يتوقع ان يكون الحوار بين «فتح» و «حماس» محكوماً بالمراوحة طالما ان الهدف الحقيقي من الحوار لكل حركة متناقض كلياً مع هدف الأخرى وطالما ان «حماس» تعتقد ان «سؤالاً وجودياً» يواجه «فتح» التي ترى بدورها ان الحركة الإسلامية على مفترق طرق: اعترافها بشروط المجتمع الدولي يفقدها بريقها وخصوصيتها، وبقاؤها على موقفها ينحت من ولاء الشارع وشعبيتها. تقول «حماس» انها تريد من الحوار ان يؤدي الى «شراكة حقيقية» واستكمال الدخول من البوابة الشرعية الى كل مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بعدما حصلت على «شرعيتي» الشارع في الانتفاضة والصندوق الانتخابي في انتخابات المجلس التشريعي بداية العام 2009. في المقابل، تريد «فتح» ان يسفر الحوار الفلسطيني عن خروج «حماس» من الباب الذي دخلت منه، بحيث يمر الوقت الى حين اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في بداية العام المقبل وفق البيئة الأمنية والسياسية الراهنة: الضغط على مؤيدي الحركة في الضفة الغربية وبقاء قيادات الحركة ومسؤوليها ونوابها في السجون الإسرائيلية مع تحميل «حماس» مسؤولية بطء عملية اعادة الإعمار مثلما جرت مساع لتحميلها مسؤولية العدوان. ولا شك في ان هذه القناعات موجودة في تفكير مسؤولي الطرفين في جلسات الحوار ويغلف المواقف السياسية في كل عنصر من عناصر الحوار ولجانه المتعلقة بالحكومة الوفاقية وإصلاح اجهزة الأمن والانتخابات وإصلاح منظمة التحرير. لذلك فإن «حماس» تصر على ان يكون الاتفاق الناتج من جلسات الحوار في القاهرة «رزمة متكاملة» اي ان لا اتفاق الا بالاتفاق على كل بنود الحوار. لقد تناولت الجلسات الثلاث من الحوار في 26 شباط (فبراير) وبين 10 و19 آذار (مارس) وفي بداية نيسان (ابريل) الأسئلة الهامشية من جوهر الخلاف وبقيت القضايا الجوهرية عالقة. ف «حماس» ترفض ان يتضمن البرنامج السياسي لحكومة الوحدة استخدام عبارة «التزام» الاتفاقات مع اسرائيل وتقترح استخدام كلمة «احترام» تكراراً لما جاء في البيان السياسي للحكومة المنبثقة من اتفاق مكة في العام 2007، لأنها لا تريد الاعتراف بإسرائيل لأسباب عقائدية تخص موقف «الاخوان المسلمين» والحركة من المقاومة، وعملية لأن في ذلك إلغاء لتميز «حماس» عن غيرها، بحسب اعتقاد مسؤوليها. كما ان الحركة الاسلامية تريد ان يكون اصلاح اجهزة الأمن متزامناً في الضفة الغربية وقطاع غزة وان يكون حاملاً للمعانى والأساليب نفسها. وبحسب مصادر «حماس» فإن الحركة لا تريد ان تقتصر عملية اصلاح الأجهزة في الضفة على تدريب الأجهزة ورفع كفايتها مع بقاء سلطة «فتح» عليها في حين يؤدي «الاصلاح» في غزة الى خسارة «حماس» للسلطة على الأجهزة فيها. بمعنى آخر: الشراكة في قيادة وعضوية اجهزة الأمن في الضفة وغزة. اما في ما يتعلق بالانتخابات، ابدت الحركة الاسلامية «بعض المرونة» الأولية في انها وافقت على اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في حد اقصاه 25 كانون الثاني (يناير) المقبل ما يعني «اعترافاً» من هذه الحركة بشرعية الرئيس محمود عباس باعتبار ان هذه