أنشئت لجنة الحقيقة والمصالحة في البيرو، في 2002، جواباً عن الصمت عن الحرب الأهلية. فطوال 20 عاماً، سال الدم، وقتل نحو 60 ألفاً من المواطنين، في صفوف الحركة المسلحة "الدرب المضيء" والمدنيين وقوى الأمن. وفي 1992، سنّت قوانين مكافحة الإرهاب، وكانت قاسية. وبموجب هذه القوانين حاكم القضاء العسكري أكثر من 2500 شخص في عهد ألبرتو فوجيموري الديكتاتوري. ولم يرع القضاء العدالة. وعذب المتهمون، وبعضهم قتل بعد محاكمات ميدانية، وآخرون دينوا بمدد سجن طويلة. وتولى المحاكمات قضاة مقنعون. وحين عودة الديموقراطية، مع انتخاب الرئيس أليياندرو توليدو في حزيران يونيو 2001، أرادت لجنة الحقيقة والمصالحة معرفة ما جرى فعلاً، وإعادة المحاكمات. وعلى هذا، فمعظم الدعاوى التي نظر فيها القضاء العسكري في ولايتي فوجيموري 1990 - 2000 يعاد النظر فيها. وجمعت اللجنة، طوال 26 شهراً، 17 ألف شهادة من الضحايا، ومن المشاركين في الحرب، على اختلاف أدوارهم. ثم كتبنا تقريراً أذعناه، والشهادات هذه روت حوادث بالغة القسوة، فلم تكن إذاعتها هينة. وإحصاء مرتكبي الجرائم، على وجه الضبط، كان عسيراً. فمقاتلو"الدرب المضيء"خالطوا الأهالي وجندوهم في صفوفهم، واستعمل الجنود ألقاباً. وفي ذروة سطوته، عد"الدرب المضيء"نحو ألف عضو. ولكنه أحكم سيطرته على قرى كاملة، وأرهب الأهالي، وهم في معظمهم فلاحون فقراء وأميون، وحال بينهم وبين اللجوء الى القضاء. وعمدت المنظمة الماوية،"الماركسية - اللينينية"، الى اغتيال أعضاء الهيئات المنتخبة والديموقراطية المحلية -، مثل رؤساء البلديات. واغتالت، إليهم، المهندسين والمدرسين. وحملت الأهالي على التعاون قسراً. فأيديولوجية"الدرب المضيء"الدموية غايتها إلغاء الدولة واستئصالها. وكان الاقتصاص من الذين رفضوا الإذعان والخضوع رهيباً. وحين كان الجنود يستعيدون القرى من مقاتلي المنظمة المسلحة، كانوا يعمدون بدورهم الى قتل من بقوا على قيد الحياة انتقاماً من تعاونهم، أو جراء حملهم على المقاتلين. واستطعنا تعيين مواضع 4 آلاف مقبرة جماعية. ولعل أفظع ما صادفناه في تقصينا هو موت الضحايا من غير أن يولي أحد موتهم اهتماماً. وعلى خلاف بلدان أميركا اللاتينية الأخرى، يقع معظم المسؤولية عن إرهاب المدنيين على عاتق المنظمة المسلحة. ولكن المجتمع المدني والسياسي والإعلامي كله يتحمل التبعة عن الجرائم: فالرئيس السابق فوجيموري حض الجيش على ارتكاب جرائم حرب، والحكومات السابقة مثل حكومة الرئيس السابق آلان غارثيا عزفت عمداً عن تقصي الحقائق، والمجتمع المديني والخلاسي غض النظر عن مصير الضحايا، لأن معظمهم كانوا هنوداً ويقيمون إما في الجبال أو في الريف. وهذا قرينة على عمق الصدع الاجتماعي والقومي الإثني، والعنصرية، اللذين يشكو منهما مجتمع البيرو. وبعضهم اتهمنا بالسعي في تبييض صفحة"الدرب المضيء"، واستدل على هذا من إبرازنا الجرائم الناجمة عن قمع الدولة. والحق اننا أحصينا ارتكابات الجهتين. وپ"اللوبي"العسكري لا يزال قوياً ونافذ الكلمة في بلدنا. ولعل جواب أهل السياسة كان الأسوأ. وفي الأيام القليلة الآتية، يتوقع أن يلفظ الحكم في حق إيماييل غوزمان زعيم"الدرب المضيء"، وعشرة من معاونيه. ونجحنا أي اللجنة في العمل بپ"قانون الآمر". وهذا القانون يوقع المسؤولية والجريرة على الذين أمروا بارتكاب الجريمة. ولولا هذا القانون لما كان في مستطاع المحكمة مقاضاة غوزمان. فهذا لم يقتل أحداً بيديه. وكان يأمر سراياه الدموية والمتعصبة بالقتل وهو متخفٍ في أحياء ليما الفخمة. وننتظر استرجاع فوجيموري، المعتقل بتهمة ارتكاب جرائم في حق الانسانية. وكان حكم غيابياً في البيرو. والعسكريون من"لاكولينا"، اسم فرقة الموت التي كانت تأتمر بأمر فلاديميرو مونتيسينوس، مستشار فوجيموري الأول، والمسؤولون عن مجازر ارتكبوها، هم كذلك قيد الاعتقال. ولكن آخرين كثراً لا يزالون طلقاء... عن سالومون ليرنير رئيس جامعة ليما الكاثوليكية ورئيس معهد الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان ، "لوكورييه انترناسيونال - ويب بلوس" الفرنسية ، 6/4/2006