لا يمكن التخطيط لتوقي تفجيرات جديدة، أو إحياء مدن سيناء السياحية، ما لم نواجه أنفسنا بسؤال جوهري: من قام بهذه التفجيرات؟ وبغير الإجابة المباشرة عن السؤال، نحرث في البحر ونخاطر بضياع سيناء مرة أخرى. فإذا كانت الصلة وثيقة بين تفجيرات طابا وشرم الشيخ من حيث استهداف الموقع السياحي والسياح المصريين وغيرهم، فإن شرم الشيخ لها دلالات أخطر، فهي عاصمة مصر الديبلوماسية، ومقر الإقامة شبه الدائمة للرئيس حسني مبارك ولقاءاته ومؤتمراته، وقد أثبتت التفجيرات ضعف الاحتياطات الأمنية وسهولة اختراقها، ما يكشف ليس فقط ضعف الأمن، بل ربما وجود تواطؤ أمني، ستكشفه التحقيقات. فهل تسمح هذه الصلة بين هاتين الحالين من الأعمال الإرهابية بأن نخلص إلى أن الفاعل واحد وإن تعدد المنفذون؟ وما هي معايير التفسير الملائمة لهذه الأحداث؟ بعبارة أخرى، لماذا التفجيرات، وفى شرم الشيخ، وفى يوم 23 تموز يوليو؟ يمكن أن نطرح ثلاث نظريات في سبيل التماس تفسير هذه التفجيرات، النظرية الأولى، ترى أن القاعدة هي التي نفذت التفجيرين في طابا وشرم الشيخ. ويجب أن نلاحظ أن إسرائيل هي التي أعلنت منذ بداية أحداث طابا أنها القاعدة بعد أن تراجعت عن اتهام حماس في البداية. نعتقد أن اتهام حماس كان يقصد به التمويه، وأن فرض القاعدة على اتجاه التحقيق يهدف إلى إيهام المحقق بسهولة التسليم بذلك، بعد أن أصبحت التكئة العامة لكل حوادث الإرهاب، وهو اتهام يساعد على الانضمام إلى التجريدات الأميركية ضد هذا الأخطبوط. نلاحظ أيضاً أن التحقيق لم يسفر حتى الآن في أحداث طابا عن اتهام جهة بذاتها، وإنما انتهى إلى تقديم بعض المتهمين إلى المحاكمة، التي برئ فيها بعضهم، وقبض عليهم مرة أخرى في أحداث شرم الشيخ. نلاحظ كذلك أن إسرائيل قالت إنها توقعت أحداث شرم الشيخ، مثلما توقعت تفجيرات لندن، ثم حظر شارون على وزرائه التعليق على الأحداث. أما في شرم الشيخ، فتفضل شارون وعرض على الحكومة المصرية التعاون معها لمكافحة"الإرهاب الإسلامي"، وهو العرض نفسه الذي ينفذه شارون ضد هذا العدو مع روسيا في الشيشان، ومع الهند في كشمير. من جهة أخرى، صرح مدير الاستخبارات الحربية الإسرائيلية بأن إسرائيل مطمئنة تماماً إلى أن القاعدة لن تهاجمها. وهذه ملاحظة مثيرة، لأن القاعدة التي استهدفت الجميع لم تستهدف إسرائيل لسبب بسيط، ليس لأن إسرائيل بلغت من الكفاءة الأمنية ما يعصمها من أي عمليات للقاعدة، أو لأن إسرائيل لا تفعل ما لا يستوجب الانتقام من جانب القاعدة، ولكن لأننا نعتقد أن القاعدة هي الاسم الحركي للموساد. ولا يعني ذلك بالضرورة أن تفجيرات لندن ومدريد ونيويورك وتركيا والسعودية والمغرب وغيرها هي من تدبير الموساد، ولكنه قد لا يكون بعيداً عنها، لأن كل هذه الأحداث تلحق الضرر المباشر بهذه الدول وبالمسلمين وبالإسلام، وهي بالنسبة للغرب تعطي الذريعة لزرع المزيد من الشكوك حول الأقليات الإسلامية، بحيث انطلق الإعلام الصهيوني ليؤكد أن المسلم إرهابي بطبعه إلى أن يُثبت هو العكس، وأن الأقليات الإسلامية