من الصعب أن لا تنشب مشادة كلامية في مقاهي حي"مقديشو الصغيرة"في أديس أبابا، ففي كل مرة يتطرق فيها الحديث إلى الأوضاع السياسية في الصومال أو خطر نشوب حرب بين إثيوبيا والإسلاميين في الصومال، يتعالى الصياح. ويقول عثمان نور 64 عاماً، وهو نجار لجأ إلى إثيوبيا من منطقة"بونت لاند"الصومالية:"المحاكم الإسلامية هي القاعدة. ينبغي أن تتدخل إثيوبيا وتتخلص منها الآن". فيرد عليه رجل آخر ملوحاً بقبضته وهو يقف قرب المقهى الذي يفترش الرصيف في المنطقة التي يتجمع فيها لاجئون صوماليون أو إثيوبيون من أصل صومالي:"ليس صحيحاً. أنا أؤيد المحاكم الإسلامية، وكذلك آخرون. لقد أقرت السلام". وتبرز المشادة بين الرجلين الانقسامات في الصومال، حيث قلص تنامي نفوذ الإسلاميين سلطة الحكومة الموقتة التي شُكلت قبل عامين برعاية الأممالمتحدة لإنهاء 15 عاماً من الفوضى، وتسلط الضوء كذلك على توتر الأوضاع في إثيوبيا المجاورة التي هددت بالتدخل في حال هاجم الإسلاميون الحكومة الانتقالية أو دخلوا إثيوبيا. وتكفي جولة سريعة في حي"مقديشو الصغيرة"، لتلمس خلالها معارضة الغالبية للإسلاميين، ربما لأنهم في إثيوبيا ولأن كثيرين جاؤوا من أماكن مثل"بونت لاند"الخارجة عن نطاق سيطرة"المحاكم"ومن قبلها زعماء الحرب الذين هزمهم الإسلاميون في حزيران يونيو الماضي. وقال يوسف جامع 56 عاماً، وهو فلاح من"بونت لاند"يقيم في إثيوبيا منذ عامين سعياً إلى السفر إلى السويد:"كل ما جلبته المحاكم الإسلامية هو البنادق". لكن قلة في الحي أبدت تعاطفها مع الإسلاميين. وتدخل آخرون لمنع أنصار المحاكم من الحديث وإبعادهم. وقال شاب من مقديشو رفض ذكر اسمه وهو يقف في شارع جانبي ضيق:"الخطر شديد هنا. يحيط بنا المخبرون في كل مكان". ويعيش عشرات الآلاف من الصوماليين في أديس أبابا. لكن من الصعب معرفة عددهم بسبب صعوبة التمييز بين اللاجئين والإثيوبيين ذوي الأصول الصومالية الذين يمثلون ستة في المئة من مواطني البلاد. وجميع سكان منطقة أوغادين شرق إثيوبيا من الصوماليين تقريباً، وهي كانت مسرحاً لحرب ضروس بين العامين 1977 و1978، حين صدت إثيوبيا بدعم من الاتحاد السوفياتي غزواً صومالياً. وتخشى أديس أبابا أن يتطلع الإسلاميون إلى ضم أوغادين إلى"الصومال الكبرى". وقال عمر موس 18 عاماً الذي غادر ميناء كيسمايو الصومالي قبل استيلاء الإسلاميين عليه أخيراً:"إنهم يهددون منطقة القرن الأفريقي بأسرها". ويرى عبدي حسن فرح 61 عاماً الذي وصل إثيوبيا العام الماضي بعد نفوق ماشيته، أن"الوضع صعب جداً"في الصومال. وفور وصولهم إلى أديس أبابا، ينضم الصوماليون إلى شبكة جيدة التنظيم من مواطنيهم الذين يعيشون على تحويلات ذويهم من الخارج. وتنتشر المقاهي ومتاجر تحويل الأموال في غالبية شوارع"مقديشو الصغيرة". وتفترش النساء الأرض لعرض سلع أولية، بينما تأكل الماشية أطعمة متعفنة. ووسط الأكواخ ومنازل أكثر تواضعاً، تقبع مجمعات أكبر تحيط بها أسوار لصوماليين أقاموا أنشطة مربحة في الحي. فعلى رغم أن الغالبية تبحث عن تذكرة سفر إلى أوروبا أو الولاياتالمتحدة، فإن آخرين ارتبطوا بالتزام طويل الأمد وأفادوا من وجودهم في الحي، بينهم إبراهيم جمعة الذي فر من جمهورية أرض الصومال التي أعلنت استقلالها من جانب واحد، ليدير مدرسة خاصة صغيرة أسماها"مركز التعليم الصومالي". وهو يقول:"ينتظر الصومال مستقبل عظيم. ما تحتاجه الأجيال المقبلة هو التعليم وليس الجدل والصراع".