياحة انتظمت بعد هزات خفيفة. الملاحظة الثالثة: أن كل هذه التفجيرات اتهم فيها بدو سيناء، وتردد أنهم تعرضوا لكثير من المتاعب والاحتجاز والتعذيب والضرر خلال عملية التحقيق، ومع ذلك لم تسفر التحقيقات عن نتيجة صالحة للإعلان، أو حتى قادت إلى منفذ التفجيرات. بل إن الحديث عن تورط بدو سيناء ارتبط بالتشكيك في وطنيتهم، خصوصاً خلال الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، على رغم عرض بعض النماذج الوطنية التي قبعت عقوداً في سجون الاحتلال الصهيوني، وهذا بدوره كفيل بتحول ولاء البدو نحو إسرائيل. وكان علاج ذلك كله هو تعمير سيناء، ولكن هذا المشروع القومي الذي نقلت من أجله مياه النيل في ترعة السلام تعطل لأسباب لا يذكرها ولا يناقشها أحد. فهل تعمير سيناء تعارضه إسرائيل حتى لا تنشأ كتلة بشرية وتجمعات سكانية مرتبطة بالأرض وتشكل خط الدفاع الأول إذا عادت لإسرائيل غريزة التوسع في سيناء بعدما قامت بغزوها مرتين عامي 1956 و1967، فيصعب اجتياح سيناء، خصوصاً بعدما أصبحت منزوعة السلاح والوجود العسكري المصري، بصرف النظر عن الجدل العقيم الذي تمسك به البعض لتبرير هذا الوضع غير المتكافئ؟ إذا صح هذا الافتراض، فلماذا وافقت الحكومة المصرية على رغبة إسرائيلية تثير الشك في أطماع إسرائيل في سيناء؟ الملاحظة الرابعة: هل من قبيل الصدفة المحضة أن تقع التفجيرات كلها بالتحديد في مناسبات قومية يحتفل بها المصريون وتتصل بسيناء؟ فتفجير طابا وقع بينما مصر كلها تحتفل بانتصار جيشها الباسل في معركة تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي وفي ذكرى ذلك اليوم من العام 2004. وفي ذكرى ثورة 23 تموز عام 2005، وقعت تفجيرات شرم الشيخ المروعة التي هزت مصر ولكنها لم تؤثر في سياحة البحر الأحمر. وفي ذكرى تحرير سيناء هذا العام 2006، وقعت تفجيرات دهب. إذا أضفنا إلى هذه الملاحظة انطباعات أخرى متصلة بها حول أطماع إسرائيل في سيناء، قد تقترب الصورة الخاصة بعلاقة إسرائيل بهذه التفجيرات من دون الالتفات في هذا التحليل إلى بعض الضحايا من إسرائيل، لأن المخططات الكبرى لا بد أن يكون لها بعض الضحايا. فإسرائيل أكدت دائماً أن سيناء كانت مسرحاً لتهديدها ولم يحدث أن هوجمت إسرائيل من اي اتجاه، وأن سيناء تكون خطراً كلما كانت حكومة القاهرة جزءاً من المنظومة العربية ولها دور عربي ظاهر. فسعت إسرائيل إلى وضع مسافة بين القاهرة والقضية الفلسطينية، ونجحت في ذلك. وأصرت على تحييد سيناء بنزع سلاحها ورفض الوجود العسكري المصري فيها على النحو الذي أوضحه اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل. ولكن إسرائيل لا تقصر نظرتها إلى سيناء على الجوانب الأمنية، وإنما تنظر إلى سيناء من منظور شامل يتصل بجوانب المشروع الصهيوني. فإسرائيل تردد دائماً أنها تعاني من صغر المساحة وانعدام الموارد الطبيعية ولديها مشروع طموح لطرد كل الفلسطينيين من كل الأراضي الفلسطينية، لأنها تريد الأرض بلا سكان، حتى تصبح دولة إسرائيل دولة يهودية خالصة ربما بحلول العام 2020. تدرك إسرائيل كذلك أهمية سيناء ومواردها الطبيعية والمائية، وهي التي استخدمتها من قبل، كما تلحظ أن مصر لم تستفد من سيناء بالشكل المطلوب منذ استردادها، وتشعر بأنها الأجدر بحيازتها واستغلالها بدلاً من تركها. من جهة أخرى، تهدف إسرائيل من شيوع الإرهاب في سيناء إلى الإيحاء بأن الفراغ الأمني المصري ملأه الإرهاب في سيناء، وهو خطر على أراضيها ما يدفعها إلى اقتراح التعاون مع مصر والولايات المتحدة فتصبح سيناء مسرحاً للحملة الأميركية لمكافحة الإرهاب بما يمكن إسرائيل من السيطرة عليها في هذا الإطار، وليس من طريق الغزو والاحتلال. ويكفي أن يعود القارئ إلى كلمة رئيس وزراء إسرائيل إسحاق شامير خلال مؤتمر مدريد للسلام في تشرين الأول 1991 ونظرته إلى سيناء ومقارنته بين المساحة الصغيرة لإسرائيل، في مقابل أكثر من 14 مليون كيلومتر مربع في العالم العربي. يضاف إلى ما تقدم أن لدى إسرائيل برنامج استقدام عدد من يهود العالم خلال المرحلة المقبلة لتبرير التوسع الإسرائيلي. ولعلنا نلاحظ أن إسرائيل تعتقد أن ظروف مصر والمنطقة العربية والنظام الدولي تشكل وضعاً مثالياً لتنفيذ أطماعها. وهذا ما يجعل تفجيرات دهب دليلاً جديداً على صحة هذا التحليل، كما أنه يدق ناقوس الخطر على سيناء التي لم تتوقف إسرائيل عن اختبار ردود الفعل المصرية في شأنها من دون أن نتوقف لحظة واحدة أمام بعض الأصوات المتشنجة التي تطغى على التفكير الهادئ، بشأن قدرة مصر على صد إسرائيل، لسبب بسيط وهو أن إسرائيل لا تريد سيناء من طريق الغزو كما حدث في المرتين السابقتين، ولكن في إطار جديد عنوانه مكافحة الإرهاب والتعاون من أجل السلام الإسرائيلي طبعاً. وأخيرا، فاذا كان المقصود من هذه التفجيرات إظهار عجز مصر عن حماية سيناء من الإرهاب والإشارة إلى الخطر على الأمن الإسرائيلي من جهة مصر، فإن تصوير حادث كنيسة الاسكندرية على أنه دليل على عجز الدولة المصرية عن تحقيق التعايش بين أبناء المجتمع المصري، وهو ما أكده الخطاب القبطي خلال هذه الأحداث، يجعل من الممكن تصور الصلة بين من يريدون المساس باستقلال مصر في إدارة المجتمع المصري، ومن يريدون المساس بسيادة مصر على سيناء، وكلا الهدفين يتحقق بمثل هذه الأحداث. * كاتب مصري.