كشفت أرقام وزارة التجارة أن السوق الأميركية ستُثبت مجدداً أنها"البيضة الذهبية"لمنظمة الدول المصدرة للنفط أوبك التي تتجه الى تسجيل رقمين قياسيين محتملين في حجم الايرادات المتوقع أن تحققها من صادرات النفط الخام السنة الجارية مستفيدة من المستويات المرتفعة للأسعار وزيادة كبيرة في واردات مصافي التكرير الأميركية والمخزونات، وكذلك في فائضها التجاري مع الولاياتالمتحدة. وارتفعت القيمة الاجمالية لفاتورة الواردات الأميركية من النفط الخام في الشهور الثمانية الأولى من السنة، وفق احصاءات جديدة، الى 136 بليون دولار مسجلة زيادة بنسبة 23 في المئة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. ووفق الاحصاءات، التي أصدرتها وزارة التجارة نهاية الاسبوع الماضي، بلغ حجم ايرادات"أوبك"59 بليون دولار محققاً زيادة بنسبة 30.5 في المئة وقفز فائضها التجاري الى أكثر من 45 بليون دولار مسجلاًَ زيادة بنسبة 33 في المئة. وساهمت أسعار النفط بالجزء الأكبر من الزيادة المحققة في الايرادات اذ ارتفع متوسط أسعار"سلة أوبك"بين بداية السنة وآب اغسطس الى زهاء 35 دولاراً للبرميل، أي بنسبة تزيد قليلاً على 25 في المئة، بالمقارنة مع 28 دولاراً العام الماضي، بينما لعب ازدياد الطلب الأميركي بنحو 3 في المئة دوراً رئيسياً في ارتفاع حصة"أوبك"الى 43.7 في المئة من اجمالي واردات السوق الأميركية من النفط الخام، من 41.6 في المئة في الفترة نفسها عام 2003. المكاسب وتعزز متوسط أسعار نفوط"أوبك"بقوة منذ نهاية آب لكنه حتى في حال احتفظ بمكاسبه الحالية حتى نهاية السنة من المؤكد أن قيمة صادرات"أوبك"الى الولاياتالمتحدة للسنة بأكملها ستقترب من 90 بليون دولار ما من شأنه أن يضمن للمنظمة، وتحديداً الأعضاء الناشطين في التصدير الى السوق الأميركية السعودية وفنزويلا ونيجيريا والعراقوالجزائر والكويت، فائضاً تجارياً تصل قيمته الى 70 بليون دولار، وهو رقم قياسي يزيد بنسبة 37 في المئة على عام 2003 وبنسبة 98 في المئة لكل من عامي 2002 و2001. وبلغت حصة الدول العربية من الفائض التجاري المحقق للمنظمة في الشهور الثمانية الأولى من السنة 19.2 بليون دولار، أي 43 في المئة، الا أن من المتوقع لهذه الحصة أن تصل الى 29 بليون دولار للسنة بأكملها وستسجل عندها زيادة بنسبة 24 في المئة بالمقارنة مع عام 2003 التي شهدت ارتفاع صادرات النفط العربية، لاسيما السعودية، الى مستويات قياسية لتعويض خسائر السوق الأميركية من الصادرات العراقية والجزء الأكبر من الصادرات الفنزويلية. رقم قياسي للفائض السعودي وشهدت صادرات السعودية من النفط الخام تراجعاً حاداً أقله حتى تموز يوليو لكن فائضها التجاري للسنة الجارية مع الولاياتالمتحدة يتجه الى تكرار الرقم القياسي الذي سجله العام الماضي وكان بقيمة 13.5 بليون دولار. وسيسجل الرقم القياسي الجديد زيادة بنسبة 68 في المئة على متوسط الفائض السعودي للأعوام الثلاثة منذ عام ألفين التي شكلت نقطة انعطاف حادة بالمقارنة مع عقد التسعينات حين بلغ المتوسط السنوي لهذا الفائض 2.2 بليون دولار فقط. وأظهرت بيانات وزارة التجارة عن الشهور الثمانية الأولى من السنة عدداً من التطورات أهمها ارتفاع قيمة صادرات العراق النفطية الى السوق الأميركية بنسبة 61 في المئة الى 5.3 بليون دولار وتقدم فائضه التجاري بنسبة 86 في المئة، الى 4.8 بليون دولار وكذلك ارتفاع قيمة صادرات الجزائر وفائضها التجاري بنسبتي 43 و37 في المئة على التوالي وأخيرا عودة الصادرات الليبية وان بكميات متواضعة ما قيمته 90 مليون دولار في تموز وآب. 