أعربت مجموعة الدول العربية عن خيبة أملها من فشل الدول الصناعية الرئيسة، ولا سيما الولاياتالمتحدة في معالجة مشكلات حساباتها الجارية وعجوزاتها المالية، على رغم متانة أوضاعها الاقتصادية والنمو القوي المحقق والمتوقع للاقتصاد العالمي. وحملت صندوق النقد الدولي، الذي أنهى مع البنك الدولي اجتماعاته السنوية المشتركة، مسؤولية"العمل بفاعلية أكبر"لتثبيت استقرار النظام المالي العالمي. وقال محافظ المصرف المركزي التونسي توفيق بكار في الجلسة الختامية بالنيابة عن الدول العربية، ان"ما يبعث على الارتياح أن نسب نمو الاقتصاد العالمي ستستقر عند مستويات أكثر استدامة نتيجة انخفاض معدلات التضخم، اذ تنعم معظم مناطق العالم، بما فيها منطقتنا العربية بمعدلات نمو جيدة". لكنه أسف لپ"عدم تحقيق أي تقدم ملموس لمعالجة موازين المدفوعات الخارجية وعجوزات المالية العامة للدول الصناعية الرئيسة". ورأى ان"من واجب صندوق النقد العمل بفاعلية أكبر لتشجيع الاستقرار المالي العالمي". وأكد صندوق النقد"استمرار تفاقم مشكلات موازين المدفوعات"، مشيراً الى أن"متوسط عجز الحساب الحالي للدول الصناعية الرئيسة سيقفز من 1.5 في المئة من ناتجها المحلي في 2003 الى 2.1 في المئة في العام الجاري، وأن عجز ميزان المدفوعات الخارجي لأميركا وحدها سيرتفع من 4.7 في المئة من ناتجها المحلي الى 6.1 في المئة في 2005، وسيبقى على حاله حتى نهاية العقد". لكنه شدد على أن ما يصفه بپ"الاختلالات العالمية"لا يشكل مخاطر آنية ولا يهدد النظام المالي ومعه الاقتصاد العالمي الا على المدى المتوسط. وتشمل الاختلالات العالمية عجوزات موازين المدفوعات أو الحسابات الجارية وفوائضها، اذ يرى صندوق النقد أن النظام المالي العالمي السليم يفترض أن تكون"محصلة العجوزات والفوائض صفراً". وتتركز العجوزات لجهة ضخامتها في أميركا، اذ يتوقع أن تصل نسبتها الى 6.1 في المئة من الناتج المحلي، ومن ثم بريطانيا 1.9 في المئة وفرنسا 1.3 في المئة وايطاليا 1.7 في المئة واسبانيا 6.2 في المئة. في حين تتركز الفوائض في اليابان 3.3 في المئة وألمانيا 4.3 في المئة ومجموعة دول الشرق الأوسط المصدرة للنفط 24.9 في المئة. وتزداد مشكلة الحسابات الجارية، التي تضم محصلتي الميزان التجاري وصافي حسابات الاستثمار المحلي والأجنبي والتحويلات المالية، تعقيداً من واقع خطورة عجوزات الدول الصناعية الرئيسة، وخصوصاً في الولاياتالمتحدة التي تأتي من أن مجموع ناتجها المحلي يزيد على 70 في المئة من الناتج الاجمالي العالمي. أما أميركا فتنفرد بنحو 40 في المئة من ناتج الدول الصناعية الرئيسة، وبنحو 29 في المئة من الناتج العالمي. وبالمقارنة لا يزيد الناتج المحلي الاجمالي لدول الشرق الأوسط المصدرة للنفط على واحد في المئة من الناتج العالمي. ولم يقتصر القلق من موازين مدفوعات الدول الصناعية، وتحديداً أميركا، على الدول العربية. اذ فرض نفسه على المؤتمرات الصحافية المرافقة للاجتماعات السنوية، وتسبب ببعض الحرج للمدير العام لصندوق النقد، رودريغو دي راتو، الذي اضطر الى الدفاع عن الصندوق لخلو أحدث تقاريره من عبارات قوية تحذر من اختلال الحساب الجاري الأميركي. وبدت عواقب هذا الاختلال أكثر خطورة بسبب عجز الموازنة الأميركية، الذي كان يفترض أن ينخفض الى ثلاثة في المئة من الناتج المحلي، ولكن قبل اعصاري كاترينا وريتا. لكن صندوق النقد لم يقلل من خطورة عجز الحساب الجاري الأميركي وعجز الموازنة المالية. ورداً على سؤال ما اذا كان وزير الخزانة الأميركي جون سنو"نفض يديه"من مشكلة العجوزات، عندما أكد تمسك ادارة جورج بوش بتعهدها في شأن خفض العجز المالي، اعرب دي راتو عن اعتقاد الصندوق بأن أميركا"لا تملك خياراً سوى معالجة اختلالاتها المالية". وذهب الى حد حض واشنطن على تبني اصلاحات هيكلية لزيادة ايراداتها من الضرائب التي ساهم في خفضها في عامي 2001 و2003 بتضخيم عجز الموازنة. ولفت مسؤولون من الدول النامية شاركوا في الاجتماعات السنوية، الى أن"المخاوف الناجمة عن اختلال ميزان المدفوعات الأميركي والعجز المالي، تتركز اولاً في مخاطر ارتفاع أسعار الفائدة، وبالتالي زيادة أعباء خدمة الديون الخارجية والداخلية التي تثقل كاهل الدول النامية، بما فيها كثير من الدول العربية، وثانياً في دفع أسعار صرف الدولار في اتجاهات لا تخدم مصالح هذه الدول، لأنها تلتهم جزءاً من ايراداتها من الصادرات المسعرة بالدولار وترفع كلفة وارداتها. ورفع مجلس الاحتياط الفيديرالي سعر الفائدة الأميركية بمقدار 2.75 نقطة مئوية في الشهور ال 15 الماضية. بينما كشف الاقتصادي الأميركي المخضرم وليام كلاين، في كتاب نشره الاسبوع الماضي، أن انخفاض متوسط سعر صرف الدولار في مقابل العملات الرئيسة الأخرى بنحو 24 في المئة منذ بداية عام 2002، حقق لأميركا من شركات ومستثمرين في السوق الدولية مكاسب صافية تشارف على تريليون دولار، وبمعدل 40 بليون دولار لكل نقطة مئوية.