هل تصبح أوهايو 2004 هي فلوريدا 2000؟ الأميركيون لم يهضموا بعد ان رئيسهم معيّن وليس منتخباً، وإذا عيّنت المحكمة العليا الرئيس مرة أخرى، فإن الديموقراطية الأميركية ستصاب بنكسة تضاف الى نكساتها منذ ارهاب 11/9/2001، وما خسر الأميركيون من حقوقهم المدنية المكتسبة في سبيل مكافحة الارهاب. أكتب مرّة أخرى ظهر اليوم السابق للنشر، وجورج بوش متقدّم على جون كيري من دون ان يتأكد فوزه، ولا أزال عند رأيي ان المرشحين، عربياً وإسلامياً، شهاب الدين وأخوه. لا أعتقد بأننا سنشهد تغييراً ملحوظاً في السياسة الأميركية ازاء الشرق الأوسط في السنوات الأربع المقبلة، فبوش وكيري اختلفا على الاجهاض وعقوبة الاعدام وخفض الضرائب والبيئة وزواج المثليين و"حق" حمل السلاح، الا انهما في موضوع اسرائيل تنافسا في ايهما أكثر تأييداً لدولة يقودها مجرم حرب من نوع آرييل شارون. العرب والمسلمون واليهود حول العالم والاسرائىليون يعرفون مواقف الرجلين من دون الحاجة الى قراءة شرحي لها او اي شرح آخر. لذلك فاستطلاعات الرأي العام أظهرت ان غالبية من الاسرائىليين تؤيد جورج بوش الذي تخلى عن عملية السلام لمصلحة شارون، في حين بقيت غالبية من اليهود الأميركيين مع الحزب الديموقراطي بما يعكس ليبراليتها المعروفة، وكان بوش نال 19 في المئة من أصوات اليهود الأميركيين في مقابل 81 في المئة لآل غور، ولم يفده تأييده الأعمى اسرائيل كثيراً، فالاستطلاعات أظهرت انه كسب خمسة في المئة أخرى أو ستة في المئة، وبقيت الغالبية في صف الديموقراطيين. وفي المقابل، فالعرب الذين أعطوا بوش ثقتهم في الشرق الأوسط، وانتخبوه في الولاياتالمتحدة سنة ألفين، تحوّلوا عنه الى جون كيري، عندما وجدوا ان بوش الابن لا يشبه أباه في شيء. مع ذلك كان تحولهم من نوع "لا حباً بمعاوية، بل كرهاً بعلي"، فهم أيدوا كيري من دون حماسة لما يعرفون من مزايدته على بوش في دعم اسرائيل، والى درجة ان يرسل أخاه الذي اعتنق اليهودية، متخلياً عن الكثلكة، الى اسرائيل ليطمئن الناس هناك ان جون كيري معهم. وتظلّ محاولة اكتشاف فروق بين سياستي بوش وكيري ازاء الشرق الأوسط من نوع "فلق الشعرة"، وكان الجمهوريون رددوا ان كيري عارض الجدار الأمني، ورد الديموقراطيون ان بوش وصفه بأنه "غير مساعد" في الوصول الى حلّ. وانتهى الرجلان مع الجدار، على رغم العنصرية الواضحة في الفصل، وقرار محكمة العدل الدولية الذي حكم بعدم شرعيته. والرجلان عارضا التفاوض مع الرئيس ياسر عرفات، ووضع كل منهما شروطاً تعجيزية للتفاوض، يكفي منها وقف كل العمليات المسلحة ضد اسرائيل. وأولاً، فأبو عمار لا يستطيع وقفها، وثانياً، فمن المستحيل ان يوقف الفلسطينيون المقاومة وآرييل شارون يقتل ويدمّر كل يوم من دون ان تطلب منه الولاياتالمتحدة وقف جرائمه ليصبح طلب وقف المقاومة منطقياً. اذا كان من فارق، وقد اجتهدت للعثور عليه، فهو ان كيري لن يترك قضية السلام في الشرق الأوسط في يدي آرييل شارون ما يعني تفويضاً بقتل النساء والأطفال، كما رأينا في الهجوم الأخير على قطاع غزة. وكان جورج بوش في الاجتماع الاول لمجلس الأمن القومي بعد دخوله البيت الأبيض سنة 2001، قال ان قضية الشرق الاوسط صعبة، ولا يريد الانغماس بها، وحذّره وزير خارجيته كولن باول من خطر مثل هذا الموقف، وكيف ان شارون قد يستغله، وردّ بوش بحذقه السياسي المعروف "أحياناً ممارسة القوة من جانب توضح الأمور فعلاً". ما اتّضح هو ان آرييل شارون مجرم حرب، وأن ادارة بوش تشجعه وتدافع عنه ما يجعلها شريكاً في هذه الجرائم. كيري أذكى من ان يطلق لشارون العنان، الا انه وبوش سواء في تأييد اسرائيل، والاذعان لمواقفها في النهاية، فالجدار مثال على المعارضة ثم الموافقة، الا ان المثال الأهم هو المستوطنات، وكلها غير شرعي، فقد تدرجت الادارات الأميركية من معارضتها الى موافقة جورج بوش عليها وعلى النمو "الطبيعي" للسكان فيها. وأتجاوز سياسة ازاء الفلسطينيين تشجع التطرف من الجانبين وتقتل اليهود مع العرب، الى العراق حيث سياسة بوش وكيري في السوء نفسه أو أسوأ، فليس عند اي من الرجلين خطة للانسحاب من العراق، أو خطة لكسب الحرب فيه، أو خطة لكسب العقول والقلوب، أو خطة للتعامل مع دول الجوار، الا اذا اعتبرنا تهديد ايران وسورية خطة. الرئيس بوش أدخل بلاده هذا المدخل الصعب، وهو وكيري لا يملكان مخرجاً. ولعلّ أغرب ما في الديموقراطية الأميركية موديل 2004 ان رئيس أميركا فشل على كل صعيد، من الحروب الخارجية الى السياسة الداخلية، والاقتصاد والبيئة والضمانات الاجتماعية وغيرها، يخوض الانتخابات مرّة ثانية على أساس "سجله"، ويحقق تقدماً على منافسه. بالنسبة اليّ شخصياً، عودة جورج بوش رئيساً تعني تأخير محاكمة عصابة المحافظين الجدد الذين ورطوا ادارة بوش في حرب غير مبررة، وغير ضرورية على العراق، فقتل مئات الأميركيين ربما ألوف بعد أربع سنوات وعشرات ألوف العراقيين في جريمة يتحمّلون المسؤولية عنها، مع عملائهم العراقيين الذين طعنوا بلادهم في الصدر والظهر لإسقاط صدام حسين، وكلنا أراد سقوطه، الذي يظل إنجازاً، غير ان الثمن مرتفع جداً من أرواح العراقيين ومستقبل بلادهم. ولعلّ محكمة محايدة بعد أربع سنوات توافقني الرأي ان المحافظين الجدد خططوا لتدمير العراق، لا مجرد إسقاط صدام حسين ونظامه.