300 بليون دولار وستشكل ايرادات"أوبك"المتوقعة من صادراتها النفطية الى الولاياتالمتحدة السنة الجارية نحو 30 في المئة من ايراداتها الاجمالية التي توقعت ادارة معلومات الطاقة الأميركية أن تصل الى 300 بليون دولار. وسيعني تحقق هذه التوقعات أن"أوبك"قطعت أكثر من نصف المسافة لاستعادة ايراداتها القياسية التاريخية التي بلغت قيمتها بالأسعار الثابتة لعام 2004 زهاء 556 بليون دولار عام 1980 لكنها انخفضت الى 120 بليون دولار عام 1998 وهو أدنى مستوى لها منذ عام 1972. ويعتقد المحلل المخضرم"فريدون فيشراكي"رئيس مؤسسة أبحاث النفط الأميركية"فاكتس انك"بأن انتعاش ايرادات"أوبك"ليس طفرة أو ظاهرة موقتة بل يعكس تحولاً استراتيجيا حدث في أساسيات السوق النفطية وانعكس بشكل رئيسي في ارتفاع نطاق أسعار النفط الى مستوى جديد. وقال:"جوهرياً انتقلنا من سوق نفطية ذات نطاق سعري بين 15 و 25 دولاراً لبرميل"خام دبي"الى مستوى جديد يراوح بين 25 و35 دولاراً للبرميل في المديين القريب والمتوسط وبين 40 و50 دولاراً للبرميل في المدى البعيد. وشدد فيشراكي، الذي كان يتحدث في مؤتمر عن النفط والغاز أخيراً، على أن توقعاته التي تطابقت مع تحليلات عدد من الاقتصاديين الأميركيين لا تستبعد احتمال حدوث تقلبات حادة في أسعار النفط في المدى القصير كرد فعل على تطورات مفاجئة في النمو الاقتصادي أو أسواق الصفقات الآجلة أو وضع المخزونات التجارية للدول الصناعية، لاسيما الولاياتالمتحدة التي تلعب مخزوناتها دوراً رئيسياً في تحديد اتجاهات الأسعار. بيد أن التهديد المباشر لايرادات"أوبك"وأعضائها من الدول العربية المصدرة للنفط ربما سيأتي من موجة جديدة محتملة من تراجع أسعار صرف الدولار مقابل عملات دول تشكل المصدر الرئيسي لواردات الأسواق العربية وفي مقدمها منطقة اليورو اذ أشار تحليل رئيسي لأحد كبار المختصين بشؤون أسعار الصرف علاوة على بيانات جديدة لوزارة الخزانة الأميركية الى أن الدولار الذي يفترض أن يعزز موقعه بارتفاع أسعار النفط يواجه ضغوطا بسبب أسعار النفط. وتوقع الاقتصادي ستيفن جين في تحليل نشره في موقع مؤسسة"مورغان ستانلي"أول من أمس أن يواجه الدولار، في أميركا، أشد الضغوط المحتملة من تفاقم العجز التجاري والتباطؤ المتوقع في انفاق المستهلك كنتيجة مباشرة لارتفاع فاتورة واردات النفط ولفت أيضاً الى أن رغبة منطقة اليورو في تخفيف أعباء أسعار النفط ستُمهد لارتفاع سعر صرف عملتها مقابل الدولار في الفترة الباقية من السنة الجارية. الدولار يستعيد مكانته منتصف 2005 وتراجعت العملة الأوروبية الموحدة بحدة عن الذروة التي سجلتها في شباط فبراير الماضي بملامسة مستوى 1.3 دولار وتحركت في نطاق ضيق جداً طوال الشهور الستة الأخيرة 1.1761 دولار الى 1.2461 دولار قبل أن تتقدم قليلا الى 1.2566 دولار أول من أمس لكن جين لم يستبعد احتمال عودة اليورو الى ذروة شباط قبل نهاية السنة وان توقع في الوقت نفسه ان"يستعيد الدولار مكانته"في النصف الثاني من السنة المقبلة التي سينهيها عند مستوى 1.17 دولار. وعكست توقعات جين شبه اجماع لدى المحللين الأميركيين المختصين بشؤون أسواق الصرف وتعززت ببيانات وزارة الخزانة التي كشفت عن تراجع حاد ومفاجئ في اقبال الاستثمار الدولي الخاص على تملك السندات الفيديرالية التي تستخدمها الحكومة الأميركية لتمويل العجز الضخم في موازنتها المالية. وحدث هذا التراجع، الذي يؤذي أسعار صرف الدولار، في آب عندما جاءت محصلة اتجار المستثمرين الدوليين بسندات الخزينة والأذونات سالبة بمقدار يزيد قليلاً على 5 بلايين دولار.