نالت بشكل خطير من أمن الدول الغربية، وهي مسؤولية دول الأصل. أما النظرية الثانية، فتذهب إلى أن هذه التفجيرات هي تعبير دموي عن الغليان داخل مصر، والتفاعلات الساخنة على الساحة المصرية بين المعارضة والحكومة بسبب اتهام الحكومة والنظام بالعجز والجمود، وتفاقم المشاكل والإصرار على الإبقاء على هذه الأوضاع بما تحمله من مخاطر سياسية واجتماعية واقتصادية. وترى هذه النظرية أن مدبري أحداث شرم الشيخ يقصدون أن تكون كحريق القاهرة إيذاناً بثورة ضد الثورة التي قامت عام 1952. وتستمر النظرية الثانية في التأكيد على أن وقوع التفجيرات في يوم ذكرى الثورة هو إعلان عن فشل الثورة وانحرافها. ولكنني أتردد كثيراً في التسليم بوجاهة هذه النظرية، وسبب هذا التردد هو فداحة الخسائر البشرية والمادية والقومية التي لا يقدم عليها من يتمتع بأدنى حس وطني. أما النظرية الثالثة، فتذهب بشكل مباشر إلى اتهام إسرائيل والموساد الإسرائيلي. وأما القرائن على ذلك فهي مجرد استنتاجات منطقية ولا تقوم على معلومات أو أدلة، مع إدراكنا القانوني الكامل للفارق بين الدليل والقرينة. القرينة الأولى: أن المتهمين بالضلوع في تفجيرات طابا يصرون على أنهم أبرياء، وأن مدبر هذا العمل هو استخبارات دول أخرى، وعجز التحقيق بعد مضى عشرة أشهر عن حشد أدلة تؤكد نسبة هذه الأفعال إلى المتهمين، ولكنني أحجم عن المضي في هذه النقطة احتراماً لسلطة القضاء الذي لا يزال ينظر هذه القضية، مع ملاحظة أن إدانة بعض الأشخاص لا يعني تبرئة المدبر والمخطط. القرينة الثانية: هي أن كل التفجيرات الرئيسية انحصرت في سيناء حتى في أكبر المناطق مناعة وحماية وهي شرم الشيخ، بخلاف المرحلة الأولى من الإرهاب التي انطلقت من صعيد مصر. وهذا يبعث بثلاث رسائل مؤلمة لمصر. الأولى، هي عجز أجهزة الأمن المصرية عن تأمين المدينة المهمة، ما يعني أن أمن المشاركين في اللقاءات الدولية أصبح محل نظر، فقضى ذلك تماماً على هذه العاصمة الديبلوماسية لمصر في الوقت الحالي. لأن مما يزعج إسرائيل هو تأكيد الوجود المصري السلمي في سيناء، بعد أن جردتها معاهدة السلام من السلاح والوجود العسكري- الرسالة الثانية، هي أن مصر العاجزة عن حماية عاصمتها الديبلوماسية المحصورة بين البحر والصحراء لا تستطيع أن تكون شريكاً أمنياً لإسرائيل بعد انسحابها من غزة، ما يسمح لإسرائيل بحرمان مصر من أي دور في عملية السلام سوى في تمكين إسرائيل من الفصائل الفلسطينية، كما يسمح لإسرائيل بإقامة تحالف مباشر مع مصر لمحاربة"الإرهاب الإسلامي"، وهو يعني عندها حماس والجهاد. أما الرسالة الثالثة، فهي إظهار مصر بمظهر العاجز عن قمع الإرهاب في سيناء، بل تصوير سيناء على أنها أصبحت منطقة جاذبة للعناصر الإرهابية، ما يتيح لإسرائيل أمرين أبسطهما أن تتعاون مع مصر لتأمين سيناء، وأقصاها هو فرض السيطرة الإسرائيلية على سيناء، ويعزز ذلك ما لاحظناه من أن إسرائيل تضع عينيها حقاً على سيناء، بل تعتبرها مستقبل إسرائيل. ولا بد أن نشير في هذا المقام إلى أن