ضمن المشاورات المستمرة لقادة حركة"حماس"منذ ايام في غزة مع قياديي الفصائل الوطنية والاسلامية الأخرى، تعتبر الاجتماعات التي عقد اولها الاربعاء بين وفد من"فتح"برئاسة رئيس كتلتها في المجلس التشريعي الجديد عزام الاحمد ووفد من"حماس"برئاسة رئيس كتلتها البرلمانية الدكتور محمود الزهار الأهم بالنسبة الى فرص تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما تسعى اليه"حماس"وما تقتضيه المصلحة الوطنية الفلسطينية. ولكن تحقيق هذا الهدف ما زال يبدو صعب المنال، وقد يبقى مستحيلاً، اذا بقيت الحركتان متمسكتين بأسس برامجهما، خصوصاً السياسية، من دون البحث بجد عن ارضية مشتركة. ويبدو هامش المناورة ضيقاً امام حركة"فتح"لجهة إحداث تغيير جوهري في برنامجها السياسي كما شرح اسسه الرئيس محمود عباس في خطابه في افتتاح المجلس التشريعي الثاني في عهد السلطة الفلسطينية، وهو المجلس الذي تتمتع فيه"حماس"بغالبية مطلقة. ذلك ان"فتح"بقيت حزب السلطة الوطنية منذ تأسيسها في العام 1994 بموجب اتفاق اوسلو الذي شدد الرئيس عباس على انه"أضحى حقيقة سياسية نلتزم بها وسنواصل هذا الالتزام"، مثلما شدد على ضرورة احترام الاتفاقات والالتزامات السابقة. وهذا المبدأ الذي يستحيل على"فتح"التخلي عنه يبدو من المستحيل على"حماس"القبول به، فهي طالما رفضت اتفاق اوسلو الذي يقضي الاستطراد المنطقي لموقفها بأن ترفض ايضاً ما اسفر عنه. ولكن، ألم تصل"حماس"الى حيث هي الآن حزب الغالبية عن طريق انتخابات اصرت السلطة الفلسطينية ورئيسها على عقدها، لتصبح بمعنى ما حزب الغالبية في احدى أكبر وأهم المؤسسات السياسية المنبثقة عن السلطة الوطنية، وبالتالي عن"اوسلو"؟ لقد اكتسب نواب"حماس"الآن وبصورة تلقائية العضوية ايضاً في المجلس الوطني الفلسطيني برلمان المنفى المنبثق عن منظمة التحرير الفلسطينية مع ان"حماس"لم تكن من قبل فصيلاً عضواً في المنظمة. غير ان هذه النقطة الاخيرة شكلية، خصوصاً، ان ميثاق منظمة التحرير شطب منه، بعد توقيع اتفاق اوسلو، عدد كبير من البنود الاقرب الى فكر"حماس"وعقيدتها النضالية. وبعد ان بدا ان السلطة الفلسطينية كانت تعمل، قبل الانتخابات الاخيرة، على اضعاف صلاحيات منظمة التحرير ودوائرها - خصوصاً التي بقيت في الخارج، فانها عادت اخيراً الى عزف لحن اعادة تفعيل المنظمة ومؤسساتها. لقد بدأ العد التنازلي في المهلة المتاحة ل"حماس"لتشكيل حكومة بعد تكليف عباس مرشح الحركة لمنصب رئيس الوزراء اسماعيل هنية المهمة مساء الثلثاء. وسبق ان اعلن كبار قياديي"حماس"انهم يسعون الى تأليف حكومة تضم كل القوى الوطنية والاسلامية. ولكن يمكن فوراً استثناء"حركة الجهاد الاسلامي"التي اعلنت غير مرة انها لن تشارك في الحكومة للسبب نفسه الذي جعلها تعزف عن المشاركة في الانتخابات، وهو ان الانتخابات جرت تحت مظلة اتفاق اوسلو. ويلاحظ هنا الاستطراد المنطقي في حجة"الجهاد الاسلامي". وقد لا تشارك"فتح"في الحكومة اذا رأت ان"حماس"ستظل متمسكة ببرنامجها السياسي المختلف جوهرياً عن موقفها واذا بقيت رافضةً لحل على اساس دولتين، فلسطين ضمن حدود الهدنة الموقعة عام 1949 وعاصمتها القدس الشريف واسرائيل الى جانبها. وسيعتمد الشيء الكثير على نص برنامج الحكومة العتيدة. ان من صوتوا لحركة"حماس"في انتخابات نزيهة فعلوا ذلك متطلعين الى قيامها بمحاربة الفساد الذي لوث بعض شخصيات السلطة ومؤسساتها. لكن هؤلاء ما كانوا ليصوتوا بهذه الاعداد الكبيرة ل"حماس"لولا ان حزب السلطة الحاكم سابقاً اخفق في اقناع اسرائيل بسحب جيشها المحتل من مدن وبلدات الضفة الغربية وازالة الحواجز العسكرية والبؤر الاستيطانية المتكاثرة كالفطر السام. فماذا ستقول"حماس"للناس عندما تواصل اسرائيل ضم الاراضي والموارد وتضييق العيش متذرعةً بأن الحركة لا تعترف باسرائيل وتريد تدميرها؟ لعل اقصر السبل لسد الفجوة بين"فتح"و"حماس"ان تعلن الاخيرة بملء الفم قبولها بالمبادرة العربية التي هي قاسم مشترك اعظم في السياسة العربية. هذا اذا رأت ان هدف العمل السياسي هو فتح المزيد من الآفاق، لا سدها.