تتردد عبارة"السياسة فن الممكن"على ألسنة كثيرين من الأكاديميين العرب الذين يدرسون العلوم السياسية من الكتب الاستعمارية الإنكليزية أو المترجمة أو المكتوبة على هواها والملوثة بخبث الاستعمار الذي يجثم على بطوننا ولا يريدنا أن نتحرك لأن السياسة فن الممكن وليس في إمكاننا مقاومته لأنه أقوى منا مادياً فلا جدوى من المقاومة التي ستقودنا الى الهلاك، فلذلك يجب الإذعان لشروطه المذلة المهينة لأن السياسة فن الممكن. في حال الصراع بين الظالم والمظلوم غالباً ما يكون الظالم ذا قوة مادية جبارة وغالباً ما يكون المظلوم ضعيف الحال مادياً، فعبارة السياسة فن الممكن تعطي المظلوم جرعة من الجبن والتخاذل كي يكسر إرادته للظالم ويستسلم له، لكن إذا ما حسبنا الإمكانات الروحية للمظلوم نجد أنها هائلة لأن إحساسه بالظلم له رد فعل عكسي بحسب القانون الثالث لنيوتن: لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، أي أن المظلوم يملك بحسب القانون المذكور طاقة روحية تتحول طاقة مادية تعادل طاقة الظالم القوي الجبار، أي أن الله عادل الأشياء والقوى بفعل النواميس التي أرساها في هذا الكون. إن عبارة السياسة فن الممكن قامت عليها كل الاتفاقات التخاذلية للأمة، من اتفاقية كمب ديفيد بين مصر وإسرائيل واتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل إلى اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ولكن"حزب الله"عندما واجه إسرائيل في الحرب السادسة 2006 وخاض معها حربا مدتها 33 يوماً كسر فيها شوكة جيش الدفاع العدواني الذي كان يدوس على بطون عشرين جيشاً عربياً. لم يحسب"حزب الله"فن الممكن ولو حسبها لاستسلم ولم يلمه أحد، وكذلك عبدالناصر عام 1956 لو حسب فن الممكن لما أمم القناة وواجه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وسطّر ملحمة تاريخية بدماء أبطال بورسعيد وأبطال الشعب المصري"كذلك لم يحسب ياسر عرفات فن الممكن عندما واجه الجيش الإسرائيلي المنتصر قبل عام في معركة الكرامة عام 1968 حيث انهزم الجيش الإسرائيلي. إن الإرادة تسخّر القوى غير الملموسة"الطاقة الروحية"وتحولها"طاقة مادية"وقوة هائلة بحسب نظرية آينشتاين بتحول المادة الى طاقة والطاقة إلى مادة، وأي مظلوم أو فقير يستطيع امتلاك الإرادة والإصرار، فهي داخل النفس الإنسانية ولا تكلف مالاً ولا قوةً ولا علماً ولا جاهاً ولا سلطاناً. إن عبارة"السياسة فن الممكن"هي جزء من الحرب النفسية التي تشنها القوى الاستعمارية المعادية لأمتنا لدفعها إلى التخاذل والاستسلام"ولكن الذي يستسلم هو نخب الطفيليين، أما الشعوب فما برحت تقاوم وستظل تقاوم حتى تدحر الطغاة. غازي أبو فرحة - جنين - فلسطين