اول موقف من نوعه منذ انتهاء ولاية الرئيس عباس في بداية العام الجاري. وكان لافتاً في هذا السياق، ان القمة العربية اتخذت خطوة مماثلة في بيانها الختامي في اول قمة عربية منذ انتهاء ولاية عباس، مع الإشارة الى شرعية المجلس التشريعي المنتخب، ارضاء ل «حماس». لكن «حماس»، عندما وافقت على الانتخابات، ربطت الموضوع بأمرين: الأول، ان يكون ذلك جزءاً من «رزمة متكاملة» ما يعني انها موافقة شفوية الى حين ابرام بقية بنود الحوار. الثاني، ان تجرى انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني بالتزامن. و «ما المانع ان تنشر ثلاثة صناديق اقتراعية في آن واحد: انتخابات رئاسة، مجلس تشريعي، ومجلس وطني»، بحسب قول مسؤول في «حماس». وهنا يكمن احد العناصر الجوهرية في مسيرة الحوار بين «فتح» و «حماس». ذلك ان الأولى تريد القول ان الحركة الاسلامية تريد الانقلاب على الشرعية الفلسطينية بتشكيل شرعية جديدة وبديلة من منظمة التحرير، وهذا ما يفسر هرولة مسؤولين في «فتح» الى تفسير كلام رئيس المكتب السياسي ل «حماس» خالد مشعل في شأن تشكيل «جبهة لقوى المقاومة». انبرى بعض قادة «فتح» للقول ان هذا يرمي الى «الغاء» منظمة التحرير، بينما كان موقف «حماس» واضحاً. اذ ميز احد القياديين فيها بين المنظمة واللجنة التنفيذية. «المنظمة مثل الدولة واللجنة التنفيذية تشبه النظام» بالتالي فإن الحركة تريد تغييراً عبر صناديق الاقتراع وأصوات الشارع في «النظام الفلسطيني». ويستند موقف «حماس» الى ان المنظمة «لا تزال وستبقى الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني» ثم تنتقل الى المطالبة بانتخاب مجلس وطني جديد يسفر عن لجنة تنفيذية جديدة باعتبار ان خمسة من اعضاء اللجنة ال18 فارقوا الحياة كما ان اثنين هما: فاروق القدومي وأسعد عبد الرحمن لا يحضران الاجتماعات، ما يعني ان اكثر من ثلث المقاعد شاغرة. كما ان المجلس الوطني لم يلتئم منذ 1996 باستثناء اجتماع العام 1998 الذي تضمن تعديلاً - تغييراً في ميثاق المنظمة. ويقول احد قياديي «حماس» ان اللجنة التنفيذية «لم تعد تمثل الخريطة السياسية للواقع الفلسطيني ولا تأخذ بالحسبان التغييرات الحاصلة على الأرض»، لافتاً الى وجود رغبة اقليمية وفلسطينية في «المماطلة» في حصول التغيير، الأمر الذي يفسر عدم تنفيذ اي شيء مما اتفق عليه في حوارات القاهرة في 17 آذار 2005 بعد مرور اربع سنوات على الاتفاق على اعادة احياء مؤسسات المنظمة. من هنا، فإن «حماس» تضع الاقتراح المصري بفصل موضوع تشكيل الحكومة عن عناصر الحوار المتعلقة بالانتخابات وإصلاح اجهزة الأمن والمنظمة في سياق مواصلة «العملية الحوارية» من دون نتائج باعتبار انه يمدد للأمر الواقع الى حين اقتراب موعد الانتخابات في بداية العام المقبل وتجاهل موضوع المنظمة ودخول «حماس» و «الجهاد» فيها، وربط عملية اعادة اعمار غزة وإصلاح الاجهزة والمنظمة بلجنة تقع تحت «المظلة السياسية» للرئيس عباس. لذلك، فإن «حماس» تريد ان تكون هذه اللجنة «اعلى من الحكومتين» اي من حكومة عباس والحكومة المقالة برئاسة اسماعيل هنية.