انعقد في العاصمة الاثيوبية - اديس أبابا - في الاسبوع الثالث من تشرين الاول اكتوبر الماضي المؤتمر التداولي العالمي الثاني حول الصومال. ورغم ان اصحاب "المولد" كانوا غائبين، اذ لم يكن هنالك صوماليون، فانهم وجدوا من يتحدث باسمهم ومن يتداول في قضيتهم، وحتى من يبعث عبر المؤتمر برسالة أمل، بدليل ان المشاركين لوحوا لأول مرة بوجود ضوء في نهاية النفق. كتب ابراهيم الضاهر: مهما تحدث الناس عن الصومال، فمن الصعب فهم الخريطة الاجتماعية الصومالية، المعقدة التركيب، لأنها لا تعتمد على القاعدة القبلية فقط بل تجاوزتها الى العشائر والبطون والافخاذ والأسر. ولتيسير ذلك الفهم، لا بد من تعدادها ورصدها. فمن الجذور الاساسية للقبائل الصومالية الثلاث: والدارود والاريري وسباب، جاءت وحدات اثنية وقبائل وعشائر وأسر: المريحان، الاوغادين، ورسنغلي، ماجرتين، دولباهنتي، أفمادو، اوغاهان، موكابول، بهجيري، عثمان محمود، عيسي محمود، عمر محمود علي ساليبان، رير ابراهيمو. وقد تفرعت عن هذه: الحاوية، الاسحاق والدر بكسر الدال وتولد عنها الأبغال وهبرغدر، حوادل وموراساد. ومن كل واحدة من هذه جاء: حارتي ابغال ورسيلي، وابودان، سعد، سليمان، ،إبر، جالاف، هيلو ولية ثم هبر أول، هبر جاعلو، هبر غرهجيس. وتنقسم الاخيرة الى: سعد موسى اول، عيسى موسى اول وايوب ثم محمد ابو بكر، ابراهيم سمبور موسى ابو بكر واحمد جالو فهبر يونس، عيد اغالا وأعراب. وبعدهم الفدابورسي، عيسى، بيمال، باجومال، غورجنو مادولوك، ماداوني، بورسوكي ودبروي، فدجل ورحا نوين ميرفل سعد، ميرفل ساغال، بوغول هور بوغول داه وبوغول دامت ثم ديسو، أميت، كومال، جلال، ماليم وينا، جيرون، رير ديومال غروال، ليسان بري، ليسان حورسي، حارو، حرين، حلي، كسائل، اشيا عمر الدين، كسائل وين هيردو، وكسائل ير ايضموغي، وكدور، غسار غودا، غالو ويقر، وكيبو، حدما، لووي، جليبل، سرما، منفييار، جليدي، بلغوري ونغيال. بعد كل هذا، ألا ترون ان آخر رئيس لدولة الصومال الجنرال سياد بري، والذي حكمها منذ تشرين الاول 1969 حتى 1991، كان حقاً رجلاً قوياً رغم سوئه وسوآته. حافظ على وحدة بلد بهذا الحجم من القبائل وفم القبائل و"خشوم" البيوت؟! وهو على الاقل لم يعلن قبل رحيله، كما فعل رئيس الزائير السابق موبوتو سيسي سيكو بأن ذهابه سيفضي الى فوضى اهلية وحروب في بلاده، وانه صمام الأمان. لكن الذي وقع في الصومال، بعد لجوء سياد بري الى نيجيريا ثم موته فيها، كان الافضل منه ان يستمر حكمه لأن "سيناريو" الاحداث تداعى الى ما هو فوق التصور. فقد عاشت الصومال اكثر من حقبة من الزمان حصد خلالها اهلها نيران الاحتراب والاقتتال، وتصارعت فصائلها السياسية الكثر، وظلت بلا حكومة مركزية، وتشرد اهلوها وانتشروا في بقاع العالم كلاجئين بل كمرفوضين في كثير من الحالات، وكمشردين. ومن الذي ينسى ان اميركا تدخلت عسكرياً في الصومال دون معرفة بالخلفية، فلحقت بها الهزائم، وتحمل امين عام الاممالمتحدة السابق، الدكتور بطرس غالي، وزر فشل القبعات الزرقاء في الصومال، وهو فشل فرضته