يقول محللون سياسيون إن سلطة الرئيس الصومالي شيخ شريف شيخ أحمد الذي يواجه تمرداً تقوده جماعات إسلامية، ستبقى على الأرجح «هشة ورمزية» إذا اعتمد فقط على «التصريحات الفارغة» المؤيدة له من أنحاء العالم وفشل في كسب ثقة شعبه بنظامه. واستطاع أحمد في ظرف ثلاث سنوات من التحوّل من «منفيّ» إلى رئيس للدولة. فبعدما فر من مقديشو عندها هاجمها الجيش الإثيوبي لإسقاط نظام «المحاكم الإسلامية» في الأيام الأخيرة من عام 2006، عاد إليها رئيساً في بداية عام 2009 بعدما اضطر الإثيوبيون إلى الإنسحاب تحت وطأة هجمات المتمردين الإسلاميين. وأحمد الذي لا يتقن الإنكليزية، درس اللغة العربية في المرحلة الثانوية والجامعية وتخصص في الشريعة الإسلامية والقانون في ليبيا، وله تاريخ حافل بالانجازات الإسلامية بين عامي 2004 و2008. ولعب في النصف الثاني من عام 2006 دوراً محورياً في تأسيس «المحاكم الإسلامية» التي سيطرت على الصومال بما في ذلك العاصمة، ما عدا مناطق بلاط بنط «بونت لاند» و «أرض الصومال»، قبل أن تغزو القوات الإثيوبية البلاد وتزيح «المحاكم» عن السلطة. وكانت «المحاكم» الوعاء الذي حوى التيارات الإسلامية المختلفة. وأعطى تكوين «المحاكم» أملاً للإسلاميين بعودة نفوذهم إلى بلادهم بعدما سحقت القوات الإثيوبية مسلحي حزب «الإتحاد الإسلامي» في تسعينات القرن الماضي إثر تهديدهم أمنها وشنّهم حرباً ضدها في إقليم أوغادين (شرق إثيوبيا). ووجد الشباب الإسلامي المتحمس ضالته في هذا التحالف الإسلامي الذي آواهم ووفر لهم الغطاء الذي افتقدوه بعد إضمحلال «الإتحاد الإسلامي». لم يكن أحمد جزءاً من «الإتحاد الإسلامي»، لكنه كان جزءاً من «المحاكم الإسلامية» التي انتسب إليها كل أفراد الجماعات الإسلامية في الصومال باستثناء تيار الإخوان المسلمين المعروف محلياً ب «حركة الإصلاح». وفضّل أعضاء «الإصلاح» البقاء خارج سلطة «المحاكم» لأنهم لم يرغبوا في الوقوع تحت إمرة السلفيين الجهاديين المسيطرين على أجندة «المحاكم». ونجح أحمد المائل إلى التوجه الإخواني المحلي القريب من الصوفية، في إعتلاء أعلى مرتبة لدى الإسلامين في الصومال (في هيكلية «المحاكم»)، إلا أن الغزو الإثيوبي للصومال أظهره بوصفه إسلامياً صوفياً معتدلاً وليس أصولياً جهادياً كزملائه في «المحاكم» مثل شيخ حسن طاهر عويس. ولا يبدو أن ماضي أحمد في «المحاكم» نجح حتى الآن في جمع التأييد الشعبي المطلوب لحكومته المنبثقة من رحم مصالحته في العام الماضي مع حكومة الرئيس السابق عبدالله يوسف التي يتهمها الإسلاميون بمحاربتهم والتضييق عليهم. ويعتبر أعداء أحمد حكومته بأنها «عميلة» لأديس أبابا مثلها مثل حكومة يوسف. ووجّه الرئيس أحمد في الفترة الماضية اتهامات للمعارضة بأنها تحمل أجندة تنظيم «القاعدة» وتخدم دولاً خارجية. ويقود المعارضة لإدارته تنظيمان إسلاميان أساسيان هما: الحزب الإسلامي بقيادة غريمه الشيخ حسن طاهر عويس الذي تخلّى عن «تحالف إعادة تحرير الصومال» ليقود الحزب الإسلامي، و «حركة الشباب المجاهدين» التي تكفّر أحمد وتريد إطاحة حكومته مهما كلّفها ذلك من تضحيات. ويقول منتقدون لأحمد إنه يكرر تجربة سياسات سابقة ثبت فشلها في الصومال وأدّت إلى سقوط مهين للرئيس السابق عبدالله يوسف أحمد: الاعتماد على السلاح الأميركي والاكتفاء بتأييد الأفارقة، خصوصاً إثيوبيا وكينيا، لنظام حكمه. ويقول المنتقدون أيضاً إن إعلان الرئيس أحمد حال الطوارئ في البلاد، الشهر الماضي، كان جزءاً من حملة تستهدف الظفر بتأييد القوى العظمى والدول المجاورة. وكان رئيس البرلمان شيخ آدم مادوبي قد سبقه إلى دعوة العالم والدول المجاورة للصومال إلى التدخل