تواجه ادارة جورج بوش خطر أن يخسر الجمهوريون الانتخابات النصفية الشهر المقبل، بعد أن ثبت أن القيادة الجمهورية في مجلس النواب، خصوصاً رئيسه دنيس هاسترت، تكتمت على تحرش النائب الجمهوري مارك فولي جنسياً بالأولاد المتدربين في مجلس النواب خشية أن يؤثر ذلك في فرص فوز الحزب. إدارة بوش مسؤولة عن قتل أكثر من مئة ألف عراقي و 2700 جندي أميركي ومئات من جنود التحالف، وعن تدمير العراق وادخاله في حرب أهلية واطلاق فرق الموت، وعن تهديد الشرق الأوسط كله بالخراب عبر مواجهة مع ايران. الإدارة الجمهورية مسؤولة عن كل هذا وأكثر منه، ولكن الجمهوريين يواجهون خطر خسارة الانتخابات لأن نائباً تحرش بولد. هل هناك إهانة للعرب والمسلمين أكبر من هذه؟ من يهن يسهل الهوان عليه، غير أنني غاضب الى درجة انني أخشى أن أقول ما أندم عليه، فلا أقول شيئاً، وإنما أترك للقارئ أن يقرأ مرة ثانية الفقرة السابقة ويغضب أو يرضى كما يريد. الإدارة الأميركية قد تفقد السيطرة على مجلس النواب لأن التنافس على مقاعده كلها، وهي 435 مقعداً، إلا أنني استبعد أن تخسر غالبيتها في مجلس الشيوخ، حيث الجمهوريون يحتلون 55 مقعداً مقابل 45 مقعداً للديموقراطيين، والانتخابات على ثلث المقاعد فقط، ما يعني أن الجمهوريين بحاجة الى الفوز بستة مقاعد ليسيطروا على مجلس الشيوخ، وهذا صعب جداً إن لم يكن مستحيلاً. أمام هذا الوضع، ومع معارضة 61 في المئة من الأميركيين الحرب على العراق بحسب آخر استطلاع أمامي، بدأت اسمع عن"مفاجأة اكتوبر"، وهي عبارة تتردد قبل موعد كل انتخابات أميركية في تشرين الثاني نوفمبر، والحديث هذه المرة عن ضربة عسكرية لايران تجعل الأميركيين يلتفون حول رئيسهم. كل حرب شعبية في اليوم الأول، أو الشهر أو السنة، ولكن الحرب تفقد شعبيتها اذا طالت، وكانت الحرب على افغانستان ثم العراق شعبية في البداية ثم فقدت شعبيتها وزادت المعارضة لها، ولعل إدارة بوش تتوقع أن تكون ضربة لايران شعبية في أيامها الأولى، ربما يكفي للفوز في الانتخابات. أرجو أن تكون التوقعات مخطئة لأنها إن صدقت فهي في سوء موضوع النائب السابق والولد لأنها تعني أن تقتل الادارة الأميركية عشرات ألوف العرب والمسلمين وتوقع دماراً هائلاً لحماية بضعة مقاعد في الكونغرس. مع ذلك، ومن دون"مفاجأة"هذا الشهر يصعب تصور سبب ليفوز الجمهوريون في الانتخابات فسجل إدارة بوش هو فشل كامل في الداخل والخارج. القارئ العربي أو المسلم يهتم أكثر بالسياسة الخارجية، وهو ربما يتذكر ان الرئيس بوش خاض حملة انتخابات الرئاسة لولايته الأولى على أساس برنامج شبه انعزالي، وهو في مناظرة تلفزيونية مع منافسه آل غور في مثل هذا الشهر سنة الفين رفض"بناء الأمم"وقال إنه سيكون حذراً جداً في ارسال قوات أميركية الى الخارج، زاعماً أن هذا ما يريده غور، إلا أنه فاز بالرئاسة، ونفذ السياسة التي هاجمها، بشكل لم يحلم به الديموقراطيون. السياسة الخارجية الأميركية تقوم على ركيزتين: الأولى أن القوة العسكرية الأميركية هائلة ولا تقهر، والثانية انها قوة للخير. غير أن القوة العسكرية الأميركية هزمت في فيتنام، وهي هزمت في العراق، ثم أن هناك 1.2 بليون مسلم لا يعتبرون القوة الأميركية للخير، بل يرونها للشر، ويصرون على أن اسرائيل تسيطر عليها وتوجهها لفرض هيمنة أميركية واسرائيلية على الشرق الأوسط. وهم يتذكرون أن جورج بوش وعد بأن يكون العراق"منارة"للحرية في المنطقة، ويرون العراق يذبح من الوريد الى الوريد، ولا حرية اليوم أو غداً. الولاياتالمتحدة خسرت الحرب في فيتنام وانسحبت، إلا أنني لا أراها ستنسحب من الشرق الأوسط، فهو أهم كثيراً مع وجود اسرائيل والنفط، لذلك فالبقاء مرجح والضربة لايران محتملة. وربما كانت هناك مخارج، إلا أن جورج بوش لا يملك القدرة مثل ريتشارد نيكسون الذي أدرك أن لا حل إلا بالخروج من الهند الصينية وفعل. كلنا يتابع فشل السياسة الخارجية لإدارة بوش التي جعلت من العراق مركزاً لتدريب الارهابيين وتجنيدهم فيما هي تخوض حرباً ضد الارهاب، فتزرعه حيث لم يكن، غير ان الادارة فشلت أيضاً على الصعيد الداخلي، من الاقتصاد والتعامل مع الكوارث من نوع اعصار نيو اورلينز الى حقوق المواطن الأميركي وغير الأميركي. إدارة بوش مسؤولة عن سجون سرية، وقد تنصتت على المواطنين، بل تجسست على حساباتهم المصرفية، ومارست الاعتقال الكيفي والسجن للمشتبه بهم بلا نهاية ومن دون محاكمة، وكل هذا يخالف القوانين الأميركية وحقوقاً انتزعها الأميركيون على امتداد اكثر من قرنين. الإدارة الأميركية خالفت الدستور وشرعة الحقوق حقوق المواطن الأميركي، والقانون الذي زعم الجمهوريون في الكونغرس أنه"حل وسط"ليس وسطاً أبداً، فهو يعطي الرئيس حق اعتقال مواطنين أميركيين كمقاتلين أعداء، وحق أن يقرر من هو ارهابي أو يؤيد الارهاب ليعتقل مجرداً من كل حقوق قانونية متعارف عليها. كل هذا بحجة مكافحة الارهاب، إلا أن الارهاب زاد حول العالم، كما تقول تقارير وزارة الخارجية الأميركية وغيرها، فيبقى أن يخسر الجمهوريون أحد مجلسي الكونغرس، أو تفاجئ الادارة الأميركيين والعالم بمفاجأة تنسي الجميع مئة ألف قتيل ونائب وولد.