تركيبة الصومال السكانية والاجتماعية. وينسحب الفشل على منظمة الوحدة الافريقية التي توالت مجهوداتها من خلال رئيسها آنذاك رئيس نيجيريا الجنرال ابراهيم بابنغيدا، ومن خلال وفود المنظمة القارية، كما ينسحب على المجتمع الدولي بأسره، وهو ما يفسر الخفوت "الدولي" حيال القضية الصومالية، وضمور الاجتهادات والمبادرات الدولية والاقليمية لحلها. فقد وصل الحال بالمجتمع الدولي، ومن قبله القارة الافريقية، الى حد القول بأن حل المشكلة الصومالية في ايدي الصوماليين انفسهم، وانه لا يوجد حل يمكن استيراده من اجلهم ومن اجل بلدهم! لكن افريقيا برغم كل شيء، احتفظت بالملف مفتوحاً وعلى اجندتها من خلال منظمة "الايقاد" وتفويض رئيس الوزراء الاثيوبي، ملس زيناوي من قبل القمة الافريقية لمتابعة الجهود ومتابعة الموقف. وقد قام الاخير بارسال وفد اثيوبي الى الصومال من ذوي الاصول والاعراق الصومالية اطلقوا عليه "وفد الحكماء" لكن الحكمة لم تتغلب ربما لنفس السبب، ألا وهو تعقيد التركيبة الصومالية سياسياً واجتماعياً. فلجأ رئيس الوزراء الاثيوبي الى عقد مؤتمر المصالحة الذي استضافه في منتجع سودري وتغيب عنه فصيل عيديد. ونجحت القاهرة في استضافة مؤتمر مصالحة صومالية آخر، حضره حسين عيديد، مما أثار غضب اديس أبابا، وربما فزعها باعتبار ان مصر تلعب بالورقة الصومالية لسحب البساط من تحتها، لكن مصر احتوت الازمة بسرعة فائقة قائلة ان مؤتمرها كان استكمالاً لمؤتمر سودري الاثيوبي ودعماً له. ويبدو ان تفاهماً حصل بين اثيوبيا ومصر، وظهر حسين عيديد في اثيوبيا مباركاً لاتفاق سودري، مما زاد من فرص التفاؤل بالتوصل الى اتفاق - على الاقل - على عقد مصالحة صومالية راهنت عليها الاممالمتحدة، ومنظمة الوحدة الافريقية ومنظمة الايقاد، لكن الجهود الاثيوبية لتقريب وجهات النظر بين عيديد من جهة وبين عبدالله يوسف ومحمد سعيد مورجان التي اعطت الامل في تحقيق المصالحة الوطنية، اصطدمت بصخرة قائد منطقة شمال العاصمة مقديشو، المدعو موسى سودي، الذي اعلن رفضه تقارب عيديد مع اديس ابابا وتعهده العمل مع الجماعات الاسلامية التي قال ان اديس ابابا اغرت عيديد بالتخلي عنها. بل قيل انه سافر الى باكستان لاجراء اتصالات مع مجموعة اسامة بن لادن، لاجهاض تقارب عيديد مع اثيوبيا، بكل السبل الممكنة. ومن الملاحظ ان هذا التوجه "الاسلامي" تسبب في خلق خلافات ادت الى انشقاقات شملت ستة من الفصائل الصومالية فيما تحالف عيديد وعلي مهدي الخصمان الرئيسيان وشكل كل من عثمان عطو وحسين بوط نائب علي مهدي وموسى سودي تحالفاً مناوئاً لمهدي وعيديد، فيما اعتبر مسانداً للاتحاد الاسلامي الصومالي الذي انقلب عليه عيديد بانضمامه الى المعسكر الاثيوبي. وزادت الطين بلة، التقسيمات الاقليمية المتمثلة في اعلان جمهورية ارض الصومال في الشمال بزعامة محمد ابراهيم عقال ثم تلاها اقليم بونت لاند بزعامة عبدالله يوسف فاقليم جوبا لاند بزعامة محمد سعيد مورجان. ومن المستحيل التوصل الى اي اتفاق دون الوصول الى الحد الادنى من الوفاق بين هذه