النظرية الإسرائيلية حول سيناء لا يجوز التقليل من شأنها، فإسرائيل تفادت حتى الآن أن تعلن أن ظهور النبي موسى في سيناء ووجوده في مصر يمكن أن يكون سبباً لمطالبات. ونشير في هذا المقام إلى أن إسرائيل قامت بالاعتداء على مصر عام 1956 ثم عام 1976، وأوضح شارون في مذكراته أنه قام بمسح سيناء شبراً شبراً، وأنه يكن لها إعزازاً خاصاً، ويؤكد بعض الإسرائيليين الذين استوطنوا مستعمرات سيناء أنهم قرروا الجلاء عنها إيثاراً منهم لسلام شامل مع مصر يعلو فوق الاعتبارات الأنانية والعاطفية في هذه المستعمرات، فضلاً عن أن جلاءهم هو أمر موقت. نشير من ناحية ثالثة، إلى أن إسرائيل استفادت من عدوان 1956 بفتح مصر لمضايق تيران وصنافير في خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية، كما أنها بعد عدوان 1967 أشاعت أن سيناء تعد مسرحاً خطيراً للمغامرات المصرية ضد أمن إسرائيل، وأن الاستيلاء على سيناء لا يعد احتلالاًَ، وإنما يعد إجراءاً احترازياً لمنع مصر من استخدامها في الهجوم على إسرائيل، مثلما أكدت إسرائيل أن استيلاءها على سيناء هو مكافأة لحقها في الدفاع الشرعي الوقائي. ما دام المقام لا يتسع للرد على هذه المقولات الإسرائيلية، أوردناها للدلالة على أن عين إسرائيل على سيناء منذ وقت طويل، ولذلك فإن محاولاتها جس نبض مصر ليس أمراً جديداً. فهي حاولت جس نبض مصر، فوجدتها متعاونة وتتعامل بديبلوماسية ودماثة غير متوقعة. قتلت إسرائيل ثلاثة جنود مصريين بنيران الجيش الإسرائيلي، وأكد شارون أن جيشه يؤدي واجبه ضد مهربي الأسلحة للمقاومة، وابتلعت مصر الإهانة، وحفظاً لماء الوجه أعلنت أن شارون اعتذر للرئيس مبارك، وأظهرت الخارجية المصرية غضبها فطالبت شارون بالتحقيق الفوري وموافاتها بالنتائج. وبالفعل أبلغها شارون أن التحقيق أثبت ما سبق له تأكيده من أن جيشه يؤدي واجبه ضد الجنود المهربين. ومرة أخرى ابتلعت مصر الإهانة. ثم خطفت إسرائيل ستة من الشباب من قلب سيناء في العريش، ولم تعلق مصر مطلقاً حتى اليوم على الحادث، ثم أعيد الشباب في إطار صفقة سلم فيها بالمقابل الجاسوس الإسرائيلي الخطير عزام عزام، والدليل على خطورته أن شارون استقبله بالأحضان، واعتبره بطل أبطال إسرائيل. وبدت الصفقة مرتبة، ونرجو ألا تكون كذلك، لأن مصر كانت ترفض دائماً جميع الضغوط العاتية للإفراج عن الجاسوس الخطير. ويهمني أن أحذر من أن إسرائيل تخطط للاستيلاء على سيناء، بعد أن حاولت مقايضة مصر على بعض المناطق مع مناطق إسرائيلية في النقب، والقيام بمشاريع أمنية مشتركة على الحدود. إن إسرائيل ستستقبل أكثر من مليون لاجئ خلال الأعوام الخمسة المقبلة ولذلك لن تكون تفجيرات شرم الشيخ هي نهاية المطاف. باختصار، فإن هذه التفجيرات هي جزء من سياسة إسرائيل لإخلاء سيناء، فلا يجوز أن تغرق مصر في تفاصيل الخسائر، وتتجاهل جوهر المشكلة، وهو السياسة الإسرائيلية المرسومة لسيناء. أم أن سيناء دخلت في نطاق المقايضات السياسية فلم يتم تعميرها كما أوصت مختلف اللجان منذ 1973؟ كاتب مصري.