العسكري السريع لمناصرة الحكومة الإنتقالية المتهاوية التي لا تسيطر إلا على جيوب محدودة في العاصمة، مثل المطار والميناء والقصر الرئاسي. ويقول المنتقدون إنه لو تدبّر أحمد أسباب سقوط سلفه يوسف لاستخلص منها عبراً ربما تنفعه في تأمين بقاء نظامه. فيوسف انتُخب رئيساً في عام 2004 في نيروبي بغالبية ساحقة من النواب الصوماليين الذين اعتقدوا أن في إمكانه إدارة البلاد نظراً إلى خبرته في استتباب الأمن في مسقط رأسه في إقليم بونت لاند. وكان النواب يتذكرون جيداً ما آلت إليه حكومة الرئيس عبد قاسم صلاد حسن التي أفسحت المجال أمام يوسف لكنها فشلت حتى في الخروج من الفندق الذي اتخذته مقراً لها في العاصمة، مقديشو، بسبب ضعفها العسكري وكره كثير من ساكني العاصمة لها. هتف الصوماليون يومها لانتخاب يوسف رئيساً واستبشروا خيراً وتدفقت التهانئ من العالم. ولكن بعد أربع سنوات من التناحر الداخلي والقتال بين القوات الإثيوبية الداعمة لحكومته وبين الإسلاميين، استقال يوسف العام الماضي من الرئاسة ويعيش الآن لاجئاً سياسياً في اليمن. والواضح أن أحمد الذي انتخبه النواب الصوماليون رئيساً بغالبية كبيرة في جيبوتي مطلع هذا العام، يواجه تحديات لا تقل جسامة عن التهديدات التي فشلت إدارة يوسف في التصدي لها. فالمعارضة الإسلامية تتهمه بالخيانة منذ ترك صفوفها وانضم إلى محادثات السلام التي كانت الأممالمتحدة ترعاها والتي أثمرت فوزه بالرئاسة. والخيار الوحيد المتاح أمامه الآن هو مقاتلة المعارضة الإسلامية المسلحة التي تريد إسقاط نظامه، والاستعانة بالدول الأجنبية وعلى رأسها أميركا وإثيوبيا لمنع انهيار حكمه. ويقول عبدالله حسن أستاذ العلوم السياسة في جامعة كينياتا في العاصمة الكينية نيروبي: «لا بد من أن يكون (الرئيس) أحمد أحد أمرين: إما أنه تنطلي عليه التصريحات الفارغة المؤيدة له من الغرب والإتحاد الأفريقي ويظن أن هذه الأطراف ستساعده في بسط سلطته في الصومال، وإما أنه لا يعرف أن على أي رئيس صومالي يريد إدارة البلاد أن يكسب دعم شعبه قبل الدعم الخارجي. لقد كان ذلك سر نجاح «المحاكم الإسلامية» في 2006. أيدها الشعب فاستطاعت فتح المدن واحدة تلو الأخرى من دون مقاومة تُذكر». وإضافة إلى الدعم الأميركي وقوات السلام الافريقية المنتشرة في مقديشو، يستعين أحمد داخلياً بأمراء حرب سابقين مثل عبد قيبديد، رئيس الشرطة الصومالية الذي ورثه من إدارة يوسف، وشيخ يوسف إنطعدي الذي عيّنه أخيراً وزير دولة لشؤون الأمن. وإنطعدي الذي يقود الآن القتال ضد قوات المعارضة في مقديشو، كان، مثل أحمد، عضواً بارزاً في «المحاكم الإسلامية»، إذ شغل منصب وزير الدفاع في كل من اتحاد «المحاكم» و «تحالف إعادة تحرير الصومال» الذي تشكّل بعد الغزو الإثيوبي في أسمرة. وعلى رغم أن أحمد استطاع ضم بعض الإسلاميين البارزين إلى حكومته، مثل وزيري العدل والداخلية، إلا أن حكمه يواجه خطر انفضاض كثير من الإسلاميين عنه لرفضهم الانخراط في قتال المعارضة الإسلامية إذا كان ذلك يتم تلبية لرغبة الأميركيين والإثيوبيين. وظهرت بوادر بهذا الخصوص آخرها انضمام شيخ إبراهيم يوسف - مسؤول الإدارة الإسلامية في مدينة بلدويني، شمال العاصمة، والتابعة لحكومة أحمد - إلى المعارضة الإسلامية يوم الأربعاء الماضي. وعزا يوسف سبب انضمامه إلى المعارضة إلى الأنباء التي ذكرت أن القوات الإثيوبية بصدد التدخل مرة ثانية في الصومال لمساندة الحكومة الحالية ضد الإسلاميين المسلحين. ومنذ اندلاع القتال بين قوات الحكومة الصومالية وبين الإسلاميين، قبل شهرين تقريباً، تفيد تقارير بأن مئات المسلحين الإسلاميين تركوا صفوف الحكومة وانضموا إلى المعارضة.