الدويلات. ولا احد يدري ما اذا كان الحظر الدولي الذي تم فرضه مؤخراً على استيراد الماشية من الصومال يشكل ضغطاً دولياً على جمهورية ارض الصومال، ام هو مجرد مصادفة لأن تلك الجمهورية التي لم يعترف بها احد سوى اهلها، تواجه نتيجة ذلك القرار أزمة اقتصادية خانقة تضعها في مصاف دول عربية اخرى تواجه الحظر مثل ليبيا والعراق والسودان، او هكذا يعتقد رئيس تلك الجمهورية النشاز. فقبل الحظر كانت الجمهورية المسماة ارض الصومال تصدر مواشي مقابل مئة وعشرين مليون دولار سنوياً، ولم يعد ذلك قائماً الآن بعد الحظر، مما يوحي بانفلات أمني في حالة فشل الحكومة في دفع رواتب جيشها البالغ عدده خمسة وعشرين الفاً، مما سيصعّد نبض الازمة الصومالية في جنوب البلاد وشمالها على حد سواء. وبالرغم من قتامة الصورة السياسية داخل الصومال خاصة بعد التحالفات الجديدة المرتبطة بالعامل الاسلامي، والتي تنبئ بموجة فوضى وحالة عدم استقرار تزيد من معاناة الشعب، وبالرغم من التشاؤم الذي ابداه عبدالله أدن قبيو، رئيس الحركة الشعبية الصومالية، الذي وصف كلاً من اتفاقيتي سودري والقاهرة بأنها ميتة شاركت في مراسم دفنها الفصائل الصومالية نفسها وتقبلت العزاء فيها الدول الراعية للاتفاقيتين، الا ان بصيص الامل يأتي من اقتناع حسين عيديد باتفاق القاهرة كمخرج لحل الازمة، ومن تحذيره من عمليات التقسيم الجارية في اشارة واضحة الى ما يسمى بأرض الصومال وولاية بونت لاند وجوبا لاند. كما يأتي من نفي عيديد لأي علاقة له بالارهاب الدولي او بأسامة بن لادن او حتى ما يسمى بالاتحاد الاسلامي المناهض لاثيوبيا. وفي نهاية المطاف، ورغم غياب الفصائل الصومالية عن المؤتمر العالمي التداولي الثاني حول قضية الصومال، فان ما وضح هو مشاركة وتصميم الاممالمتحدة ومنظمة الوحدة الافريقية ومنظمة الايقاد، وقبلها وبعدها ست وثلاثين دولة افريقية واجنبية حضرت المؤتمر اضافة الى الاتحاد الاوروبي والمجتمع الدولي، بأن الازمة الصومالية المنسية قد حان الاوان لحلها. ومن روح المؤتمر ظهر ان القضية الصومالية تجد مجدداً اهتماماً قارياً واقليمياً ودولياً بل استعداداً لتمويل عقد مؤتمر صلح جامع يفضي الى قيام سلطة شرعية في البلاد تكون بمثابة حكومة وحدة وطنية. وما كان لافتاً للأنظار في المؤتمر ممثل الاتحاد الاوروبي الذي دافع ونافح عن الصوماليين بضراوة، ان لم يكن قد تحدث باسمهم او نيابة عنهم. وبعد انفضاض المؤتمر يمكن القول بأن الجميع مقتنع بأن الضوء قد لاح في نهاية النفق، ومن المهم ان تتمسك الدول المانحة والدول الافريقية والمنظمات الدولية والاقليمية بأن الحل ممكن لكن بمشاركة أهل الصومال وكافة فصائلهم، خاصة وان روح الحوار والمناقشات صبت كلها في منح فرصة اخيرة للصوماليين ليصلوا الى كلمة سواء. وعليهم ان يتعلموا الدرس بأن المجتمع الدولي قد ضاق باستمرار عرض المسرحية الصومالية على الخشبة الدولية، لضعفها وسخفها. وقد آن الوقت للممثلين ان ينزلوا من الخشبة الى الواقع، وان يحاولوا ان يروا مع الآخرين الضوء في نهاية النفق… وإلا فالطوفان