ابتسامة أشجار السرو صامتة وربما متواطئة. وجه السماء لا يدعو الى البهجة. رأيته مقبلاً باتجاهي: كان يبتسم! عبثت في رأسي فكرة ما، لكنني سرعان ما انقبضت، كعادتي حين تهرب الأفكار من رأسي. حاولت التعرف إلى ملامحه فلم أفلح: رجل يسير نحوي، ويبتسم! عادت الفكرة الى رأسي، تساءلت بتبرم عن سر ابتسامته، تلك التي بدت لي سخيفة: ما معنى الابتسام دون سبب؟ من المستهدف بتلك الابتسامة؟ من سيكون غيري اذا كنت أنا الوحيد الذي يجلس في هذه الحديقة الواسعة؟ ثم كيف أميز الابتسامة البريئة عن تلك الساخره؟ هذا الرجل معتوه او سمج، وإلا: لماذا يبتسم؟ اقترب من مقعدي، توقف أمامي، تأمل وجهي، اتسعت ابتسامته، وقبل أن أسأله، قال لي بمرح: لماذا أنت عابس الى هذا الحد؟ غراب تقترب الحمائم من الشاطيء، تدب ببطء آدمي مخلفة آثار أرجلها الثلاثية على الرمال الناعمة، تلامس المياه الباردة، تبتل حتى أعناقها، تعوم ، تتلفت نحو السماء بعيونها العسلية المستديرة، تهدأ قليلاً، تغادر الماء، تنفض ريشها وزغبها بحبور، ثم تمشي على الرمال ملتفتة إليه: هل أحست بوجوده المتوحد على حواف ذلك الشاطيء المهجور؟ يتمشى على الرمال غراب قلق، يقترب بتثاقل من الحمائم فلا تفزع، ، يتأمل الأفق الفضي، لكنه لا يلامس الماء ، ربما كي لا يقلد الحمام! هي كائنات قرمزية بيضاء، وهو أسود حالك! ما الخطأ في كل هذا السواد؟ تعود الحمائم الى البحر، يعود الى نفسه، يتمعنها فينتبه: لون حذائه أسود، بنطاله، قميصه، سترته، لون عينه وشعر رأسه، كلها سوداء سوداء! وحيداً كان عند الشاطيء، ولم يكن ثمة سوى الحمائم... وهو. صحو من حقي ان أتكدر، فأنا لم أكمل الحكاية لأصدقائي، اقتربت من نهايتها، أمعنت في رسم المفاجأة وتحضيرها، تحفزت ملامحهم، اتسعت عيونهم، قربوا آذانهم مني، أحسست بمتعة الانفراد بامتلاك سر النهاية، قالوا معا بنفاد صبر: ماذا حدث بعد، أكمل. وقبل أن أفصح عن المفاجأة، صحوت من نومي... لماذا صحوت؟ حافة هو حلم مجحف، لكن وقفتي على حافة الجبل المقدود الناهض تعد مجازفة لا يقدم عليها عاقل، ثم ان مشهد الصخور القمرية أسفل الجبل لا يستحق مغامرة الوقوف على تلك الحافة فلأبتعد. استدرت فانزلقت قدمي، تشبثت بالحصى فخانني، سقطت في فراغ المسافة بين القمة الشاهقة والقاع المتحفز حيث الصخور المشرئبة الحادة. لحظات ثم أرتطم. لم يبق سوى صراخات بعيدة أسمعها دون أن أعرف اصحابها. لم يبق سوى دبيب هلع أخير، وخفقات مذعورة لقلب يحاول الفرار من صدري قبل السقوط! تفاءلت! رددت بصوت مسموع قبل أن أرتطم: هكذا أفضل ، الموت أفضل من هذه الحياة وأريح... أفقت من نومي وأنا أردد: أريح، أريح... لماذا صحوت؟ * كاتب أردني