تكبّدت ست دول عربية، في مقدمها السعودية والجزائر والعراق، خسائر فادحة في قيمة صادراتها إلى الولاياتالمتحدة في النصف الأول من السنة. ونجم ثلث خسائر الإيرادات عن التخفيضات الضخمة والمتلاحقة للإنتاج النفطي التي تبنّتها «منظمة الدول المصدرة للنفط» (أوبك) لحماية أسعار النفط الخام إثر انفجار أزمة المال العالمية وتفاقم الركود الاقتصادي في الدول المتقدمة في الربع الأخير من العام الماضي. وتشير التطورات السعرية الراهنة إلى ان «أوبك» حققت إلى حد كبير الغرض من قرار صعب اتخذته في كانون الأول (ديسمبر) الماضي بخفض إنتاجها بواقع 4.2 مليون برميل يومياً، لضمان اعادة التوازن إلى سوق نفطية متخمة. وأعلن رئيسها آنذاك شكيب خليل ان الهدف هو دفع سعر النفط في اتجاه نطاق سعري يراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل، بعدما كان السعر انهار إلى 33 دولاراً قبل أيام. لكن «أوبك»، التي تمثّل الدول العربية 60 في المئة من أعضائها و80 في المئة من ايراداتها، دفعت ثمناً مضاعفاً لانهيار الأسعار وجهود رفعها، إذ انخفضت صادراتها إلى السوق الأميركية وإيراداتها منها بنسبة 23 و74 في المئة على التوالي في الفترة الممتدة بين شهر الذروة النفطية في تموز (يوليو) 2008 ونيسان (أبريل) الماضي الذي سجل بوادر تحوّل ايجابي في مسار أسعار النفط. وانعكست آثار الصدمة النفطية في الميزان التجاري للطرفين. وأفادت وزارة التجارة الأميركية ان «أوبك» جنت 46.8 بليون دولار من صادراتها إلى الولاياتالمتحدة في النصف الأول من السنة، مقارنة ب 125 بليوناً في الفترة ذاتها من عام 2008. وسجلت المنظمة تراجع ايراداتها من السوق الأميركية في ستة أشهر عند نحو 78 بليون دولار، اي بمعدل 13 بليوناً شهرياً، فانخفاض فائضها التجاري بنسبة 80 في المئة. وترجمت السوق خسائر «أوبك» مكاسب للمستهلكين الأميركيين، في ذروة معاناتهم من أزمة الائتمان وما رافقها من صعود للبطالة أفقدهم قدرتهم على الإنفاق الاستهلاكي، فتلقوا دعماً مباشراً من انخفاض فاتورة واردات النفط الأميركية إلى 92 بليون دولار في النصف الأول من السنة، مقارنة ب 192 بليوناً في الفترة ذاتها من عام 2008. وعلاوة على عامل الأسعار، ساهمت جملة من العوامل في تعميق خسائر «أوبك» والدول العربية الأعضاء، مقارنة بواقع الاستهلاك والاستيراد على الساحل الغربي للأطلسي، حيث انخفضت واردات السوق الأميركية من النفط بنسبة 7.6 في المئة، بحسب «معهد البترول الأميركي» الذي عزا هذا التطور غير المتوقع إلى زيادة كبيرة حدثت في كل من الإنتاج المحلي واستهلاك بدائل النفط. وسجل الميزان التجاري السعودي - الأميركي تطورات مماثلة لما حدث في ميزان «أوبك»، فبعد تراجع صادرات السعودية النفطية من 1.675 مليون برميل يومياً في تموز 2008 إلى 1.021 مليون في نيسان الماضي (أي 39 في المئة)، انخفضت قيمة صادراتها في النصف الأول من السنة بنسبة 64 في المئة إلى 9.7 بليون دولار، وتقلّص فائضها التجاري بنسبة 80 في المئة، منخفضاً إلى 4.4 بليون دولار. وطاولت الآثار السلبية الميزان التجاري الجزائري - الأميركي وإن بحدّة أقل، انعكست انخفاضاً في قيمة صادرات الجزائر إليها بنسبة 60 في المئة إلى أربعة بلايين، بينما ساهم تراجع قيمة وارداتها بنسبة 32 في المئة في تقلّص الفائض التجاري الجزائري بنسبة 56 في المئة إلى 3.6 بليون دولار. وواجه العراق وكذلك الكويت وليبيا خسائر ضخمة نسبياً، وتراجعت ايرادات صادرات العراق إلى السوق الأميركية إلى أربعة بلايين دولار، أو بنسبة 65 في المئة مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي، وتراجع الفائض التجاري العراقي إلى ثلاثة بلايين دولار، منخفضاً بنسبة تزيد على 70 في المئة. وبرز الأردن واحداً من أبرز الضحايا إثر انخفاض قيمة صادراته إلى أميركا بنسبة 19 في المئة إلى 440 مليون دولار، وتحول محصلة مبادلاته التجارية معها من فائض بقيمة مئة مليون دولار في النصف الأول من العام الماضي، إلى عجز بقيمة 140 مليوناً في الفترة ذاتها من السنة.