في صباح يوم الاثنين 27 يناير 2025، شهد العالم حدثًا إستثنائيًا سيظل محفورًا في الذاكرة بأحرف من نور ، لتتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل. إنه اليوم الذي ابتهجت فيه الأرض تحت أقدام العائدين، وتمايلت أشجار الزيتون والبرتقال تصفق بأغصانها ، معلنة ميلاد فجر جديد ينبثق من بين الركام. في ذلك اليوم، انطلق موكب الشمس والصمود في رحلته نحو الوطن المسلوب. على دروب الأمل والحياة، يدرك الفلسطينيون أن الأرض ليست مجرد تراب يُنفض غباره، بل هي الهوية والتاريخ، وهي الجذور التي تربط الإنسان بماضيه وحاضره ومستقبله. وعندما يخطون في موكب العودة لا يحملون أمتعة مادية، بل يحملون معهم ذكرياتهم وأحلامهم وآمالهم. إنهم يدركون أنهم يحملون إرثًا عظيمًا من الصمود والتحدي ، ويرون في عودتهم بداية جديدة لمسيرة لم ولن تتوقف. في هذا الموكب، ترتفع الأيدي وهي ترفع الأعلام الفلسطينية، تعلن للعالم بصوت واحد: "نحن عائدون". عائدون إلى أرضنا التي ولدنا عليها، إلى منازلنا المدمرة وأراضينا التي تحولت إلى رماد، ولكن الخراب ليس النهاية، بل هو بداية لفجر مشرق، حيث تتحول الأحلام إلى واقع ، وتمتد المسيرة نحو الحياة من جديد. إن عودة النازحين إلى شمال غزة لم تكن مجرد خطوة رمزية، بل كانت صدمة هزّت كيان الاحتلال ومن دعمه في مخططاته الرامية إلى تهجير السكان واقتلاعهم من أرضهم. هذه العودة أحبطت أحلامهم ومشاريعهم التي سعت إلى تفريغ الأرض من أهلها قسرًا، وأكدت أن الفلسطينيين متمسكون بوطنهم، ومستعدون للتضحية من أجله مهما طال الزمن أو اشتد الظلم. موكب العودة لم يكن مجرد خطوات على الأرض، بل كان مسيرة تدفعها قلوب أبت الانحناء، وعزائم صقلتها معارك الصبر والصمود. رجال ونساء، شيوخ وأطفال جميعهم زحفوا نحو بيوتهم المهدمة التي لم تسقط من ذاكرتهم. يحملون مفاتيحها كرموز لحكاية لم تُكتب نهايتها بعد، وكأن الأبواب التي كسرها الاحتلال لم تُغلق أبدًا، بل تنتظر أياديهم الطاهرة لتُفتح من جديد. وفي هذا الموكب، تمضي الأمهات بعيون دامعة لا يأسًا بل شوقًا ، يحملن أسماء الشهداء في قلوبهن ، ويهمسن لهم: "عدنا لنكمل الحلم ، لنمضي في الطريق الذي سقيتموه بدمائكم الطاهرة.". أما الرجال ، فهم كالشمس في هذا الموكب، لا تتعثر خطاهم ولا تهتز إرادتهم. إنهم أبناء الجبال والصخور الصامدة ، يشبكون أيديهم ليشكلوا جسرًا تعبر عليه آمالهم وأحلامهم. لا يرون في الركام خرابًا ، بل يرون فيه بداية ، وأحجارًا تنتظر أن تُعاد بناؤها من جديد . بالنسبة لهم، لا توجد نهاية بل بداية أخرى لمسيرة النضال التي لا تعرف التوقف، ولإصرار يصرخ: "نحن هنا سنعيش بكرامة وسنظل نحمل راية الحق حتى ينجلي ليل الاحتلال.". وأخيرًا ، يحمل هذا الموكب رسالة إلى ضمير العالم والإنسانية، بأن العدالة ليست مجرد شعارات، بل حقوق يجب أن تُستعاد ، ونداءً إلى الضمائر الحية بأن هناك شعبًا ما زال يعاني الظلم والاضطهاد والتهجير، وأجيالًا لا تزال تحلم بالعودة إلى ديار لم ترها إلا في قصص الأمهات والجدات. الظلام لن يدوم إلى الأبد، والشمس ستشرق من جديد وسيعود الحق إلى أصحابه. فلا قوة في العالم تستطيع أن توقف مسيرة الشمس، ولا أن تكسر صمودًا تجذر في الأرض، وامتد في القلب، واستمد من التاريخ عزيمته التي لا تنكسر.