تصدرت أسعار النفط المواضيع الرئيسة لتقرير"آفاق الاقتصاد العالمي ربيع 2006"، الذي أصدره صندوق النقد الدولي مجتزأً. فبعد أعوام من التحذير من مخاطر تضخم عجز ميزان المدفوعات الأميركي على النظام المالي العالمي عبر أسعار صرف الدولار والفائدة، وضعت المؤسسة الدولية تحت مجهر الاهتمام العالمي، الفوائض المالية لمصدري النفط، من ارتفاع أسعار الوقود ودورها المحتمل في تفاقم اختلال ميزان المدفوعات العالمي. حقائق لكن التقرير الذي سيصدر كاملاً الأربعاء المقبل، قبل يومين من الموعد المقرر لعقد دورة الربيع من الاجتماعات المشتركة للصندوق والبنك الدوليين، سجل عدداً من الحقائق عن الوضع المالي للدول المصدرة للنفط. فكشف أن أسعار النفط الخام التي تحسنت تدريجاً ابتداء من نهاية 1999، ثم ارتفعت لاحقاً بحدة لتصل إلى نحو 60 دولاراً للبرميل في المتوسط، لا تزال أقل كثيراً من المستوى القياسي، الذي بلغته عام 1980، ويقدر الآن بالأسعار الثابتة لعام 2005 بنحو 100 دولار للبرميل. وأظهر أن تضاعف أسعار النفط من 30 إلى 60 دولاراً للبرميل في الأعوام الثلاثة الماضية، زاد صافي إيرادات مصدري النفط بنسبة مماثلة، إلا أن المقارنة بالطفرات النفطية السابقة، تشير إلى أن أهمية الزيادة المحققة في الإيرادات تراجعت في شكل ملموس، حيث انخفضت نسبتها في الناتج المحلي للدول المصدرة للنفط من 49 في المئة في الفترة 1973- 1981، إلى 33 في المئة في الفترة من عام 2002 إلى 2005، وتقلصت كذلك نسبتها في الناتج العالمي من 1.9 إلى 1.2 في المئة. وأوضح أخيراً، عبر مقارنات مثيرة للاهتمام، مدى انحسار دور الدول المصدرة للنفط في النظام المالي العالمي مسجلاً، أولاً، أن حجم الزيادة المحققة في الإيرادات شكل 79 في المئة من تدفقات رأس المال الخاص العالمي، و 7.6 في المئة من القيمة السوقية لأسواق المال العالمية في الفترة 1973- 1981، لكن هاتين النسبتين انخفضتا إلى 37 و1.6 في المئة على التوالي في الفترة بين 2002 - 2005، وثانياً، أن حصة مصدري النفط من الأصول الأجنبية العالمية بلغت أقل من 4 في المئة، وأن حصتهم من احتياط العملات الأجنبية لم تتجاوز 10 في المئة في نهاية عام 2004. وبلغت القيمة الإجمالية لإيرادات مجموعة الدول المصدرة للنفط 800 بليون دولار في 2005، وضمت هذه المجموعة كل الدول التي شكل النفط أكثر من 40 في المئة من صادراتها، أي روسيا والنروج وكازاخستان، والكونغو وعمان وسورية والسودان، وأنغولا وأذربيجان والبحرين وبروناي، والكونغو وغينيا الاستوائية والغابون واليمن وتركمانستان، إضافة إلى أعضاء"أوبك"الذين اقتربت إيراداتهم النفطية من 500 بليون دولار، وإن كانت حصتهم من الناتج العالمي انخفضت من 2 في المئة في كل من عامي 1974 و1979 إلى 1.1 في المئة في العام الماضي. وركز التقرير على الفوائض النفطية وتبعاتها، مسجلاً أن المكاسب التراكمية التي تحققت للدول المصدرة للنفط كنتيجة لارتفاع أسعار النفط، في الفترة من 2002 إلى العام الماضي، بلغت 437 بليون دولار، ما يعادل 33.2 في المئة من نواتجها المحلية، و 1.24 في المئة من الناتج العالمي، وارتفعت في المقابل فاتورة واردات النفط للدول الصناعية، باستثناء الولاياتالمتحدة بنحو 198 بليون دولار 1.3 من نواتجها المحلية، وبلغ مقدار الزيادة في فاتورة الصين 53 بليون دولار 3.8 في المئة والدول النامية 53 بليون دولار 1.2 في المئة. وخلص التقرير الذي أعدته مجموعة كبيرة من الاقتصاديين في المؤسسة الدولية، إلى أن فوائض الدول المصدرة للنفط ساهمت في تفاقم خلل ميزان المدفوعات العالمي، مشيراً في شكل خاص إلى أن الزيادات التي حققتها أسعار النفط منذ عام 2003، تعتبر مسؤولة مباشرة عن تدهور عجز ميزان المدفوعات الخارجية للولايات المتحدة، وتحديداً عجزها التجاري، بما يصل إلى 1.1 في المئة من الناتج المحلي الأميركي، أي 124 بليون دولار. ويمثل العجز الأميركي الذي يقدر حالياً بنحو 800 بليون دولار، الطرف الأول في خلل ميزان المدفوعات العالمي، بينما تشكل الفوائض العالمية الطرف الثاني. استنتاجات لكن كبير استشاريي واقتصاديي الصندوق راغو راجان، وضع مكاسب أسعار النفط في نصابها الحقيقي، مؤكداً أن فوائض الدول المصدرة للنفط، لعبت دوراً مهماً في تخفيف أعباء فاتورة واردات النفط، عبر المساهمة في الحد من ارتفاع أسعار الفائدة، مشدداً على أن صدمة أسعار النفط على"موازين مدفوعات الدول التي تعاني العجز، كان يمكن أن تكون أكثر حدة لو أن الدول المصدرة للنفط، توقفت عن ضخ جزء مؤثر من فوائضها في رصيد المدخرات العالمي الأصول الاستثمارية". وأوضح في مؤتمر صحافي، بث عبر الدائرة المغلقة لصندوق النقد أول من أمس، أن أسعار النفط ستساهم في إطالة أمد خلل ميزان المدفوعات العالمي وتفاقمه، لافتاً إلى أن عجز الحساب الجاري الأميركي جاء نتيجة للتدفقات الاستثمارية الهائلة، التي اجتذبتها الولاياتالمتحدة في النصف الثاني من التسعينات، ثم تزايد بسرعة كبيرة في مناخ السياسة المالية المرنة، التي تبنتها إدارة الرئيس جورج بوش في بداية عهدها، وحاكتها غالبية البلدان الصناعية الكبرى. وكشف أن خفض الضرائب وأسعار الفائدة بعد الركود الذي أصاب الاقتصاد الأميركي في بداية الألفية الثالثة، لعب دوراً رئيساً في تمكين شركات الدول الصناعية الكبرى من الاحتفاظ بنحو 1.3 تريليون دولار، من الأرباح التي حققتها في عامي 2003 و 2004، مشيراً على أن هذا الرصيد الادخاري الهائل يعادل ضعفي الفوائض التجارية لكل الاقتصادات الناشئة، وثلاثة أضعاف الفوائض النفطية للدول المصدرة للنفط.